
إرم نيوز:تتزايد حدّة التوتر داخل "الإطار التنسيقي" مع اقتراب المصادقة النهائية على نتائج الانتخابات، بعدما تحول التجديد لرئيس الوزراء المنتهية ولايته، محمد شياع السوداني، إلى عقدة الانقسام الأكبر داخل المكوّن الشيعي.
تكشف مصادر سياسية عراقية تحدّثت لـ"إرم نيوز"، أن قادة فصائل نافذة وضعوا "فيتو نهائيًّا" على ترشيح السوداني، معتبرين أن الرجل لم يعد ممثلًا لِما يسمونه "مشروع المقاومة"، بعد مواقفه الأخيرة التي رأتها تلك الفصائل "انحيازًا واضحًا لواشنطن".
وبحسب هذه المصادر، فإن الاجتماع الأهم للفصائل، الذي عُقد قبل أيام في بغداد، خلص إلى أن "إعادة تدوير السوداني خط أحمر". وقدم قادة الفصائل لائحة اتهامات تتضمن "التغطية السياسية" لنشر قرار إدراج حزب الله والحوثيين على لائحة الإرهاب العراقية قبل سحبه لاحقًا، معتبرين أن "الخطأ الإداري" المعلن ليس إلا "تفصيلًا يخفي دور السوداني في السماح بمرور القرار لإثبات حسن نيته للأمريكيين".
"السوداني أهان إرث سليماني والمهندس"
وتضيف مصادر "إرم نيوز" أن الفصائل لم تُسقط أيضًا من حساباتها الإشادة التي صدرت في محفل دبلوماسي عراقي بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي تطالب بعض الدوائر بمنحه "نوبل للسلام"، وهو ما اعتبرته الفصائل "إهانة لدماء الشهداء"، وخاصة قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. وتنقل المصادر عن قيادي رفيع في أحد الفصائل أن "هذا الحدث شكّل نقطة اللاعودة بالنسبة للمقاومة، التي لن تسمح بوصول السوداني ثانية مهما كانت الضغوط الإيرانية أو الأمريكية".
وبحسب ما تسرب، فإن الاجتماع الأخير لقادة "تنسيقية المقاومة" وضع "معايير عقائدية وسياسية إلزامية" لأي مرشح، أبرزها الحد من النفوذ الأمريكي، الالتزام العلني بـ "محور المقاومة"، وتحصين الحشد الشعبي. وهذه المعايير، وفق المصادر نفسها، "لا تنطبق على السوداني".
الخزعلي متحفظ… لا رافض
رغم حدّة موقف بعض الفصائل، فإن قيادات أخرى، وعلى رأسها الأمين العام لـ"عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، تتبنى مقاربة أكثر ليونة. فبحسب مصدر مطلع تحدث لـ"إرم نيوز"، لا يعارض الخزعلي الانفتاح الخارجي "ما دام لا يمس خط المقاومة"، لكنه يرى أن المرحلة المقبلة "تحتاج شخصية أكثر انسجامًا مع توجهات المكوّن الشيعي"، وهو ما يعني عمليًّا أنه غير متحمس للسوداني، وإن لم يشارك بحدة في الهجوم عليه.
وتُظهر هذه المواقف أن "الإطار" مقبل على جولة انشقاقات داخلية ما لم تنجح طهران في احتواء الخلافات، خاصةً أن الأطراف الخمسة المرشحة لرئاسة الحكومة لا تزال غير قادرة على تحقيق توافق شامل داخل البيت الشيعي.
إيران على الخط
من جهتها، تقول مصادر عراقية مقربة من طهران لـ"إرم نيوز" إن إيران لا ترغب في خسارة السوداني بالكامل، لكنها تدرك حجم الغضب الداخلي، ولذلك تحاول "إدارة الاشتباك" وعدم الانجرار إلى كسر إرادة الفصائل. وتضيف المصادر أن طهران "تفضل سيناريو التسوية" الذي يقضي بطرح شخصية "مقبولة من الجميع"، لكنها في المقابل لن تقف ضد قرار موحد إن اتُخذ داخل الإطار.
غير أن المشكلة، كما يقول أحد الوسطاء، أن "الإطار التنسيقي لم يعد جسدًا واحدًا، بل مجموعة تكتلات"؛ بعضها مرتبط بشكل عضوي بالفصائل، وبعضها أقرب إلى السوداني والمالكي؛ ما يجعل الوصول إلى مرشح واحد "عملية تتطلب وقتًا قد يتجاوز الأسابيع الأولى من العام المقبل".
واشنطن.. عقوبات جاهزة على الطاولة
يتزامن هذا الاشتباك الداخلي مع تهديدات واضحة من واشنطن بفرض عقوبات على شخصيات سياسية وفصائلية وشركات مالية إذا حصلت الفصائل على حقائب رئيسية في الحكومة المقبلة. وتشير تسريبات حصلت عليها "إرم نيوز" إلى أن قائمة العقوبات شبه جاهزة وتشمل، قيادات بارزة في الفصائل، شخصيات سياسية مرتبطة بملف التحويلات المالية، وشركات تتهمها واشنطن بأنها جزء من "شبكة النفوذ الإيرانية".
هذه التهديدات تضع السوداني في موقع "المرشح الأنسب" بالنسبة للأمريكيين، باعتباره الأكثر قدرة على إدارة العلاقة مع واشنطن وتخفيف الضغط الدولي. لكن هذا العامل بالذات هو ما يستخدمه خصومه داخل "الإطار" لإسقاطه.
سيناريوهات المرحلة المقبلة
وفق قراءة مصادر سياسية رفيعة لـ"إرم نيوز"، هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لِما ستؤول إليه الأمور، الأول يقوم على تسوية داخل الإطار، بحيث تتفق الفصائل والمالكي والخزعلي على مرشح وسط، مع بقاء السوداني خارج اللعبة. وهذا السيناريو هو الأقرب حاليًّا، لكنه يتطلب موافقة إيرانية وحلحلة بين القوى الكردية والسنّية.
السيناريو الثاني، كما تقول المصادر، هو تصلب الفصائل وانقسام الإطار، وخاصةً إذا أصر جناح المالكي والسوداني على تجديد الولاية، فقد يشهد "الإطار" أول انقسام علني منذ تأسيسه، بما يؤدي إلى تأخير تشكيل الحكومة لأشهر وربما الدخول في صراع سياسي وأمني.
أما السيناريو الثالث، فهو تشكيل حكومة بلا فصائل، عبر حكومة "تكنوقراط"، وهو سيناريو تدرسه واشنطن بجدية، بحيث لا تضم الحكومة قيادات فصائلية مقابل توفير دعم اقتصادي للعراق. لكن الفصائل، وفق مصادرها، "لن تسمح بتمرير حكومة تستبعدها"، وقد تلجأ إلى تصعيد ميداني أو شلل سياسي داخل البرلمان.
خلاصة القول، وفقًا لِما تؤكده مصادر "إرم نيوز" أن حظوظ السوداني في ولاية جديدة باتت شبه معدومة، وأن النقاش داخل "الإطار" لم يعد حول "ترشيحه من عدمه"، بل حول طريقة إخراجه من السباق دون تفجير البيت الشيعي.
واليوم، مع اقتراب نهاية العام، يبدو المشهد مفتوحًا على مزيد من التعقيد، في وقت تقف فيه بغداد بين ضغط الفصائل، وتهديد واشنطن، وحذر طهران؛ ما يجعل تشكيل الحكومة المقبلة من أصعب المراحل التي مرت بها العملية السياسية منذ 2003.

1315 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع