رجل مـن زمـن الثائرين مذكرات العقيد الركن هادي خماس مديرالأستخبارات العسكرية الأسبق -الحلقة الرابعة
مذكرات العقيد الركن هادي خماس مديرالأستخبارات العسكرية الأسبق
قاسم نعمان السعدي
لقد استغليت فرصة وجودي في هذا المنصب بدار الإذاعة والتلفزيون لاستمالة كافة العاملين في هذه المؤسسة وكسب مودتهم والقرب منهم لليوم الموعود وهو الإطاحة بعبد الكريم قاسم وكان للمذيع المعروف قاسم نعمان السعدي دور كبير في اطلاعي على شؤون الإذاعة وعلى يده تدربت على تشغيلها والبث دون حاجة إلى فنيين.
لقد حدث ما ليس بالحسبان إذ قام الانفصاليون في الإقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة بانقلابهم في 28 أيلول 1961 وذلك لتفتيت الوحدة مع الإقليم الجنوبي وكان من الفئات التي ساهمت في هذا الانفصال حزب البعث العربي الاشتراكي.
لقد هلل الشيوعيون وفرح عبد الكريم قاسم لهذا الحدث الخياني فشكل وفداً يرأسه العميد الركن عبد الكريم محمد آمر لواء التاسع عشر لواء عبد الكريم قاسم لزيارة سوريا وكنت أحد أعضاء هذا الوفد لقد كانت لي في سوريا خلال هذه الزيارة مواقف متطرفة جداً منتقداً قادة الانفصال ومندداً بالعملية نفسها واعتبرتها خيانة لكل المبادئ والقيم فوصلت انتقاداتي إلى القيادة العامة للانفصاليين وفي زيارتنا إلى حلب وقبل إكمال هذه الزيارة طلب الوفد للحضور إلى دمشق بدعوة من رئيس الأركان عبد الكريم زهر الدين، ولما حضرنا دمشق اجتمع الموما إليه بنا في مقر قيادته ومما قاله لنا في هذا الاجتماع:
"لقد وصلني أن بعض أعضاء الوفد انتقدوا قادة الانفصال ونعتوهم بأقسى النعوت دون أن يعرفوا سبب إقدامنا على ذلك فاسمحوا لي أن أشرح لكم دوافع ذلك كما يأتي:
1. الفرد السوري منذ ولادته وحتى مماته يعيش بعقلية تاجر وهو دائماً وأبداً يتجه نحو التجارة وقد حرمته الوحدة من أن يمارس ما تعود عليه وضاقت به سبل العيش وأصبح الشعب السوري كله يعيش فقيراً محروماً وقد طوقت قيادة الوحدة الإقليم السوري بعداوات لا ناقة لنا فيها ولا جمل. علاقات متوترة مع تركيا.. علاقات متوترة مع الأردن.. علاقات متوترة مع العراق.. علاقات متوترة مع لبنان. وفي هكذا حالة سدت أسواق هذه الدول أمام منتجاتنا وصناعاتنا.
2. سيطرة قيادة الوحدة وعلى رأسها عبد الحكيم عامر على شؤون سوريا وتعريف الأمور بما تؤمن المصالح المصرية على حساب المصالح السورية.
3. استغلال الضباط المصريين في سوريا مناصبهم للإثراء السريع على حساب المصلحة العامة للشعب السوري.
4. نقل الضباط السوريين الوطنيين والمخلصين دون سبب مقنع إلى الإقليم الجنوبي.
5. والأهم من كل ذلك أخذت قيادة الوحدة تفرض منتجاتها العسكرية على الجيش السوري رغم أن مصانعنا تنتج نفس المنتجات وبجودة أفضل."
لقد تركتُ الاجتماع وأنا أفكر كيف وصل هذا الرجل بمنطقه المهزوز إلى الدرك الأسفل من الخيانة في تبريره بشرعية الانفصال لوحدة كانت نواة لوحدة اكبر واعم. وفور عودة الوفد إلى بغداد ومن المطار توجهت إلى مقر عملي في دار الإذاعة وإذا بي أجد برقية على مكتبي تنص على ما يأتي:
"ينقل الفوج الثاني من لواء العشرين من معسكر في بغداد إلى السليمانية ويكون بإمرة فق2 لأغراض الحركات"
وفي نهاية عام 1962 تحرك الفوج وعسكر في جلولاء لإعادة التنظيم وإكمال نواقصه وبعد اكمال نواقصه وإعادة تنظيمه تحرك الفوج إلى السليمانية وشارك في معارك الشمال وعلى الأخص في معركة آغجلر.
وفي 1/1/1963 نقلت إلى منصب مدير الشعبة الثانية في مديرية الحركات العسكرية والتي كانت مسؤولة عن تسليح الجيش العراقي بالأسلحة والاعتدة والآليات.
ثورة 14 تموز 1958 ما لها وما عليها
أولاً، ما لها:
كانت ثورة 14 تموز 1958 ضرورة ملحة ومطلباً شعبياً ملحاً أملته الظروف التي عاشها الشعب العراقي بعد فشل حركة مايس سنة 1941 التي أعادت الهيمنة البريطانية على العراق بأبشع ما كانت عليه قبل الحركة إذ خضع حكام العراق للانكليز خضوعاً مطلقاً وأصبحت السفارة البريطانية في بغداد هي الموجه الحقيقي للحكم ومن هذا التوجه الذي أغاض الجيش وقرر القيام بثورته.
لقد كانت الثورة تعبيراً ثورياً ناضجاً عن آمال الشعب الذي كابد الأمرين من حكامه فهي ثورة سياسية واجتماعية استهدفت نقل الشعب العراقي من عهد تميز بالتخلف المستشري إلى عهد لا مكان فيه للاستعباد والقهر والإقطاع والتخلف والجهل عهد يساهم فيه الشعب العراقي بناء وطنه مستقلاً كريماً موحداً.
لقد أذهلت هذه الثورة رموز الاستعمار وأعوانه وأفسدت عليهم أحلامهم في استمرار سرقة نفطه وسلب خيراته لتسهل عليهم قيادته وترد فيه وقد خاب عملهم هذا واستطاعت الثورة من انجازات عظيمة أذهلت العالم العربي والأجنبي وتنحصر هذه الانجازات في:
1. الاستقلال السياسي ممثلاً بالخروج من حلف بغداد.
2. الاستقلال الاقتصادي ممثلاً بالخروج من النظام الإسترليني.
3. إعلان النظام الجمهوري والتخلص من أعوان الاستعمار وخدمه.
4. القضاء على الإقطاع ونفوذ رؤساء العشائر.
5. رفع مستوى الفلاح الأجير وتمليكه الأرض التي يزرعها ليعود اليه وحده ناتجها وبذلك حققت له الثورة كرامته ورزقه.
6. سرعت قانون رقم 80 إذا عادت بموجبه 90% من الأراضي العراقية الغنية بالنفط التي كانت قد منحت إلى الشركات الأجنبية بموجب الاتفاقيات مع رجال العهد البائد.
7. أطلقت الحريات إلى العمال لتشكيل نقاباتهم وحفظت كرامتهم وحقوقهم.
8. أمنت للجيش العراقي السلاح من الكتلة الاشتراكية.
9. شجعت الصناعة وأسست عدة معامل إنتاجية.
ثانياً، ما عليها:
لقد أخطأت الثورة وانحرفت عن مبادئها من أول يوم من قيامها لقد كان واضحاً الاختلاف البين بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف في انتمائهم السياسي والعقائدي اذ ان عبد السلام عارف له علاقات بحزب البعث العربي الاشتراكي بواسطة فؤاد الركابي وعبد الكريم قاسم له علاقات بالحزب الوطني الديمقراطي والشيوعي عن طريق رشيد مطلك وحسين جميل ، والفرق بين الحزبين واضح . البعث قومي الاتجاه وحدوي العقيدة والحزب الشيوعي والوطني الديمقراطي أحدهما أممي والآخر اشتراكي وهذا الانتماء وسع فجوة الخلاف بينهما، هذا الخلاف الذي حاد الثورة عن أهدافها ومبادئها من مهد لهذا الخلاف. لقد أحاط الشيوعيون عبد الكريم قاسم وأججوا حقده على عبد السلام محمد عارف فقام قاسم بإعفاء عارف من كل سلطاته كما حدث ذلك في عزله في 10 أيلول 1958 وتعيينه سفيراً في 30 أيلول من العام نفسه.
كان من مبادئ الثورة قبل قيامها والتي آمن بها الشعب العراقي السعي للقيام بالوحدة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة وكان هذا مطلب رئيس لتوحيد الجيشين ليصبحا قوة دفاعية ضد المؤامرة التي تدبر للأمة العربية ولفلسطين بالذات. ولأجل أن تكون القيادة جماعية قررت اللجنة العليا للضباط تشكيل مجلس قيادة الثورة لإدارة شؤون البلاد بعد الثورة ويكون هذا المجلس ضماناً لمنع حدوث حكم فردي ديكتاتوري إلى أن هذا لم يحدث لسببين:
الأول: أن ثنائي قاسم وعارف خانا- قبل الثورة- اللجنة العليا للضباط الأحرار وأخفيا عنها يوم الحركة وساعة الصفر وقاما في 14 تموز 1958 بتنفيذ الثورة دون علم اللجنة.
الثاني: امتنع عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف عن تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة وكان ما كان بينهما من خلاف واستقر الحكم على نظام ديكتاتوري إقليمي تسلطي يقوده عبد الكريم قاسم.
وبعد إعفاء عبد السلام من مناصبه وعدم تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة أحاط الشيوعيون بقاسم محاربين القوميين وما يؤمنون به وقد أدى ذلك إلى صراع حاد بين صفوف الجيش وضباطه خاصة مما أحدث انقساماً خطيراً ومتنافراً بين الضباط هذا ينادي بالوحدة والحرية وذاك يحارب الوحدة ويسلب حرية المواطنين مما أحدث صراعات دموية قام بها الشيوعيون في كل من كركوك والموصل وذلك بتشجيع من عبد الكريم قاسم وزمرته المحيطة به.
لقد شكلت محكمة المهداوي ولجان التعذيب وامتلأت السجون بالقوميين والضباط وتزايدت أحكام الإعدام التي أصدرتها محكمة المهداوي وللتدليل على حجم وعدد الإعدامات اذكر بعد فشل حركة العقيد الشواف تم قتل وإعدام الشهداء المدونة أسماؤهم أدناه من قبل أعضاء الحزب الشيوعي في الموصل:
1. العقيد الركن عبد الوهاب الشواف.
2. المقدم صديق زين العابدين.
3. المقدم عبد الله الشاوي.
4. المقدم سعد الله الراوي.
5. الرائد أحمد منخي.
6. الرائد يونس خليل.
7. الرائد محمد طاهر.
8. النقيب محمد سعيد شهاب.
9. النقيب عبد الجواد حميد.
10. النقيب إسماعيل القصاب.
11. الملازم غانم إسماعيل.
12. الملازم الطيار صائب الصافي.
13. المقدم جلال الخشالي.
14. النقيب حسين علوان.
15. الملازم الأول خيري الخيرو.
16. الملازم حازم حمطاني.
17. الملازم حسام شاكر.
18. الملازم عبد الغني الحلبي.
19. الملازم محمد جميل.
أما الشهداء الذين حكمت عليهم المحكمة العسكرية الخاصة بالإعدام وتم تنفيذ الحكم فيهم في ميدان الرمي في أم الطبول في بغداد( ) فهم:
1. عقيد الجو عبد الله ناجي.
2. النقيب الطيار قاسم العزاوي.
3. الملازم الطيار احمد مهدي عاشور.
4. الملازم الطيار ناصر.
لقد نفذ فيهم حكم الإعدام في شهر رمضان وهم صيام في يوم 5 نيسان 1959 في ميدان أم الطبول في بغداد.
5. الرئيس الركن نافع داود.
6. الرئيس محمد أمين عبد القادر.
7. الملازم الأول سالم حسين.
8. الملازم محسن إسماعيل عموري.
9. الملازم مظفر صالح.
10. السيد فاضل الشكره.
ونفذ فيهم الإعدام في 25 آب 1959 في ميدان أم الطبول في بغداد.
11. العميد الركن ناظم الطبقجلي.
12. العقيد رفعت الحاج سري.
13. العقيد خليل سلمان.
14. المقدم الركن عزيز احمد شهاب.
15. المقدم الركن على توفيق.
16. المقدم إسماعيل هرمز.
17. الرائد توفيق يحيى أغا.
18. الرائد مجيد الجلبي.
19. النقيب الركن داود سيد خليل.
20. النقيب يحي حسين.
21. النقيب هاشم الدبوني.
22. النقيب زكريا طه.
23. الملازم خطاب.
وقد نفذ فيهم حكم الإعدام في 20 أيلول 1959. هذا بالإضافة إلى أحكام السجن لسنين محددة صدرت بالعشرات من أبناء الشعب العراقي.
جريمة بشعة تُرتكب باسم الثورة
لقد ذكرت الصفحات الأولى من مذكراتي أن منظمة الضباط الأحرار لم تقرر مطلقاً قتل صاحب الجلالة الملك فيصل الثاني ولم تبد رأيها في تغيير نظام الحكم على هذا المبدأ، وعندما فاتحنى الرئيس محمد المرهون بالحركة اشترطت عليه أني سأنضم بناءً على ما يقول بشرط ألا يمس الملك بسوء ويبقى ملكاً على العراق ولقد شاءت الأقدار أن أكون في المملكة الأردنية الهاشمية عند قيام ثورة 14 تموز 1958.
عبدالستار العبوسي
بعد محاصرة القصر من قبل سرية الرائد منذر سليم وانضمام عبد الستار العبوسي إلى المحاصرين وقرار آمر فوج الحرس الملكي طه البامرني الانضمام إلى الثائرين أصبح الأمير عبد الإله والعائلة المالكة في خطر بعد أن فشلت المفاوضة بين قوات الثورة والأمير عبد الإله. لقد قرر الأمير الاستسلام وخرج مع الملك فيصل الثاني ووالدته الملكة نفيسة وشقيقته الأميرة عابدية وزوجته الأميرة هيام وهم يحملون المصحف الشريف والراية البيضاء. وفي الساعة السابعة والدقيقة العشرين تماماً وبخروج العائلة من القصر، تم أطلاق رشات من الأسلحة الأوتوماتيكية على الأمير وعائلتهم وأردوهم قتلى مضرجين بدمائهم. كما قتل نوري السعيد بعد أن ظل مختفياً أياماً قليلة بعد الثورة. ويذكر رجب عبد المجيد أن عبد السلام عارف كان يدعو إلى قتل الملك وعبد الإله ونوري السعيد ومما قاله في هذا الصدد المثل البغدادي "اقطع رأس وموت خبر"
وبعد هذه المجزرة الإجرامية نقل الأمير عبد الإله في سيارة اعترضتها الجماهير وسحبته منها ومثلت بها ثم سحلتها في شوارع بغداد وفي النهاية توارث الجثة في خضم التقطيع والتمثيل حتى لم يبق منها قطعة معروفة.
للراغبين الأطلاع على الحلقة الثالثة:
http://www.algardenia.com/ayamwathekreat/13525-2014-11-12-22-56-33.html
1393 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع