استطلاع /باعة الانتيكات في البصرة
كتابة وتصوير / محمد سهيل أحمد
بعد ساعة من جولة في معارض التحفيات بالبصرة :
احد المشترين : ازدهرت المحلات ايام غزو الكويت عام 90
السيد مؤيد : ليس كل ما تأتي به التريلات مزابل !
هاوي لجمع التحفيات : صحون من التايتانيك بيعت بأزهد الأثمان
* الجديد والمستعمل هو ما يميز ما تعرضه محلات شارع ( كازينو لبنان ) . فالأثاث الاندونيسي بنقوشه الرهيفة يعرض جنبا الى جنب الأثاث التركي والهندي . لكن هذه السطور لاتنوي التطرق الى عالم الأثاث فالمقصود هو تلك الصفوف المتعاقبة من محلات ( الانتيكة ) التي تعرض على أرضها كل ما يخطر وما لا يخطر على البال من مقتنيات مستعملة : مزهريات ، لوحات فنية ، سيتات اقداح وصحون مزخرفة وأكواب ، احذية رياضة وأخرى عادية ، كتب ارتدت معاطف الزمن ، كتالوجات ، واسطوانات وأدوات كهربائية من شتى الأنواع .اباجورات ، قدور المنيوم وفافون جيء ببعضها من السوق العراقية مختلطة بتلك التي تأتي من الكويت بالدرجة الاولى ومناطق اخرى ، بدرجة اقل . ثمة من يرى فيها منفيات تلفظها الشاحنات بعد ان تكون الحاجة اليها قد انتفت هناك . لكن هناك من يرى فيها عالما غريبا لا يخلو من طرافة ومن لقى قد تكون ذات قيمة عالية . هنا بامكانك ان تلتقي ببرناردشو يطل عليك من دفتي كتاب ، او فرانك سيناترا راقدا داخل قرص سي دي او دي فيدي . اما موزارت فيعانق آلة الكمان عازفا لرواد مقهى الانس في فيينا . ومن كومة من الكاسيتات يطل عليك راغب علامة وهو يغني ( الحمد الله عالسلامة ) هاتفا : برافو ! مثلما يفعل في برنامج ( ارب آيدول ) .
عن اول عهد اهل البصرة بعالم التحفيات يتحدث عيسى حبيب وهو مقيم سابق في الكويت : " فترة الغزو الصدامي للكويت شهدت طلائع هذه المقتنيات والاجهزة ، حين نشطت حركة بيع ما تركه الكويتيون والمقيمون من عرب وآسيويين واوربيين من أثاث وأجهزة كهربائية مختلفة . وبعد ان استعادت الكويت كيانها السابق بعد حرب عاصفة الصحراء ، تواصل التعامل بمثل هذه السلع متخذة من الساحات الواقعة في مدخل سفوان معارض للتداول بها ، ومن ثم انتقل هذا النشاط الى شارع ( كازينو لبنان ) أي في موقعه الحالي . "
اما السيد مؤيد وهو من رواد معارض الانتيكات المزمنين فيرى : " ليس كل ما تأتي به الشاحنات من مزابل دول الجوار ، ربما اعطت المعارض هذا الانطباع بسبب العرض غير المنظم للبضائع .وربما لأن معظم هذه السلع من صنف المستعمل ( السكندهاند). كما انها تعرض بشكل عشوائي تراكمي لاصلة له بالتنسيق ، كما لا يوجد تبويب ولا رفوف خاصة . المتاجرون بها ينتظرون ساعات ان تصل تريلة سفوان وهي تحتوي على كارتونات من الملابس والآنية والاجهزة الكهربائية تراصت على بعضها وبهذا لاتتوفر ادنى احتياطات السلامة اثناء النقل . كثير من هذه السلع بحاجة الى تنظيف وترميم والى محلات فيها كادر من البائعين المختصين . وهذا ما يفسر الفوضى الحاصلة في طريقة العرض فأنت تجد السلعة فوق السلعة والكرسي الثقيل فوق ( المندر ) الاسفنج واحيانا يكتشف من اشتروا البضاعة من اصحاب التريلة ان الزجاجيات قد تهشمت مع النقل والشحن والتفريغ ."
ويقول علي عبد الحسن وهو من هواة جمع التحفيات : " احيانا تتسرب مقتنيات يمكن ان تعد كنوزا لمن يدرك قيمتها كبعض اللوحات التشكيلية لفنانين عالميين كبيكاسو وسواه ، لكن من الذي يمتلك المقدرة على تمييز اللوحة الاصلية من ( الربليكا ) أي من النسخة المقلدة ؟ هل تصدق ؟ ذات مرة عرضت مجموعة من الصحون اشترتها احدى كبريات شركات الاثاث الاوربي في الكويت وعرضتها باسعار عالية جدا لأهميتها لدى هواة جمع التحف اذ قيل انها من الآنية التي غرقت مع السفينة الشهيرة ( التايتانيك ) ، ولعل بعض الخبيرين بما يعرض – من بغداد او من عواصم عربية- اشتروها بأسعار زهيدة جدا ."
ونوه كاظم حسين ، احد البائعين الى ان الكويت ليست المكان الوحيد الذي تستورد منه جميع الأنتيكات . وحقيقة الأمر ان حركة الشاحنات القادمة من هناك اصيبت في الفترات الاخيرة بقدر كبير من الركود بسبب اقفال المنافذ الحدودية وحصول أوامر ايقاف التصدير ، من هذا الجانب او من ذاك . ولهذا اتجه البائعون الى السوق التركية والاوربية كبديلين ولغاية احتلال الموصل من قبل داعش . "
هل يعثر اصحاب معارض الانتيكا على اشياء طريفة ؟
يجيب البائع عاشور ( ابو علي ) قائلا : " ذات مرة عثرت على مجموعة من الرسائل باللغة الانكليزية وحين عرضتها على خبير ضحك وقال انها رسائل غرامية !" وأحد المحلات المجاورة عثر على مبلغ لابأس به من المال داخل صندوق اقراص تضم اغنيات وافلاما سينمائية عالمية . ولكن مثل هذه الحوادث السعيدة نادرة الحدوث لكنها تقع !
وحين سألته عن افضل زبائنه قال : " الأجانب وبالاخص من العاملين بالشركات وكذلك ابناء المحافظات ، وفئات من ابناء المدينة .وطبعا النساء ."
اما ابو احمد وهو بائع يعاني من اصابة ويسير على عكاز بحيث لم يتمكن من تبديل مكانه كي اصوره نظرا للعارض الصحي الذي يعاني منه فذكر مجيبا على تساؤلي حول من الأكثر سلاسة في الشراء .. الرجل ام المرأة : "النوع اللجوج ( الدهري ) من الزبائن لا يقتصر على جنس دون آخر . احيانا تأتيك امرأة شديدة الالحاح تتمنى ان تنشق الارض وتبتلعها . ولكن هذا الامر ينطبق على الرجل ،على حد سواء . "
أما الست احلام وهي معلمة تحرص على القدوم للمعارض ايام الجمع فتقول :
"لست من النوع الدهري واصحاب المحلات يعرفونني جيدا فأنا لا اقلب السلع أو اقوم بتفكيكها فأعرضها لخطر الكسر أو التلف ." ٍ
ثم اردفت وهي تشتري مجموعة من الصحون والاقداح : " أغلب النساء يقفن طويلا امام الآنية والمزهريات ، والقسم الآخر – لاسيما من المحدودات الدخل – يجدن ضالتهن في قسم الملابس والاحذية والحقائب المدرسية ."
طلبنا من ( ابو كرار ) –بائع في احد المعارض ان يعرض نبذة من مطالب اصحاب المحلات فقال :" أقصى أمنياتنا ان تأخذ الجهات المعنية في المحافظة على عاتقها مسألة تنظيم المكان وذلك بعد تقسيمه الى محلات مسيجة ومن ثم تقوم بتأجيرها لنا من اجل ان ننعم بالاستقرار ، مع ملاحظة ان هذه المعارض تقدم خدمة ولو بدائية للسياحة في المدينة . "
ولدى سؤاله فيما اذا كان البيع مجزيا اعلن :" نحمد الله ، الأرباح ليست كبيرة ولكنها تكفي لتمشية حياتنا اليومية فمنها ننفق على عوائلنا ."
وفي النهاية اهداني مجموعة من الكتب ما ان عاينتها حتى ادركت انها تعود لضابط بحري من ابناء المدينة . وفي الحقيقة انها كانت ذات قيمة لولا ما اعتراها من غبار الزمن . وحين اصر على اهدائي كل محتويات الحقيبة من كتب نوهت له بأن ما تركته من كتب سيكون ذا نفع لمتردد آخر يتقن اللغة الروسية !
821 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع