الخوريات ....الجزء الثاني

         

       الخوريات ..قبسات ... وإضاءات ...الجزء /الجزء الثاني

    

                     بقلم / جمهور كركوكلي

      
 لا يجد الباحث المتعّمق للخوريات القديم ، كثير عناءٍ في ملاحظة الجوانب الأخلاقية والسمة الرجولية ، التي يتّحلى بها الشاعر ( الحبيب ) حين يتناول علاقته بالمرأة ( الحبيبة ) غزلاً ، أو تشّبباً ، أو وصفاً مجرداً ، ويكاد كل الخوريات القديم ، يخلو من كلماتٍ أو تعابير منحطة ، بذيئة ، خارجة وبعيدة عن النُظم الأخلاقية  المحافظة والمتلزمة ،التي يتصف بها المجتمع التركماني .. فشاعر الخوريات  ينظر الى حبيبته كقيمةٍ عاليةٍ ، لا ينبغي الحّط من قدرها ، أو تشويه صورتها المثالية الصافية .
فهو حين يصف علاقته بها ، يحاول أن لا يحيد عن القواعد الاخلاقية السامية ، ولا يهبط أو يبتذل قولاً أو ايماءاً ، وهو بذلك يقتفي أثر الشعراء الملتزمين والمتعففين ، القدماء والمحدثين منهم على حدٍ سواء ، تماما كما قال أحدهم :
 كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني ... منه الحياء وخوف الله والحذر
أو كذاك  الذي زار حبيبته خلسةً وهي في مضجعها ، لكنه ترفّع عن فعل شيء تأباها نفسه السوّية ، وغريزته الأنسانية السليمة ، فقال واصفاً ، زيارته تلك التي تمت بعيدا عن الأعين  :
 
فجئت وما في القوم يقظان غيرها ... وقد نام عنها كل واش وحارس
فبتنا بليل طيب نستلذه          ...       جميعا ولم أقلب لها كف لامس
 
أما شاعر الخوريات ، فيذهب أبعد من ذلك في الحياء والعفة والنُبُل ، فهو حين يلتقي حبيبته ، لا يقو على النظر أليها ، بل ويطرق رأسه ، خجلاً وحياءاً ، كالطفل الخجول  أمام من هو أكبر منه  ، فيقول :
 
كّوزيوه باخا بيلمه م .... كّوزيوده ن ... كّوز .. اوطاني ...!!
 
فيما يعزو اّخر ، سبب انعقاد لسانه أمام حبيبته ، واصابته بالخرس ، الى مهابة اللقاء ، وحُرمة المكان ، رغم أنه أغزر من القاضي ( الحاكم ) علماً ، وافصح منه بيانا .. فيقول :
 
بير حاكمنان جوخ بيلله م .... لال أوللام يار .. أوكّنده ......!!
 
وعلى الرغم ان الخوريات هو الأقرب والأحبب الى نفس كل تركماني ، من بين بقية أنواع الشعر، القديم والحديث ، المقّفى والحر ، باعتباره موروثاً  أدبياً  ، نابعاً من صميم المجتمع ، وبالتالي هو المترجم الأمين للواقع ، الا أنه يمتاز بأنه يُكتب بلغة راقية ، رفيعة ، محتشمة ، هي الأقرب الى لغة الشعر الديواني الذي  يصّنف  بالنسبة للكثيرين من متذوقي الشعر التركماني ،ضمن خانة ( أدب الرفوف العالية ) ، بل نجد شاعر الخوريات ، ينتقي أدواته الشعرية بكل حذر ، ويتحاشى  الهبوط بها  الى مستويات تعتبر عند المجتمع التركماني المحافظ ، والمتمسك بعرفه وقيمه الاخلاقية ، خطوطاً حمراء ،لا ينبغي لأحد ، تجاوزها ، أو المساس بها ، لذا فشاعر الخوريات حين يكتب عن الحب ، يكتب بنفس تصوفية ، نقية ، بعيدة عن النظرة المادية ، وحين يكتب عن المرأة ، يبدو كمن يتعامل مع قارورة عطر ، لا يمسها بسؤء قولاً كان أو أيماءاً أو فعلاً ، ويخاطبها بلغة محترمة ، مهذبة ، لا يخدش حياءا ، ولا ينتهك محرما ، وينظر اليها ككائن متمم للنصف الاّخر . لا كسلعة مبتذلة يستغني عنها بعد أنتفاء الحاجة أليها  ، ويتركها بعد أن يقضي منها وطراً ..
وأقصى ُمنى الشاعر ، وأبعد حُلمه ، هو أن يحظى من الحبيبة بنظرةٍ عابرةٍ ، أو يرى طيفاً منها ، في يوم عيد ، أو مناسبة تجمع بين أهل الحي والمحلة ، فيقول :
 
بير طوي اولسون بير سيران .... طوخ باخسن يارا كّوزلر ...
 
والى قبساتٍ وإضاءاتٍ أخرى ...

للراغبين الأطلاع على الجزء الأول:

http://www.algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/18139-2015-08-02-18-40-12.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

832 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع