الحلقة ٦ - الاندماج في الوظائف الرسمية والاقتصاد من كتاب: تاريخ يهود العراق المعاصر
نستمر بنشر فصول من كتاب تاريخ يهود العراق المعاصر للباحث الإسرائيلي المعروف د. نسيم قزاز والذي أصدرته رابطة الجامعيين المنحدرين من العراق في إسرائيل في 2020.
في الفصل السادس يتطرق المؤلف الى اشغال الطبقة اليهودية المثقفة في العراق، في عهد الانتداب البريطاني، مناصب مهمة ووظائف في دوائر الدولة وخاصة المالية والجهاز القضائي ووزارة الأشغال العامة. ويستطرد بقوله: " اعتبر هؤلاء، وآخرون غيرهم، العراق وطنهم وبذلوا جهدهم من أجله. ووضعوا الأسس الراسخة والطرق الناجعة لإدارة الدوائر الحكومية التي خدموا فيها". ويشيد المؤلف بساسون حسقيل كوزير المالية في عدة وزارات ودوره في ترسيخ النظام المالي والى إنجازاته ونزاهته. ويشير أيضا الى إبراهيم الكبير من اليهود الذين خدموا العراق بإخلاص، والذي تقلد مناصب عالية في وزارة المالية.
في نهاية الفصل يتطرق د. قزاز عن بداية طرد اليهود من الوظائف الحكومية في العقد الثالث واستبدالهم بخريجي الثانويات المسلمين الجدد والى تفاقم هذه الظاهرة مع تصاعد الشعور بالقومية العربية لدى الشباب، وتنامي الشعور المعادي لليهود جراء تفاقم الأوضاع في الديار المقدسة ورواج الدعاية النازية لدى شرائح واسعة من سكان العراق.
اما في نهاية الاربعينيات ومع تأسيس دولة إسرائيل فقد اتخذت السلطات العراقية سياسية تهدف إلى المس بمصادر رزق أبناء الطائفة اليهودية وشملت تطهيراً واسعاً في الدوائر الحكومية المختلفة. رافق عزل اليهود من الوظائف الحكومية تحريضاً من الصحف القومية حيث نادت بطرد اليهود من الدوائر الحكومية.
في هذا الفصل نسخ مصورة من مقالات هذه ليطلع القارئ على الأجواء التحريضية التي عاشها يهود العراق وفقدان معظمهم وظائفهم قبيل الهجرة الجماعية.
الفصل السادس - الاندماج في الوظائف الرسمية والاقتصاد
لم يُسمح "لأهل الذمة" تحت حكم الإمبراطورية العثمانية، ولعهود طويلة، بالانخراط في السلك العسكري أو تقلد وظائف حكومية، مما شكل عائقاً لوصولهم إلى الطبقة الحاكمة. وكانت اغلب الوظائف الحكومية حكراً على المسلمين باستثناء القليل منها. وشمل هذا الاستبعاد المسلمين الشيعة مواطني الإمبراطورية العثمانية. وكان من المستثنين ملاّحون يونانيون وأبناء العائلات اليونانية المحترمة الذين استُخدموا على الأغلب كمترجمين.
هذه السياسة طبقها العثمانيون في العراق. ففي أواخر القرن التاسع عشر لم يكن الا النزر القليل من اليهود من الذين خدموا في الجهاز الحكومي العراقية في وظائف لم يكن المسلمون، في حينه، مؤهلين للخدمة فيها. ففي تقرير يعود للعام 1889 لإبراهيم حييم سوميخ، والذي عمل كمُخمن في دائرة المكوس كتب فيه أنه في تلك السنة عمل في دوائر الحكومة إضافة لشخصه ستة يهود فقط: مترجم الحكومة، جابي المالية، جابي دائرة المكوس، معلم اللغة الفرنسية لمنتسبي الجيش، اثنان في دائرة البرق، إضافة إلى أربعة في المجلس البلدي.
أحدث الانقلاب الدستوري عام 1908 تغييراً جذرياً حيث أصبحت على أثره معاملة اليهود ليبرالية، وتقلد اليهود وظائف حكومية وخاصة في الدوائر المالية. ولم يرغب اليهود في حينه بتغيير ما كان مألوفاً منذ عهود بعيدة، ما عدا قلة منهم حاولت كسر حاجز المألوف والحصول على وظائف حكومية كانت متاحة من قبل للمسلمين فقط، وكان على اليهودي، إذا ما رغب بالحصول على وظيفة كهذه، أن يكون أكثر ذكاءً وكفاءةً من جميع المرشحين المسلمين السنة المتنافسين على تلك الوظيفة. وفي أغلب الأحيان كان بمقدور الشاب اليهودي الذي حظي بمثل هذه الوظائف أن يحصل على عمل مريحٍ ومجدٍ أكثر في مجالات العمل المتوفرة خارج الدوائر الحكومية، وعلى الأغلب في الشركات التجارية والبنوك، لذلك نجد أن الذين تقلدوا آنذاك وظائف حكومية كانوا قليلين جدا، وخاصة الوظائف التي تتطلب نزاهة وإخلاص: عمل 2-3 في المحاكم، وشغل بعضهم وظائف محاسبين وجباة بالدوائر المالية، وآخرين في السكك الحديدية، وانظم آخرون للعمل في أماكن كانت تحت سيطرة عناصر أجنبية: الديون العثمانية العامة ((Ottoman Public Debts، شركة التبغ (Regie Des Tabacs)، البنك العثمانيOttoman Bank) )، البنك الشرقي المحدود (Eastern Bank) وانظم إلى سلك الشرطة شاويش واحد وشرطي واحد.
لكن الصورة اخذت، في زمن الاحتلال البريطاني (1917-1921)، منعطفاً اخر بعد ان غادر اغلب موظفي الإدارة العثمانية العراق حال وصول البريطانيين والتحقوا بالقوات العثمانية المتقهقرة، وترتب على القوات المحتلة إقامة جهاز جديد لإدارة المناطق المحتلة، ولم تكن آنذاك للبريطانيين دراية بنظام الإدارة العثماني ولم يرضوا به واعتبروه جهازاً معقداً، وفضلوا النظام الهندي الذي اثبت نجاعته، وكانت نسبة غير قليلة من الضباط البريطانيين على علم وخبرة به، إضافة إلى ذلك أرادوا حكم العراق حكماً مباشراً وإخضاع جهاز إدارة ميزوݒوتاميا (الرافدين) الجديد لحكومة الهند، بضريعة ان مصلحة البلاد تقتضي إدماج بريطانيين، بإعداد سخية نسبياً، في أطر الإدارة المختلفة .
كما ان اللغة الإنكليزية أضحت لغة الإدارة الأساسية مما أقتضى "استيراد" موظفين إداريين من الهند. وأرادت سلطة الاحتلال في حينه تقليص المصروفات وحصر موارد البلاد لصالح مقتضيات الحرب التي ما زالت رحاها دائرة حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1918. لذلك امتنعت من توظيف موظفين إداريين برواتب أعلى من تلك المتبعة في الهند. وهذا لم يكن فيه ما يُغري القلة القليلة من سكان العراق من التي أجادت التحدث باللغة الإنكليزية. فأغلبيتهم فضلوا العمل في القطاع الخاص الذي كافأهم بسخاء تاركين الوظائف الحكومية للأجانب، سوى نفر قليل من سكان البلاد، أغلبيتهم مسيحيون، من الذين كانت انكليزيتهم لا ترتقي للمثالية المطلوبة. وبعد فترة وجيزة تأكد البريطانيون أن هؤلاء غير ملائمين ولم يبق لهم مجال سوى استبدالهم باليهود الذين اعتبرهم البريطانيون العنصر المتقدم في البلاد. تم توظيف اليهود بصورة تدريجية بداً بالوظائف الصغيرة. وبلغ عام 1920 عدد العراقيين، أبناء جميع الطوائف، الذين عملوا في خدمة السلطات البريطانية براتب شهري يزيد على 600 روبية 20 موظفاً فقط من مجموع 534 أو 3.74%: 10 منهم في المحاكم، 4 في قيادة الأركان البريطانية، 3 في قسم الري، 2 في الطابو، و1 في الأوقاف، أما البقية، 514 موظفاً، فكانوا هنوداً وبريطانيين.
انفتحت أبواب التوظيف للدوائر الحكومية على مصراعيها أمام العراقيين بمن فيهم اليهود، في نهاية الاحتلال وبداية الانتداب البريطاني على العراق. فقد انعدمت حينذاك الأسباب التي دفعت السلطات البريطانية بتضييق مجالات العمل في دوائرها أمام العراقيين، كما نبذت بريطانيا فكرة حكمها المباشر للعراق وإخضاعه لحكومة الهند. إذ نصت نتائج مؤتمر سان ريمو، الذي عقده المجلس الأعلى للحلفاء في شهر نيسان/أبريل من عام 1920، على دول الانتداب العظمى أن تسعى تدريجياً للعمل على تطوير البلاد التي تحت انتدابها حتى تنال استقلالها، وحتم عليها أيضاً أن تؤهل كوادر ملائمة من أبناء البلاد لتعيينهم موظفين في دوائر الدولة بصورة واسعة.
أبدى المسلمون العراقيون معارضتهم لاستخدام الأجانب بمن فيهم "أهل الذمة"، اليهود والمسيحيين، في دوائر الحكومة. ولم يدَّعوا أنهم أكثر كفاءةً من "أهل الذمة" وإنما طلبوا الاستمرار بما كان معمولاً به طيلة الحكم الإسلامي للبلاد. بينما لم يكن بدّ للبريطانيين إلاّ تسليم الوظائف المالية والفنية بيد أبناء الطوائف اليهودية والمسيحية، بما في ذلك تعيينهم وزراءً للمالية. ففي ذلك الحين كان عدداً قليلاً من العراقيين المسلمين مؤهلين للقيام بمهام في الدوائر الحكومية التي تتطلب مسؤولية وخبرة، بينما توفر الكثير من هذه المؤهلات لدى أبناء الأقليات وخاصة اليهود من الذين تلقوا تعليمهم في مدارس "الأليانس" الإسرائيلية وأتقنوا اللغات الأجنبية - الإنكليزية والفرنسية وأحياناً الألمانية – مما أهلهم لإشغال معظم الوظائف الحكومية وبنجاح، ومع ذلك اقتصر استخدامهم في دوائر حكومية ووزارات معينة: استُخدم عددٌ كبير منهم في وزارة المالية وفي الجهاز القضائي ووزارة الأشغال العامة، ولكن لم تتح لهم فرصة للعمل في وزارة الخارجية ودوائر الأمن ووزارة الداخلية. امتاز من بينهم: داود سمرة نائب محكمة التمييز، موشي شوحيط مدقق حسابات السكك الحديدية، عزرا لويّة مساعد المعاون العام، إبراهيم الكبير الذي شغل مناصب اقتصادية مختلفة.
اعتبر هؤلاء، وآخرون غيرهم، العراق وطنهم وبذلوا جهدهم من أجله. ووضعوا الأسس الراسخة والطرق الناجعة لإدارة الدوائر الحكومية التي خدموا فيها. وبرز منهم السر ساسون حسقيل الذي تقلد منصب وزير المالية في أول عهد تأسيس الدولة العراقية ثم في وزارة عبد المحسن السعدون فوزارة ياسين الهاشمي. فحرص على تشكيل الدوائر المالية ووضع الميزانية العامة وقوانين الضرائب والرسوم وقواعد الإيراد والصرف على أُسس وطيدة. اتُخذت الأسس المالية التي وضعها ساسون حسقيل نموذجاً سار عليه من استُوزر بعده والذين استعانوا بخبرته وكانوا يستشيرونه كثيراً في الأمور الاقتصادية والمالية. وقال عنه ياسين الهاشمي-:
"إذا ما ذُكر ساسون أفندي فيجئ ذكره مقروناً بالكفاح العظيم في تنظيم شؤون الدولة في سني الانتداب العجاف".
وقف ساسون، وهو وزير المالية في وزارة ياسين الهاشمي سنة 1925، موقفاً صلباً من مفاوضات النفط مع الشركة البريطانية وأصر على مساهمة الحكومة العراقية في الشركة المستثمرة ودفع الفوائد "بالشلن الذهبي". واعترف بعد حين قادة العراق بفضل ساسون وأشادوا بموقفه في مفاوضات النفط بعد أن كانوا قد عارضوه آنذاك، بمن فيهم سياسيون كانوا من ألد أعداء اليهود كفائق السامرائي نائب "حزب الاستقلال" الذي كتب في نيسان/أبريل 1949 مقالات في جريدة "لواء الاستقلال" عن تعديل امتيازات النفط العراقي، قائلاً:
"لقد كان إصرار المرحوم ساسون حسقيل في مفاوضاته مع شركة النفط البريطانية عام 1925 على وجوب دفع الشلن بالعملة الذهبية، كان يبدو غريباً بوقته، لأن الݒاوند الإسترليني كان يستند إلى قاعدة الذهب آنذاك. ولكن هذا النص بعد خروج بريطانيا على قاعدة الذهب أفاد العراق فائدة كبيرة وضاعف كثيراً من أرباحه ".
أدلى السامرائي بتصريحاته هذه في ظرف صعب، عانت الطائفة اليهودية فيه من ظلم وإرهاب من قبل السلطات العراقية وبتحريض من "حزب الاستقلال" وصحفه التي لم تنفك في حينه عن إثارة الظلم والعدوان ضد الطائفة اليهودية وزعمائها.
ومن اليهود الذين خدموا العراق بإخلاص، أبراهيم الكبير (1885-1973)، الذي تقلد مناصب عالية في وزارة المالية، وحاز على قدر كبير من النجاح في تأدية واجباته ونال التقدير والاحترام من السلطات الحكومية التي قلدته "وسام الرافدين" مكافأةً له على امتيازه وخدمته للعراق .انتدب إبراهيم الكبير عام 1924 ممثلاً عن الحكومة العراقية في المفاوضات بشأن حصة العراق من الديون العامة العثمانية في الآستانة وجنيف، وأُسندت إليه مديرية المحاسبات العامة في أول نيسان/أبريل 1927، ونفذ خطة دقيقة من أجل إصدار عملة عراقية وطنية، وتم له ذلك عام 1931 وأصبحت العملة العراقية هي المتداولة بدلاً من الروبية الهندية والليرة التركية. وأنشأ "مصرف الرافدين" عام 1941، وأصدر القرض الحكومي عام 1944، وكان مندوب "لجنة العملة العراقية" في بغداد يوم كان مركز اللجنة في لندن، وساهم في وضع الأسس لإنشاء البنك المركزي العراقي سنة 1947 وبعد عام أحيل على التقاعد.
أشاد ياسين الهاشمي بكفاءات ساسون حسقيل وإبراهيم الكبير وخدمتهم الكبيرة لاقتصاد البلاد، وتهجم على سياسة البريطانيين مدعياً أن سياستهم متجهة إلى إفقار العراق وامتصاص موارده، قائلاً-:
"أنه يتأسف لعدم توافر عناصر عراقية كفوءة في وزارة المالية تسند الوزير في آرائه وإجراءاته وإصلاحاته، مما يضطره إلى الاعتماد على الموظفين البريطانيين والخبراء الذين لا يستطيع الاستغناء عنهم إلى أمد بعيد. فلو لم تتح الفرصة لوجود ساسون حسقيل العالم والخبير في أمورها كوزير، وإبراهيم الكبير المتضلع في الإدارة المالية...لبقيت وزارة المالية خلواً من أي عنصر يستطيع إتقان العمل ".
لم يتردد الموظفون اليهود من إبداء مواقفهم أثناء التباين في الآراء والخلافات الشديدة التي نشبت مع عناصر مختلفة بمن فيهم المسؤولون والمشرفون عليهم، وذلك عندما شعروا بوقوع ضرر بالمصلحة العامة، ولم يتردد ساسون حسقيل من الوقوف ضد كل من يسير مناقضاً لقواعد النهج المستقيم. فمثلاً تشاجر ساسون حسقيل، عام 1925، مع صفوت العوا ناظر الخزينة الملكية الخاصة حين نفق رصيد البرق والبريد المخصص للديوان الملكي قبل أشهر من انقضاء العام، حين كانت رحى الحرب الحجازية النجدية دائرة على أشدها، وكانت البرقيات ترسل يومياً من البلاط الملكي العراقي إلى الملك علي في الحجاز للاطلاع على الموقف الحربي. فكتب الديوان الملكي إلى وزارة المالية يسأله الموافقة على نقل مبالغ من بند آخر في الميزانية المصدقة إلى بند البرق والبريد. فاشتاط ساسون غضباً وثارت ثائرته وأخذ ينتقد وبصوت عال كثرة النفقات ويعترض على نقل الاعتماد. وكان الملك فيصل في الغرفة المجاورة على مسمع من تعالي أصوات الشجار، ولكنه أبدى تعاطفه في هذه المناظرة لوزير ماليته وايده.
كذلك كان موقفه من السيد طالب النقيب وزير الداخلية في حكومة عبد الرحمن النقيب عندما أرسل الأخير إلى زميله وزير المالية ورقة أمر تحويل ألف روبية بيد أحد الأشخاص، فغضب ساسون وزمجر وصمم على الاستقالة، لكن رئيس الوزراء السيد عبد الرحمن هدّأ خاطره، وأفهم وزير الداخلية أن عمله ينافي قواعد الصرف في الحكومة وأن وزير المالية ليس صرافاً يدفع أموال الدولة بالتحويل. وحادث آخر وقع بين ساسون وبين لفيف من كبار الجيش العراقي الذين كانوا قد دعوه إلى مأدبة غداء أقاموها احتفالاً بالذكرى الثالثة لتأسيس الجيش العراقي. وفي اليوم التالي رفض ساسون صرف تكاليف الاحتفال من خزينة الدولة وأصر على تأديتها من المال الخاص لمنظمي الاحتفال.
وثمة خلاف نشب بين ساسون وبين ساعده الأيمن إبراهيم الكبير حول الموقف الذي يجب على العراق اتخاذه بمسألة تسوية الديون العثمانية. إذ أن ساسون كان واثقاً أن جميع الدول صاحبة الديون، بما في ذلك تركيا التي كانت صاحبة الدين الأساسي، سوف لا تفي بتعهداتها وأصر على أن يحذو العراق حذوها. إضافة إلى ذلك قال إن العراق ليس لديه أي تعهد في ذمته، وليس من الممكن أن يُطالَب باحترام تعهُدٍ فُرض عليه في معاهدة لوزان التي لم يوقع عليها، كما وأن العراق لم يستفد من الدين استفادة ما، سواء أكان ذلك اقتصادياً أو غير ذلك. كان موقف ساسون هذا منافيا لموقف الكبير وكانت شدة الخلاف بينهما حوله شديدة. في نهاية الأمر رُفع هذا الدين تدريجياً حتى ازيل نهائياً، وتبين إن الحق كان مع ساسون.
كان إبراهيم الكبير يفتخر هو الآخر بمواقفه الصلبة أمام المسؤولين الأعلى مرتبة منه عندما كان يشعر أن إجراءاتهم تمس بسمعة العراق وإنجازاته الاقتصادية ونظامه المالي، الذي بذل في سبيلهم وزملاؤه جهوداً جمة. فمثلاً، في النصف الثاني من العقد الرابع للقرن الماضي احتدم الخلاف بينه وبين رستم حيدر وزير المالية عندما أراد الوزير إلغاء صفقات اقتصادية وتعهدات أجراها وزراء مالية سابقون، الأمر الذي عارضه الكبير بشدة. قائلاً -:
"ليس كعادتي، أردت أن أثنيه عن ذلك، لأن الأمر قد يمس سمعة العراق الطيبة، ولما أصريت على موقفي، لم أتمالك أعصابي وفقدت هدوئي وقلت له بصراحة، إن ما يأمر به ليس منطقياً... ولفتُ نظره إلى الإنجازات التي حققها العراق في الماضي وإلى سمعته الطيبة والحظوة التي نالها في الأوساط المالية في العالم، ثم أشرت إلى الجهود والتضحيات التي قدمناها لكي نحظى بتلك السمعة. "إن أمر حضرة معاليه"، قلت له، "معناه تصفية أعراف وتقاليد مالية سامية أخذنا بها على مدى عشرين عاماً ".
استمر الكبير وزملاؤه بتأدية واجباتهم بثبات وإخلاص للعراق، بدافع ولاء داخلي عميق في قرارة أنفسهم، ولم ينفكوا من هذا النهج حتى في الأيام الصعبة والعصيبة التي داهمتهم خلال انقلاب رشيد عالي الكيلاني (1892-1965) حين نشبت الحرب بين الجيش البريطاني والجيش العراقي والتي استمرت طوال شهر إيار/مايس من عام 1941. ففي تلك المدة عانت الطائفة اليهودية من عمليات بطش وتنكيل في شوارع العاصمة من قبل الأوساط المتطرفة، أدت إلى قتل البعض وجرح آخرين. وفي ذلك الظرف كان رئيس الحكومة العراقية رشيد عالي الكيلاني قلقاً من قرار اتخذه ضباط عراقيون متهورون في الأيام الأولى من بداية الحرب، أرادوا بموجبه الاستيلاء على البنوك البريطانية الثلاثة التي كانت تعمل آنذاك في بغداد، وذلك لأنهم كانوا واثقين من انتصار الجيش العراقي في الحرب الدائرة. استطاع رشيد عالي - الذي أراد في بداية الخلاف التفاهم مع البريطانيين قبل أن يتفاقم الوضع - أن يحبط تنفيذ قرار الضباط فلجأ إلى إبراهيم الكبير وكلفه بالبحث عن إمكانية اتصال بالسفارة البريطانية، التي كانت تحت حراسة مشددة ومحصنة، لإيجاد حلٍّ للمشكلة يُتفق عليه. وتكللت مهمة إبراهيم بالنجاح ووافق البريطانيون أن تحوّل ملكية البنوك الثلاث للحكومة العراقية مقابل تعهد بتسليم تعويضات بتوقيع من وزير المالية العراقي موسى الشابندر. أبدى رئيس الحكومة شكره الجزيل للكبير على المسؤولية الكبرى التي أخذها على عاتقه. يقول الكبير في مذكراته-:
"ربما ظن رئيس الحكومة أني كيهودي موالٍ للبريطانيين لا أنظر بعطف نحو الحكومة وسياستها في ذلك الظرف الصعب، ولكنه كان متأكداً أن حبي للوطن والدوافع لخدمته بإخلاص سيحيدونني إلى العمل من أجل العراق ومن أجل مصلحته بكل ما يتعلق في المجال المالي والاقتصادي وذلك بغض النظر عن نوعية وإطار الحكومة القائمة ".
مما يقوله الكبير، ليس بمقدورنا إن نستنتج، إذا ما كانت وجهة نظره هذه تعكس وجهة نظر عموم الطائفة اليهودية في تلك الأيام الحرجة أو أنه تعبير عن شعور شخصي يتفرد به. ومع ذلك فمن الواضح إن أمامنا نمط تفكير نموذجي اختص به مثقفون يهود أجازوا لنفسهم التعاون مع أنظمة معادية لليهود على أساس الوصية الدينية "حكم السلطة مطاع" التي تفرض على اليهود الانصياع لأحكام السلطة، وحجة الإخلاص للوطن. لم يكن الكبير منفردا بمثل هذا السلوك والتفكير أيام المحن التي مرت بها الطائفة اليهودية في العراق المعاصر، فمثلاً عندما اتبعت الحكومة العراقية سياسة الإجحاف والإرهاب في عام 1948، بعث زعماء الطائفة برسالة إلى الكونت برنادوت، "وسيط منظمة الأمم المتحدة في قضية فلسطين"، في 7 أيلول/سبتمبر من تلك السنة، وأرسلوا نسخ منها للبعثات الدبلوماسية الأجنبية المُعتمدة في العراق، تحدثوا فيها باسم الطائفة عن إخلاصهم لدولتهم، قائلين -:
"لو وضعت على محكٍ دقيقٍ إخلاص الطائفة اليهودية لوطنها ولمليكها وحكومتها ولسكانها بصورةٍ عامة لما أستطعت أن تجد شائبة واحدة، فحتى في حقبة حكم رشيد عالي التي شكلت خطراً على قوات الحلفاء، والتي قُتل فيها مئات من أبناء الطائفة بمن فيهم رجال وأطفال واغتصبت نساء حوامل ونهبت محتويات مئات البيوت في بغداد، لم تكف الطائفة اليهودية عن إخلاصها للملك والوطن ".
لم يحظَ الموظفون اليهود، بصورة عامة، بكلمة شكر من السلطات العراقية ولا من الشعب العراقي على تفانيهم في خدمة الوطن. إذ كانت خلفية استخدامهم في القطاع الحكومي، قبل كل شيء، نتيجة لعدم توافر المؤهلات المطلوبة لدى المسلمين للقيام بالوظائف المختلفة، ومع ذلك اعتبروا متجاوزين لحقوق في النهاية ليست لهم. ففي عام 1921، في مستهل إقامة الجهاز الحكومي الجديد، عارضت أوساط شتى من السكان دخول اليهود إليه، ولكنهم استكانوا للواقع إلى حين، كأهون الشرين. لم يكن تسليم المسلمين بالأمر الواقع خاليا من الشعور بالمرارة والحسد، وسبق أن لاحظ ذلك زعماء الطائفة في العشرينات من القرن المنصرم، وتتطرق إليه مناحيم صالح دانيال بصورة مباشرة عندما رفض طلب المنظمة الصهيونية في لندن القيام بنشاط صهيوني بالعراق، وعلل ذلك بحسد المسلمين على اليهودي الذي يتغلب عليهم بالمنافسة على الوظائف الحكومية، وبالمرارة والغيض المتنامي لدى الأعداد الكثيرة من الموظفين السابقين الذين أصبحوا عاطلين عن العمل.
بدأت بوادر طرد اليهود من الوظائف الحكومية في الظهور بعد عقد من الزمن. حين انضمت إلى العوامل التي سبق ذكرها عوامل أخري لا تقل أهمية منها وهي تصاعد الشعور بالقومية العربية لدى الشباب، وتنامي الشعور المعادي لليهود جراء تفاقم الأوضاع في الديار المقدسة ورواج الدعاية النازية لدى شرائح واسعة من سكان العراق. وتزامنت هذه العوامل مع التذمر المتزايد بصورة خاصة بين الشبان المسلمين خريجي المدارس الثانوية الذين كانت أعدادهم في تزايد مستمر والذين تطلعوا إلى تقلد الوظائف الحكومية ورأوا بذلك أمرأً طبيعيا وتنفيذاً لهدفهم من الدراسة الثانويةً.
ازداد عدد خريجي المدارس الثانوية نتيجة للجهود التي بذلتها سلطات الانتداب البريطاني في مجال التعليم. ففي سنة 1921 كانت ميزانية التعليم في العراق 3.3% من الميزانية العامة أو ~ 194 مليون روبية وارتفع عام 1931 إلى 7.9% من الميزانية العامة أو~ 34 مليون روبية.
تضاعف، بفضل هذه المساعي، عدد المدارس الابتدائية في البلاد وفي المقابل تضاعف أيضاً عدد التلاميذ الذين تلقوا العلم فيها، أما المدارس الثانوية فقد ازداد عددها بأربعة أضعاف وبلغ عام 1931 خمس عشرة مدرسة تلقى فيها دراستهم 1،863 تلميذاً، ما يقارب ثمانية أضعاف ما كان عليه سنة 1921.
لائحة رقم 4
المدارس والتلاميذ في بداية عشرينات وثلاثينات القرن العشرين
ويقول ساطع الحصري، مدير عام وزارة المعارف العراقية زمن الانتداب، إنه في سنة 1921 كان المجموع الكلي لطلاب المدارس العراقية من أبناء جميع الطوائف 15,518 طالباً، من ضمنهم 543 طالباً يهودياً. وفي نفس الوقت ارتفع عدد العاطلين عن العمل من المسلمين خريجي المدارس الثانوية والمعاهد العليا، وبالمقابل تصاعد عدد الموظفين اليهود في الدوائر الحكومية. وسرعان ما تحولت الوظائف في حينه لمصدر رزق للكثير من أصحاب العائلات اليهودية. فحسب المعطيات، الواردة في مؤلف ابن يعقوب، بلغ عدد اليهود الذين كان يرتزقون عام 1932 من الوظائف، الحكومية والبنوك وفي الشركات الأجنبية، 1,766 موظفاً، حسب الترتيب التالي-:
800 موظف في الدوائر الحكومية
800 موظف في سكك الحديد
66 موظفاً في البنوك
100 موظف في شركات أجنبية
1,766 المجموع
لمعاجلة مشكلة الشباب المسلمين العاطلين عن العمل، خريجي المدارس الثانوية، لجأت الحكومة العراقية إلى تضخيم الجهاز الإداري، وزيادة الملاك في الدوائر المختلفة مما أرهق كاهل خزينة الدولة. وازداد الوضع تفاقماً سنة 1930 بعد الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1929 التي أثرت أيضاً على اقتصاد العراق. فلم تلقى الصادرات الرئيسية في البلاد مثل التمور والحنطة والشعير رواجا في السوق العالمية، وانخفضت الأسعار في السوق المحلية إلى الحضيض، وفي كثير من الأحيان لم يتأتَ من إيرادات الحنطة سوى تكاليف شحنها لا غير. وتركت الأزمة مردوداً سلبياً وضربة قاصمة على ميزانية الدولة، وانخفضت واردات الدولة إلى ما دون الـ 3 مليون جنيه إسترليني، وكان هذا الانخفاض كبيراً بالنسبة لما كان متوقعاً عند اعداد الميزانية، وفي محاولة للوصول إلى ميزانية متوازنة لجأت الحكومة إلى تقليص النمو في كادر الموظفين وخفض الرواتب، وسنت قانوناً خاصاً يخول الوزراء عزل موظفين أو فصلهم مؤقتاً بناء على توصيات لجان شكلت لهذه الغاية في جميع الدوائر الحكومية. ولدت هذه الخطوات تذمراً وشكاوى لدى العاطلين عن العمل من بين الشباب المسلم وولد انتقادات قاسية ضد الحكومة في الصحف والبرلمان وفي الأوساط الخاصة. وسريعاً ما ولد توجهاً إلى المس بالموظفين اليهود، فركب متن هذه الموجة سياسيون انتهازيون، استغلوا الفرصة لتسويق مكانتهم على الساحة السياسية الداخلية. ومن السخرية بمكان كان بعض من هؤلاء يستخدمون موظفين يهوداً في إدارة معاملاتهم وشئونهم الخاصة.
أخذت شوكة هؤلاء الانتهازيين في التصاعد بعد انتهاء الانتداب البريطاني عام 1932، وخسر العراق برحيل الملك فيصل الأول في أيلول/سبتمبر من عام 1933 زعيماً ومرجعياً أعلى انصاع له الجميع. فمن بعده ضعف النظام بصورة عامة واشتد الخلاف بين رجال السياسة، مما أدى إلى تفاقم التحريض ضد اليهود.
كرّست الصحف العراقية، خاصة الصحف القومية المتطرفة المنحازة للنازية، مقالات كثيرة لفتت فيها النظر إلى مشكلة الشباب خريجي المدارس الثانوية العاطلين عن العمل وأججت المشاعر ضد الموظفين اليهود. فمثلاً نشرت كل من جريدة "الاستقلال" "والعالم العربي" مقالات افتتاحية تناولت فيها قضية العاطلين عن العمل والحاجة الماسة لحلها. ففي تموز/يوليو 1935 نشرت جريدة "العالم العربي" مقالاً افتتاحياً جاء فيه أن في كل عام يتخرج "جيشاً" جديداً من المثقفين " أمل الشعب" المتسولين على الأبواب يطلبون وظيفة صغيرة لتأمين قوتهم اليومي.
وفي عام 1934 تبين أن الدعاية النازية تركت أثراً عميقاً في أوساط السلطة العراقية الحاكمة بما يتعلق بمعاملة اليهود. وأول دليل على ذلك كان في شهر أيلول/سبتمبر من تلك السنة حين أقدم أرشد العمري (1888-1978)، وزير الاقتصاد والمواصلات في وزارة ياسين الهاشمي، على فصل 150 موظفاً من وزارته. وكان العمري من أشد المعادين لليهود من منطلق أيديولوجي مناهض لهم. تم هذا الإجراء بموافقة الحكومة بعد أسابيع قليلة من تشكيلها.
شمل الفصل بصورة خاصة دوائر الري، والأشغال العامة، والبرق والبريد، التي كانت جميعها تحت إشراف عراقي مباشر، ورفض المدراء البريطانيون في سكك الحديد والموانئ تنفيذ سياسة الفصل التي أملاها الوزير تخوفاً من ردود فعلها الهدامة التي تخلفها مثل هذه الاجراءات على نشاط دوائرهم. شملت قائمة المفصولين على موظفين من غير اليهود، أغلبيتهم مسيحيين. وادعى المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني الموالي للنازية أن الوزير أدخل تغييرات روتينية في وزارته وفصل يهوداً ومسلمين ومسيحيين، لكن المتضرر الأكبر كان اليهود لكونهم أكثر عدداً في وزارته، إلا أن الانطباع العام كان بأن هذا الإجراء اتُخذ لتوفير الفرصة للمسلمين ليحلوا محل اليهود. واتضح ذلك جلياً عندما أًعادوا، بعد حين، الموظفين المسلمين إلى وظائفهم التي تم فُصلهم منها.
كانت ردة فعل اليهود إضراباً شاملاً دام ثلاثة أيام تعطلت خلاله الحياة التجارية في البلاد ولم يعودوا للعمل إلا بعد أن أعلن الوزير أن عملية الفصل من الوظائف قد تمت وأنه لا ينوي الاستمرار في فصل موظفين أخرين
بعد سنة ونصف السنة تقريباً، في شباط/فبراير 1936 نُسقت حملة جديدة واسعة لفصل اليهود من الوظائف الحكومية. وفي هذه المرة فُصل 300 موظف يهودي بينهم الكثير من أصحاب الدرجات الوظيفية العالية. وفي شهر حزيران/يونيو من تلك السنة أصدر الوزير المسؤول عن دائرة سكك الحديد تعليمات تحد من ارتقاء درجات الموظفين اليهود في الدائرة، وبعد فترة وجيزة صدرت تعليمات تحدد صلاحية رفع درجات الموظفين اليهود في جميع الدوائر الحكومية بتوقيع من الوزير المختص، وتحث أيضاً على الامتناع، قدر الإمكان، تقليد اليهود وظائف جديدة. ومن الآن وصاعداً أصبح قبول اليهود في الوظائف الحكومية معقداً.
وضع العراقيل في وجه اليهود لم يقتصر على استخدامهم في الوظائف الحكومية بل امتد ليشمل قبولهم في المؤسسات التعليمية. وأصبح قبول اليهودي في المعاهد العليا أمراً صعباً وخاصة في كليات الطب والهندسة والصيدلة. وواكب هذه الإجراءات تحريض سافر في الصحف المنادية بالامتناع من إشغال اليهود وعدم ترفيع الذين لا مناص من استخدامهم.
زعزعت هذه المعاملة إيمان أغلبية الموظفين من غير المسلمين، بجهاز الإدارة، وحاولوا جهدهم عدم تحمُّل مسؤوليات. وتبادر إلى أذهان الكثير منهم أن الجهود التي يبذلونها للاندماج في العراق المستقل قد تبوء بالفشل، ثم ازداد هذا الشك بعد عدة سنوات وخاصة بعد "مجزرة الفرهود" البشعة في حزيران/يونيو 1941.
تزعزع هذا الإيمان عند اليهود بشدة في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي، خاصة بعد قرار الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1947 واندلاع الحرب بين العرب واليهود في الديار المقدسة. ففي تلك الآونة اتخذت السلطات العراقية سياسية شبه معلنة تهدف إلى المس بمصادر رزق أبناء الطائفة اليهودية، شملت تطهيراً واسعاً في الدوائر الحكومية المختلفة. ورفع الحاخام ساسون خضوري شكواه في هذا الصدد بمذكرة بعث بها إلى نائب رئيس الحكومة في 28 تشرين الأول/أكتوبر 1949.
وهنا أيضاً رافق عزل اليهود من الوظائف الحكومية تحريضاً من الصحف ولكنه تميز عما ألفوه في الماضي بلسان أغلظ ونطاق أوسع. إذ أصبحت مناداة الصحف القومية المتطرفة بطرد اليهود من الدوائر الحكومية مناداة سافرة ومألوفة، فمثلاً صدرت جريدة اليقظة في 7 أيار/مايس 1950 بمقال افتتاحي تحت عنوان-: "اخرجوا اليهود من دوائر الدولة". وفي مقال افتتاحي آخر انحت الجريدة باللائمة على وزارة المعارف التي تستخدم 200 معلم يهودي في حينٍ يطلب فيه 200 شاب جامعي عاطل، العمل في وزارة المعارف.
اليقظة 19 أيلول/سبتمبر 1949
اليقظة, 7 أيار/مايس 1950
النهضة, 29 تشرين الأول/أكتوبر 1949
تتمة العمودين الأولين من لقد آن
النهضة, 27 تشرين الأول/أكتوبر 1949
تتمة العمودين الأولين من اليهود لن يكونوا
للراغبين للأطلاع على الحلقة السابقة:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/50238-2021-08-07-10-21-40.html
437 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع