وجوه التشكيلي العراقي علي محمود.. الرمزية في كبد الوجد
عصام الياسري:الألوان التعبيرية وبلاغة اللغة التصويرية وأسلوب التكنيك واكتمال الدلالات الرمزية المثيرة. هي السائدة بشكل منتظم في لوحات الفنان التشكيلي العراقي المقيم في برلين علي محمود، التي تيسر لنا مشاهدتها في معرضه الاول في الثامن من تشرين الاول في مركز (آب تسيل) ببرلين.
شاركه بالعزف المنفرد على العود من التراث العراقي خلال أمسية الافتتاح الفنان العراقي الشاب المقيم منذ تسعة أشهر في بوتسدام "قاسم كزار"، الذي ابدع في جعل الانغام الموسيقية الشرقية كحروف الهجاء تتناثر في فضاءات الفن التشكيلي، تارق وجوه نساء علي المتنوعة المعانى والوجدانية في نفسها لا تقترن بزمان ومكان.. وعلى ما يبدو ان مساحة الخيال السمعي للموسيقى في فضاء المعرض، لم تناجي المرئيات او الكشف عن مسيرة قاسم الفنية التي لازمها بإصرار فحسب، انما عبرت عن قيّم تعبيرية تحاكي مصير وطن أسمه "العراق". فقد ترك وظيفته للالتحاق بشباب الانتفاضة. وبسبب رفضه الوشاية والتجسس عليهم، صدر بحقه أمر القاء القبض (لتنفيذ قرار الحكم بالسجن) مما اضطره لمغادرة بلاده.. آنذاك كتب يقول:
(أبيض ـ أسود؟ يجب تحديد موقفك أما أبيض أو أسود لا توجد منطقة رمادية، لأن ما يجري حدث عظيم يجب أن يكون لك موقف فيه على الأقل أمام نفسك أولا" ، أذ لا يمكنك أن تصدع رأسي ولسنين في الأماكن العامة والخاصة بالشكوى عن سوء الأوضاع وبأننا شعب جبان وعندما تحدث ثورة لا يكون لك موقف حتى في مواقع التواصل الأجتماعي! لأنك ان لم يكن لك موقف فأنت تندرج تحت واحد من تصنيفات ثلاث:الأول:ـ موظف مستفيد من الحكومة الحالية ويخشى على وظيفته (جماعة قلوبنا معكم وسيوفنا عليكم). الثاني:ـ غير مستفيد من الحكومة الحالية لكنه جبان رعديد (لهسة بيه خوفة صدام) الثالث:ـ المنافق الذي يقف في المنطقة الرمادية والذي ينتظر أي الكفتين تفوز ليقفز لها (وهذا هو الأنتهازي الذي يتسلق على رقاب الاخرين)..
ملاحظة: كل الأنواع السابقة لا أتشرف بصداقتها..
الخلاصة: هذا هو المنشور الذي اعلنت من خلاله موقفي الصريح ومعارضتي للوزارة التي اعمل بها ووقوفي مع ثورة تشرين …
أيضا علي محمود الفنان العراقي بالفطرة وهو في الخامسة من العمر مواليد بغداد عام 1993 وذو المواهب المتعددة، بإصراره على إختيار الفن التشكيلي تحدى المنطقة الرمادية وانتصر. تضمنت رحلته الفنية محطات عديدة، فهو يجيد فن الخط والتصميم والديكور كان لها الأثر البالغ في سعة آفاقه الفكرية والثقافية. تواصل مع طلبة اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد بهدف الالتحاق لاكمال دراسة الفن التشكلي الا انه اضطر لمغادرة بلده العراق بسبب تفاقم الاوضاع السياسية والامنية، لكنه لم يغادر محاكاة وطناً أسمه العراق، ضحى لاجله في ثورة تشرين شباب أبرياء يريدون صناعة مستقبل افضل. شاركهم الهم عن بعد فعبر في العديد من اعماله الفنية عن مشاعره وتضامنه معهم. شارك في العديد من الأنشطة الفنية، في العراق وأوروبا. يعيش حاليا في العاصمة الالمانية برلين. يتمتع برؤية فنية ثاقبة في كيفية صناعة اللون في لوحاته دون تكلف او تصنع. تتجلى فيها معان تعبيرية كثيرة ترصد الظواهر المجتمعية والسياسة بطريقة تكشف عن عوارض القلق وسرديات المحيط. احيانا التعبير عن الذات، وحينا اخر تضع المتلقي امام مظهر من مظاهر المشاعر الشخصية او الانفعالات الوجدانية غير النمطية. يرسم بمهنية عالية ومواد والوان مختلفة كالمائي والزيت وقلم الرصاص والفحم. تتميّز رسومه بالتنوع والاساليب المختلفة التي تتجلى فيها عوالم مليئة بالأمل والجمال وبث روح الإيجابي.
في معرضه الاول الذي اقامه في برلين، عرض الفنان علي محمود خمسة عشر عملا فني باحجام مختلفة. استحضر في أغلب اعماله "المرأة" باشكال والوان مبتكرة، ذات طابع متنوع غير محدد، منها السريالية أو تمثلها بشكل مختلف. لكن الطابع الاغلب يتنوع بين الواقعية والانطباعية والتعبيرية التي تخلق مزاجا معين لانماء ذائقة المتلقي. فالسردية في اعمال علي تُظهر صورا للواقع، وليس اشكالا غريبة غير معتادة كما يراها البعض. الجدير بالذكر ان الفنان علي لم يتعامل مع نظرية "الجمالية للالوان"، انما على علمية جمالية النظريات حول وظيفة وتأثير الألوان وفق رؤية فنية مؤثرة. تعريف واضح، لا يقتصر على الأساسيات لـ "ترتيب الألوان"، انما على ما يتم عادة، عمل شيء أو شكل ما بطريقة مفصلة للغاية، هو كل شيء ونهاية كل شيء. ولعل أكثر إثارة تلك الرسوم التضامنية الثلاث التي تتحدث عن انتفاضة تشرين بطريقة فنية تتميز بنقاء الألوان التعبيرية وبلاغة اللغة التصويرية، أصنفها مرسالا يجسد مشاعره تجاه وطنه ووفاءً لشهداء الانتفاضة.
تثير أعمال الفنان علي محمود التشكيلية، جدلا فنيا يتمحور حول مفرداته المتميزة، التي تحمل ظواهر اجتماعية، استطاع أن يقومها بطريقة "سيميائية" لا تخلو من احساس داخلي غير مرئي لكنه ملموس، تتموضع فيها الأشكال البنيوية والألغاز على نحو مثير. واستطاع في لوحاته أن يظهر الرمزية للعيان أو يوظف اوصافها؟. ونحن نتحدث هنا عن أثر "البعد الثالث" وكأننا نبحث عن القيّم الفنية التي تشكل عادة أعمدة العمل التشكيلي، كالطاقة والحركة والظل واللون والأسلوب الجمالي بالاضافة الى الظواهر "السـوسيولوجية".. ومن المنظور النظري الجمالي في أعمال الفنان علي محمود المصنفة في علم فنون الرسم بالواقعية، تتميز بثنائية التصنيف، متمردة على الأزمنة على الأقل روحيا وبصرياً، وتجسد مظاهر الحدث أو شكله من ناحية التراتبية والملاءمة وكأنها مثالات خياليّة. تمتاز ايضا بالألوان المائية "أكرليك" المتقاربة من بعضها والمنسجمة في أسلوبها الفني، كما لو كانت تشكل كلها جدارية، تتسم برؤية تعبيرية تعد من ابرز فنون الرسم الواقعي المعاصر.
842 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع