موت خديجة بلا شهادة الجنسية!
بقلم / المرحوم أمير الحلو
هناك مفارقات تحدث في الحياة بعضها محزن والآخر سار ولكنها تجتمع عند حالة المفاجأة أو الحدث غير المتوقع.
كان المرحوم عبد الخالق جريدان زوج الرسامة المرحومة ليلى العطار يحدثني عن عائلة كانت تسكن معهم في بيتهم في الكاظمية،وكانت مسؤولة عن تربية الاطفال والطبخ وجميع شؤون البيت،لذلك فقد أعتبرت ضمن العائلة ويجري التعامل معها على هذا الاساس،وعندما تزوج عبد الخالق اختار أحدى فتيات العائلة لتنتقل معه الى دار الزوجية لتقوم بالعمل ذاته،وهكذا دخلت(خديجة)دار عبد الخالق وليلى فقامت بتربية حيدر وزينب وريم،وكانت مسؤولة عن كل شؤون الدار ولا يستطيع أحد ان يجادلها أو يخالف تعليماتها فهي تقرر نوع الطعام وتربية الاطفال ومدارسهم،وكان التعامل معها كسيدة البيت تماماً وهي على شدتها أمينة وعطوفة ولا تعرف من الدنيا غير هذا البيت ولا تخرج منه مطلقاً.
كانت من هموم عبد الخالق التي حدثني عنها ان خديجة ليس لديها أية اوراق (ثبوتية) فلا جنسية ولا شهادة جنسية ولا أية وثيقة تبين(أصلها وفصلها) ،لذلك فقد كان يخشى ان تموت ويحتار في كيفية دفنها من دون الوثائق الرسمية المطلوبة لاتمام هذه العملية،وكان يردد ذلك دائما ولا يعرف وسيلة لتصحيح الموقف لان اهلها يواجهون الحالة نفسها.
في منتصف الثمانينات وخلال الحرب العراقية الايرانية كانت الصواريخ تتساقط عشوائياً على بغداد ولكنها تقع احياناً على بعض المؤسسات الرسمية،وقد كان بيت عبد الخالق وليلى يقع في الشارع القريب من شارع الاميرات في المنصور وظهره ملاصق لمبنى المخابرات العامة،ولخشية العائلة من سقوط صاروخ على دارها،سكنوا فترة في دار الصديق الدكتور كامل الجواهري في الكريعات،وفي أحدى الليالي سقط صاروخ على دارهم فاتى عليها وعلى كل ما فيها من أثاث تماماً مما يصعب السكن فيه،وكنا نردد عبارتنا التقليدية(الحمد لله على السلامة)وكل شيء يعوّض،لذلك وبعد توقف الحرب اتفقوا مع السيدة سعاد العطار شقيقة ليلى على السكن في دارها القريبة من دارهم ولكون عائلة سعاد تسكن في لندن،وخلال هذه الفترة كان عبد الخالق يرمم داره المهدمة بغية الانتقال اليها،وقد حدثت تطورات جديدة خلال تلك الفترة اذ جرى غزو الكويت وتصاعدت الامور بسرعة باتجاه الحرب الحتمية لاخراج القوات العراقية من الكويت،ولست بصدد مناقشة الموضوع سياسياً أو عسكرياً ولكن كان من الواضح تماماً ان ما يسمى بالتحالف بقيادة الولايات المتحدة الاميركية سيشن هجوماً على الكويت واخراج القوات العراقية منه،ولم يكن هناك أي توازن للقوة بين الطرفين،ولكن حدث ما حدث خلال نهايات عام 1990 وبدايات عام 1991،وكتمهيد لبدء الحرب البرية(المتحالفة)انهالت الصواريخ عابرة القارات من نوع كروز وتوماهوك على المواقع العسكرية والمدنية في بغداد والبصرة خصوصاً،وفي ليلة ليلاء انهالت موجة من 22 صاروخاً على مبنى المخابرات العامة،وسقط واحد منها في حديقة الدار التي سكنتها العائلة والمفارقة انه ومع بدء اطلاق الصواريخ،خرج عبد الخالق وليلى من غرفة النوم وكذلك حيدر وريم وخديجة باتجاه الحديقة لمغادرة الدار ولكن الصاروخ وقع في الحديقة نفسها فقتل ليلى وعبد الخالق وخديجة،وجرح حيدر وريم
(وأؤكد هنا ان لاصحة لرواية قيام ليلى برسم صورة بوش على أرضية فندق الرشيد وان ذلك سبب ضرب دارها وقتلها،فهي لم ترسم تلك الصورة وليست من أسلوبها المعروف في الرسم).
في يوم التشييع الرسمي لجثامين الشهداء الثلاثة، وقع نظري وسط الالم على نعش(خديجة) فوجدته ملفوفاً بالعلم العراقي ويحمله اناس يهتفون ضد العدوان ولا يعرفون خديجة التي تم دفنها كشهيدة من دون أية وثائق رسمية.
تذكرت هواجس المرحوم عبد الخالق حول كيفية دفن خديجة من دون وثائق ،ولوحت بيدي الى جثمانها فهي لم تعرف في حياتها غير التضحية من أجل اهلها .
729 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع