الشبانة..كيف تاسست.. وتطورت الى جهاز الشرطة في العراق
الشبانة Shabanah كلمة تطلق على قوات الشرطة غير النظامية التي أنشئتها القوات البريطانية المحتلة في العراق وكان بعضها من أفراد العشائر. وقد اورد بعض الكتاب والباحثين ايضا تعريفات أخرى لكلمة الشبانة ، فأشارت المس بيل بان الشبانة كلمة كانت تطلق على الجنود المرتزقة الذين يستخدمون بأجور لاغراض شبة عسكرية وعسكريا احيانا.
أما الباحث فوستر فيذكر أن الشبانة هي لفظة اطلقت على طائفة من الحرس الخاص الذين كان شيوخ العشائر يستخدمونهم لديهم في اعمال الحراسة والحماية . في حين يشير نديم إلى أن الشبانة هي كلمة فارسية تعني حراس الليل وهذا الصنف معروف في العهد العثماني . وهو ما اكد توماس بقوله : "أن هذه التسمية كانت تطلق على مثل هذه القوات في زمن العثمانيين وهم من المجندين المرتزقة من العرب والاتراك الذين تطوعوا للخدمة في دوائر الحكام للقيام باعمال الحراسة والتجسس والاشراف على السجون .
ومع دخول القوات البريطانية المحتلة إلى العراق وخلال الحرب العالمية الأولى فقد استخدم البريطانيون أفراد العشائر في قوات الشبانة المحلية التي انشأوها بوساطة شيوخهم وكبديل عن قوات الجندرمة العثمانية .
ومن الملاحظ هنا أن قوة الشبانة قد بدأ تشكيلها كقوة بسيطة تتألف من حوالي 40 خيالا من أفراد العشائر الذين جندهم سنة 1915 المقدم ايدي من أفراد العشائر في الناصرية .
وقد حاولت الإدارة البريطانية منذ أوائل عام 1916 استغلال علاقتها مع بعض الشيوخ ، لا سيما اسرةالسعدون ، الذين قدموا 330 مجندا من أبناء قبائلهم في قوة خيالة المنتفك جعلت بامرة احد الشيوخ آل السعدون وتحت أشراف قسم الاستخبارات البريطانية ، وقد أوكل إلى هولاء المجندين مهمة جمع المعلومات العسكرية والعشائرية والقيام بعمليات
استكشاف أمام الدوريات العسكرية والعمل كإدلاء ، فشكلوا بذلك النواة الأولى لقوة الشبانة في منطقة الناصرية .
وفي القرنة قررت السلطات البريطانية تكوين شبانة محلية لحماية طريق سكة الحديد وكان عددهم مائة وأربعة وسبعين نصفهم من الزبير والنصف الآخر من قبيلة ظافر تم تجهيزهم وتسليحهم. كما اعتمدت الإدارة البريطانية في القرنة والنواحي التابعة لها ايضا على قوة الشبانة وكانت بقيادة احد الضباط البريطانيون، يساعده اثنان من ابناء الشيخ اكباشي السعد، وهما مروان وهاشم، وقد منح الأول رتبة ملازم والثاني رتبة نقيب. ومع ذلك فقد جاء في تقرير حاكم القرنة السياسي ماكي J. Mackie لعام 1918 : "ان هاشم غير متعلم، وانصح بعدم ترقيته في المستقبل " لكنه اشار إلى الاعتبارات التي اجبرت الإدارة البريطانية على تعينه ومنحه رتبة نقيب، الا وهي نفوذه القبلي، وقدرته على التأثير في القبائل والمجندين من ابنائها".
ونتيجة للعلاقات الوثيقة والودية بين الحكام السياسيين وعدد من الشيوخ الذين كانت" استجابتهم رائعة" – على حد تعبير احد تقارير الإدارة البريطانية – لطلبات هذه الإدارة ازداد عدد افراد قوة الشبانة وكانت تتألف من ابناء شيوخ القبائل البارزين وتعمل بامرة الحكام السياسيين في تنفيذ مهمات ادارية بحتة. فقد بلغ العدد الكلي للمجندين من الشبانة في منطقة العمارة عام 1918 اربعمائة واربعة وعشرين مجنداً. وفي كانون الأول 1918 قررت الإدارة البريطانية الاعتماد كليا على قوة الشبانة في حراسة الدوائر العسكرية والإدارية المركزية في العمارة وعلي الغربي، واتخذ مثل هذا الاجراء في قلعة صالح ايضا.
ويبدو ان الإدارة البريطانية كلنت مطمئنة لولاء العديد من شيوخ العمارة ومن ثم هي مطمئنة أيضاً للمجندين من ابناء هولاء الشيوخ لذا أنيطت بهم مهام واسعة في حين قلصت من نفوذ الشرطة .
كما كان الغرض من تجنيد الشبانة حراسة خطوط مواصلات الجيش . ففي حزيران 1915 وبعد احتلال القوات البريطانية للكوت جندت فصيلاً من الحرس للمحافظة على طريق النهر والتلغراف ما بين القرنة والعمارة والبصرة ، وقسمت هذه القوة إلى قسمين في حزيران 1916 لتوزع على هاتين المنطقتين ، ووضعت بأمرة معاوني الحكام السياسيين وقد بلغت قوتها 109 مجند في نيسان 1917 ، ثم تكونت منها شبانة دجلة الثالثة الموجودة في منطقتي قلعة صالح والقرنة .
أما في الشطرة فقد عينت الإدارة البريطانية الشيخ صكبان العلي من شيوخ خفاجة قائدا لقوة الشبانة ، وعينت الشيخ ثامر السعدون قائداً لقوة الشرطة الخيالة في سوق الشيوخ .
ونتيجة الانتصارات التي حققتها القوات البريطانية بين عامي 1917-1918 وسيطرتها على منطقة الفرات والشطرة ، تقرر زيادة الشبانة في منطقة الناصرية في عام 1918 إلى 400 مجند ، وضعت بامرة الضابط البريطاني الملازم هيل Hall .
وكانت المهمات الاساسية لهولاء المجنديين في منطقة الناصرية هي حماية طرق المواصلات النهرية والبرية بين الناصرية والشطرة وقلعة سكر والكرادي وحماية خطوط التلغراف والسكك الحديد وحفظ الأمن ، ولتطبيق القوانين والاوامر الإدارية والمساهمة في جمع الواردات ، وتدمير قلاع بعض الشيوخ حينما تجد الإدارة البريطانية ان وجودها يتعارض مع مصلحتها ، ومرافقة السجناء عند محاكمتهم .
لقد وزعت الشبانة في مناطق متعددة ففي سوق الشيوخ مثلا وزع أفراد الشبانة البالغ عددهم 200 على طول الطريق بين سوق الشيوخ وهور الحمار وبين سوق الشيوخ ومنتصف طريق الناصرية وعلى جانبي نهر الفرات وفي الصحراء المتاخمة للخمسية حيث توجد سكة حديد البصرة – الناصرية ، كذلك في مدينة سوق الشيوخ نفسها .
وفي الكوت أخذت الإدارة البريطانية منذ أوائل 1918 بتقليص قوة الشرطة ثم قررت إلغاءها نهائيا لوجود قوة كافية من المجندين الشبانة من أبناء شيوخ قبائل المنطقة ، وقد انيط بهم حراسة طرق المواصلات النهرية وخطوط سكك الحديد بين الكوت وبغداد وديالى ، فضلا عن الواجبات الإدارية الأخرى . وفي عام 1918 بلغ عددهم في الكوت 395 مجنداً.
وكانت قوة الشبانة في الحلة تقوم بواجبات ادارية متعددة وكانت تتكون من صنفين وهما ، المجندين المشاة ويبلغ عددهم 280 مجندا يقودهم خمسة من الضباط البريطانيين . أما الصنف الثاني فهم المجندون الخيالة وعددهم 477 مجندا تحت امرة خمسة من الضباط البريطانيين أيضاً.
كما طلبت الحكومة البريطانية في عام 1918 من اقرباء وابناء اسر شيوخ العشائر الانخراط في هذه القوة لدعمها ، وفعلا انخرط بعض من أبناء واقرباء الشيوخ كعبد المحسن (من أقرباء الشيخ عمران الحاج سعدون شيخ بني حسن في منطقة طويريج) فقد تولى عبد المحسن السعدون قيادة الشبانة في المنطقة .
وكان الشيخ عمران الحاج سعدون قد زود الإدارة البريطانية بخمسين رجلا من عشيرته وتوزعوا على قوة المشاة والخيالة . ومن جهتها كافأت الحكومة البريطانية كل الشيوخ المتعاونين في هذا المجال والراغبين في تعين أبنائهم كضباط لقيادة هولاء المجندين. وقد وصل العدد الكلي لقوة الشبانة في الحلة والتي تمت الموافقة عليها 490 من المشاة و 340 من الفرسان . وكانت قوة الشبانة في الحلة مكلفة بواجبات الحراسة في الحلة والمسيب وطريق مسيب كربلاء وطريق كربلاء النجف ، فضلا عن هذه الطرائق المذكورة في أعلاه ، فقد كانت مكلفة أيضاً بحراسة طرق الحلة – بغداد حتى المحمودية والحلة الديوانية وخط الحلة كفل وطريق الحلة – سدة الهندية وفي المسيب إلى المحمودية . وفضلاً عن ذلك فقد كانت قوات الشبانة تساهم في تحصيل الضرائب من العشائر المتمردة .
وفي منطقة الشامية ، كان رجال القبائل يقدمون أسلحتهم الخاصة والملابس بسبب الشيوخ الذين كانوا أصدقاء الحكومة وكانوا متميزين بارتداء باجات خاصة .
وفي السماوة كان من الضروري للإدارة البريطانية الضغط على القبائل فالمنطقة قطعت تجهيز الرجال لخدمة سلطات الاحتلال ، وكانت مثل هذه الخدمة بدون شعبية فخشى المجندون من استخدامهم كجنود من قبل الإدارة البريطانية.
وفي بعقوبة تم تعيين الكابتن بيدر Pedder مساعد الحاكم السياسي لتولي قيادة الشبانة في أيار 1918 نواتها 140 من المشاة و 110 من الفرسان وكانت واجباتهم حفظ الأمن . أما في خانقين فكانت قوة الشبانة تتألف من 200 مجند وكانت بأمرت اربعة من رؤسائهم وهم محمود بيك دلو وإبراهيم بيك سراوي وإبراهيم بيك دلو وقادر أغا بـاجلان . وقد استخدمهم الميجر سون في تعزيز النظام الداخلي ومنع وصول التجهيزات إلى القوات العثمانية .
وعلى اية حال ، كان الهدف الاساسي من تشكيل قوة الشبانة هو تعزيز موقع الإدارة البريطانية اولا ثم معاقبة كل العناصر المناوئة لها ، وضمن هذا المفهوم يقول مساعد الحاكم السياسي في الشطرة في تقريره السنوي لعام 1918 : " ان مهمة الشبانة في الشطرة هي ارجاع الشيوخ [الاوغاد والأرذال] . واخضاعهم للسيطرة البريطانية..".
بقيت قوة الشبانة – التي اصبحت بعد الحرب العالمية الأولى تسمى " الميليشيا " . خاضعة لسيطرة الإدارة المدنية خلال سنوات الحرب العالمية ، وتستخدم عادة في تنفيذ اواجبات الإدارية ، وكان يقودها ضباط بريطانيون يعملون في دوائر الإدارة الندنية إلى جانب عدد من ابناء الشيوخ .
انتلقت قوات الشبانة إلى مرحلتها الثانية بين عامي 1918-1919 . فقد ظلت امكانية تدريب الشبانة واستخدامها كقوات ضارية ، بحيث يمكن ان تصبح نواة للجيش مستقبلا ، فكرة تدعو اليها بعض الاوساط على الدوام حتى اصبح من الواضح ان التوفيق بين واجبات الشبانة العسكرية والشرطة لم تعد شيئا ممكنا وانما يمكن ان يؤدي ذلك إلى التقليل من كفاءتها.
وفي الوقت نفسه ، شهدت سنوات ما بعد الحرب العالمية الأولى تطور مهم في مجال تنظيم واجبات فصائل الميليشيا لتصبح ظهيرا (مدرباً ومسلحاً) للقوات العسكرية البريطانية ، وتساهم في تعزيز قوة الشرطة ، واصبح لها مقر عام في بغداد يتولى شؤون ادارتها وتجهيزها بالمعدات ، ودفع رواتب منتسبيها ويشرف على ذلك الضابط البريطاني بويل Boyle للفترة 1918-1920 بعد ان كانت تدار محليا من الحكام السياسيين).
د. عمار يوسف العكيدي
المصدر:المدى
1263 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع