نوري ثابت «حبزبوز» المؤسس الأول لمدرسة الهزل الصحفية

   

نوري ثابت «حبزبوز» المؤسس الأول لمدرسة الهزل الصحفية

   

حبزبوز، هو الاسم المستعار للصحفي الرائد نوري ثابت الذي أصبح اسما اسطوريا عند عامة الناس في حقبة الثلاثينات، واسما مرعبا لاركان عهد الملوكية، وهذا الاسم او نوري ثابت عد في نظر الوثائق السياسية أو الصحفية، المؤسس الاول لمدرسة (الهزل الصحفية) في الصحافة العراقية، وواضع أسس مدرسة (الكاريكاتير الفكه) منذ بداية العشرينات حتى وفاته، ولقد ولد ثائرا بلا رتوش، وكانه استوحى طروحاته من الشعب بلا ضوابط، ومات بالسل بدون شموع..

              

نشأته ودراسته
ولد في محلة (كويزه) بمدينة السليمانية بحكم وجود والده فيها ضابطا منتسبا للجيش العثماني، وأول نطقه كان بالكردية، ثم اتقنها وضبطها وتحدث بها، وانتقل مع ابيه الى الناصرية وصار يتكلم العربية بلهجة هي اشبه بكلام خورشيد اغا كردي (ضابط الجندرمة) عندما كان يخاطب شيوخ الحجام، لكن الوثائق العثمانية ارجعته ووالده الى القيسيين العرب ومن عشيرة الكروية التي ضرب قسم منهم على ضفاف نهر نارين بجوار قرية (قره تبه).. كان والده من خريجي المدارس الحربية في الاستانة، وعين في الادارة العثمانية واشتهر ظريفا منكتا مداعبا، وفي ضلعه ولدت ظرافة ولده نوري ثابت المصحوبة دائما بدموع المظلومين، وارسله والده الى الاحساء فأكمل الابتدائية، ثم أكمل الاعدادية العسكرية ببغداد, ورحل الى الاستانة وتخرج في حربيتها عام 1915 برتبة نائب ضابط، ورقي الى رتبة ضابط عام 1917 وأسهم بحروب العثمانيين في (القفقاس) و(الدردنيل) وجرح في يده اليمنى في احدى المعارك، وطلب التقاعد، لكن السلطات العثمانية نسبته ضابطا في دائرة الاستخبارات بوزارة الحرب العثمانية، وسئم المعسكر وترك الجيش العثماني.
جريدتا (اقدام) و (قرهكوز) التركيتان
كان لبقا في التركية لغة وأسلوبا بشهادة الصحافة التركية، وترجم عنها وكتب فيها شعرا كثيرا وقصصا في الحب والفكاهة، كما عمل في جريدتي (اقدام) و(قرهكوز) التركيتين وهما من جرائد الهزل، وفي هاتين الجريدتين نبغ اسلوبه الفكاهي فاشتهر في تركيا كاتبا هزليا، وحسبه مؤرخون اتراك واحدا من كتابهم، لكنه كان على غير هذا المنهج، فهو كان عربيا في افكاره، وفي دمه تمشي أمة تبحث عن الخلاص. واستدعي مرة الى دائرة الاستخبارات العثمانية – التركية وسأله المدير وكان من الاتحاد والترقي: (انت تخفي علينا اشياء واشياء، لماذا؟) ولم يخف قال انا عربي من الصميم ومذهبي العرب وغضب المدير، وارسله الى المحكمة العسكرية، لكن الله انقذه من حبل المشنقة..كان هكذا في الاستانة، ضابطا أو صحفيا، حرا، طليق الروح ولم يستخدم حبرا أجنبيا ولم يستعر حنجرة الاغراب، هو نوري ثابت الذي تعود ان يكون مظلوما ليبتدع الثورة في دخيلته..وفضلا عن التركية، تعلم الكردية والانكليزية والفرنسية والفارسية، كان هدفه في هذه اللغات، ان يكون خطابه الادبي الانشائي عاما، والى الناس جميعا، اذ كان في قلبه منذ وجد، يقبع الانسان العام، وجعل للمظلوم مكانة خاصة في قلبه الحزين، وربما كان يتفلسف مع افكار المظلومين عموما، يغازلهم ويذوب شوقا الى رؤيتهم، ويتحرق الى اجنحتهم المكسرة، تلك الاجنحة التي طار بها يوما فلم يظفر بشيء، فبقي يتأفف في كتاباته ويرسم لهم عدة كاريكتيرات يتنفس فيها غضبه المقدس، كان يقول (متى تنطفئ الكارثة)..ترك استانبول وعاد الى بغداد 1923 مدرسا في الثانوية الجعفرية وفي ثانوية التفيض، فمفتشا في المعارف 1926 وفي هذه الاثناء كتب في جريدة عبود الكرخي، والتقى الفارسان نوري والكرخي وها يميطان اللثام عن مفاسد النظام، ثم كتب في جريدة (العندليب) للناهض فأبكى أذناب الانكليز، وسحبه رفائيل بطي إلى (البلاد) ومنحه حرية النشر بأوسع من الدنيا، وهنا في (البلاد) ظهر (حبزبز) الذي تطور او تغير الى (حبزبوز) الذي هو نوري ثابت بدمه ولحمه الذي عرى خطايا الكراسي الواهنة، واتعب المنافقين ودجل السياسة التي كان يطبخها المستشار البريطاني، وصارت السلطة تتعقب حبزبوز، حتى اكتشفته ذلك المفتش الاداري نوري ثابت، فقرعته كثيرا، ولم يلن، وفي يوم وجد أمر فصله من الوظيفة على منضدة الوظيفة، فرح وقال: (هو اليوم من عام 1930 يوم حريتي) وشد قلمه الى يده وسار مثل نار تحرق الهشيم..

   

سخرية الإدانة والاحتجاج
وفي عام 1931 اصدر (حبزبوز) اسبوعية فنية مبطنة بالسياسة التي هي على نهج سياسة ابن الشارع، الغاز في الغاز، وفي كل لغز سخرية والسخرية ادانة او احتجاج وابلغه التهكم على صانعي الكراسي السياسية في ماكنة الدولة، وأكثر الأعمدة في حبزبوز بقلم نوري ثابت او بأسمائه المستعارة التي فيها كل اسم مستعار هو نفسه يثير السخرية، مثل (غشيم) و(خجة خان) و(جاهل) و(قزموز) حتى حبزبوز نفسه هو خير اسمائه المستعارة كان يحمل ايقاع السخرية في عهدئذ وقد وضعه اسما لجريدته واسما لتوقيعه، وهو مشتق من اسم شقي من اشقياء بغداد واسمه (احمد حبزبوز ملا عليوي) شهير زمانه، الظريف في أمثاله وأقواله كانت جريدته (حبزبوز) كلها ظرافة لكنها موجعة تنتقد السياسة باعمدة السياسة وتلدغ وتسخر من كل شيء ينتمي الى نفاق السياسة.
حتى أضحت الجريدة (وقد بقيت تصدر الى عام 1938) منشورا سياسيا تقرؤه العامة كل أسبوع وتجد فيه ما يعكس تأوهاتها وأوجاعها، وكانت في احيان تباع في السوق السوداء، ووصلت مبيعاتها الى (10 ألاف نسخة) وهو اعلى رقم وصلت اليه مبيعات الجرائد عصرئذ هي مدرسة الصحافة الهزلية بلا شك، وكان الظرف بحاجة الى هزل، وكان قراء ذلك الظرف جميعهم يهزلون بالسلطات الكارتونية التي يصنعها المستشار البريطاني، فلبت الجريدة مطالبهم النفسية واستجابت الى نداءاتهم المكبوتة، والهازل الكوميدي البارع نوري ثابت هو الذي حرك مشهد الكوميديا في حبزبوز في براعة كبراعة السيف حين يحز رقبة الشيطان، وقد زاد في الاثارة والتشويق الانتقادي بان حول بعض افكاره الى صور كاريكاتورية، وكان كل كاريكتور جريدة كاملة تنتشر فيها العيون الجاحظة والانوف المعقوفة وقبعات الانكليز التي كانت تتصيد الرجال المغفلين من هواة السياسة..
ديمقراطية القول في الشوارع والاسواق
كان لا يتعرض الى الملوك فكسب تعاطفهم، ولكن على طول الخط يحول السياسة الى ضحك، فيرفضه كامل الجادرجي على نهج المضحك المبكي، بينما كان الزهاوي يكتب قصائد يحولها حبزبوز الى كاريكتور درامي الحركة، وانقسم الكبار حول اسلوبية نوري ثابت، لكنهم في الدخائل الحقيقية كانوا مع توقعاته المصيبة التي شجعت على ديمقراطية القول في الشوارع والاسواق وقاعة البرلمان..كان يرتد على نفسه، نعم.. لان الهازل الفكه لا ينبغي ان يستمر دائما هازلا فكها، وكان حاقدا، نعم، لان لا حظ له في هذه الدنيا.. لكن حقده كان من حقد المضطهدين العباقرة، وكان يتحرك في انتقاداته على فرجال العامة، نعم.. وما كان ينبغي ان يتحرك دائما على مزاج العامة، لان العامة ليست دائما على حق، وفي كل الاحوال كان تاريخا كبيرا، ويكفي الرجال الاقوياء ان ينسجوا لهم تاريخا كبيرا..

المصدر/ المشرق

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

306 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع