كتب محظورة تخرج من الظل إلى الواجهة لتعود إلى مكتبات دمشق

تداول الكتب في سوريا كان محكوما بنظام رقابة مخيف.

منع الكتب ظاهرة تتكرر في الأنظمة الدكتاتورية، لكن الأمر في سوريا كان أشد تعقيدا من مجرد المنع، إذ كانت الرقابة شديدة على ما يتم تداوله من كتب، ويكفي تداول أي عنوان لا ترغب فيه السلطة ليزج بمن تداولوه في غياهب السجون، وهو ما تغير اليوم في ظل أمل أن تنفتح سوق الكتب أكثر فأكثر في البلاد.

العرب/دمشق - في مكتبات دمشق خرجت الكتب التي كانت تُقرأ وتباع في الخفاء على مدى عقود إلى العلن، وباتت روايات معاناة السجناء السياسيين تجاور نصوصا عن فكر ابن تيمية، وهو ما كان غير قابل للتصور قبل أسابيع معدودة.

عثر الطالب عمرو اللحام (25 عاما) على كتاب كان يبحث عنه منذ فترة طويلة، وهو “المعبر”، تصف فيه المؤلفة معارك مدينة حلب من نقطة عبور كانت تربط خلال أعوام النزاع السوري، الأحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة مسلحي المعارضة، بتلك الغربية الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية.

كتب محظورة
يجول اللحام مع شقيقه في المكتبات المجاورة لجامعة دمشق، حيث تتوافر حاليا كتب كانت محظورة لأسابيع خلت. ويقول الشاب “قبل ستين يوما لو سألت عن كتاب لربما كنت اختفيت في سجن صيدنايا” سيء السمعة قرب دمشق.

ويضيف “كنا نخاف سابقا من التصنيف، في فروع المخابرات كانت هناك تصنيفات، أنت كشخص مثلا تشتري كتابا ما، فتكون صوفيا، سلفيا، اشتراكيا، يساريا.”

على مدى العقود الثلاثة الماضية من الرقابة تعلّم المكتبيون التمييز بين المخبِرين والطلاب الباحثين عن الكتب

وطوت الإطاحة ببشار الأسد من قبل فصائل مسلحة تقودها هيئة تحرير الشام ذات التوجه الإسلامي في الثامن من ديسمبر صفحة أكثر من نصف قرن من حكم العائلة الواحدة، حيث كان القمع الشديد مصير أي معارضة، وخضعت الحريات العامة للتكميم من قبل عدد كبير من الأجهزة الأمنية التي أرعبت السكان وعذّبت المعارضين في السجون.

لكن القلق لا يزال يراود العديد من السوريين حول مستقبلهم الذي يأملون أن يكون ديمقراطيا. وعلى الرغم من ذلك ارتاحت دمشق الآن من قبضة الوجود الأمني القائم عند كل زاوية، في بلد غرق في نزاع دامٍ منذ عام 2011.

أدب السجون
على الرفوف والجدران الممتدة على الأرصفة وفي المتاجر تتكرر العناوين نفسها التي لم تكن متوفرة سابقا إلا بنسخ مقرصنة على الإنترنت. من بينها رواية “بيت خالتي”، وهي العبارة التي يستخدمها السوريون للإشارة إلى السجن، للروائي العراقي أحمد خيري العمري، وكذلك رواية “القوقعة” للسوري مصطفى خليفة الذي يسرد قصة اعتقال شاب علماني في سجن تدمر بتهمة أنه إسلامي متشدّد.

ويقول بائع الكتب الخمسيني أبويامن إن روايات “أدب السجون” تلك “كانت ممنوعة نهائيا،” مضيفا “في السابق لم يكن الناس يجرأون حتى على السؤال.”

ووافق صاحب دار نشر معروفة على روْي مخاطر المهنة بشرط عدم كشف هويته. ومنذ الثمانينات أزال الرجل كلّ الكتب السياسية من جداوله، باستثناء تلك التي تتناول “فكرا سياسيا عاما، وليس مرتبطا بمنطقة أو دولة.”

ويضيف “لكن مع ذلك كنا نطلب كل عام إلى الفروع الأمنية، يسألوننا عن عملنا ومبيعاتنا، من جاء إلينا ومن غادر، ماذا اشترى، ماذا يطلب الناس، علما أنهم أجهل الناس بهذه الكتب.”

ويروي أن أحد المحققين طلب إحضار ابن تيمية، العالِم المعروف بـ”شيخ الإسلام” وتوفّي في القرن الرابع عشر، للتحقيق.

وعلى الرفوف عند مدخل مكتبته، وضع عبدالرحمن سروجي كتبا ذات أغلفة جلدية وعناوين مكتوبة بحروف ذهبية: مؤلفات لابن قيّم الجوزية، وهو فقيه مسلم من العصور الوسطى وأحد كبار منظري الفكر السلفي، وأخرى لسيد قطب، أحد أبرز منظّري فكر الإخوان المسلمين.

"نبيع في السر"
يقول البائع البالغ من العمر 62 عاما كانت “كتب هؤلاء كلها محظورة، كنا نبيعها في السر لمن نثق بهم، من طلاب العلم والباحثين.” لكن اليوم بات هناك “إقبال شديد جدا” عليها. ومن زبائنه الجدد سكان من دمشق وسوريون عائدون من الخارج وآخرون جاءوا من معاقل المعارضة في شمال سوريا.

وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية تعلّم الرجل الستيني التمييز بين المخبِرين والطلاب الباحثين عن كتاب. وفي عام 2010 قامت مجموعة مكونة من حوالي عشرة عناصر أمن بتفتيش مكتبته بشكل دقيق، وفي النهاية “صادروا أكثر من 600 كتاب.”

جاء مصطفى القاني، الذي يعدّ لماجستير في الفكر الإسلامي، ليسأل عن أسعار كتب سيد قطب. ويقول “خلال فترة الثورة، بتنا نخاف كثيرا، لم نكن نستطيع أن نقتني بعض الكتب، كنا نبحث عنها على الأنترنت.”

ويضيف “من كان ينشر أي شيء من أقوال سيد قطب أو اقتباساته، كان يُرمى به في السجون.”

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1436 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع