بمناسبة الذكرى السنوية الـ( ٤٧ ) لتأميم النفط العراقي مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي قائد المفاوضات العراقية مع الشركات الاحتكارية النفطية وبطل تأميم النفط.
يُعد الشهيد مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي تاريخيا وواقعيا وعمليا هو قائد المفاوضات للوفد الحكومي العراقي مع شركات النفط الاحتكارية وهو بحق مهندس تأميم النفط العراقي.. هل هي مصادفة أن تتم تصفية الحديثي يوم 1 حزيران 1980 أي في يوم ذكرى تأميم النفط؟! ولماذا تم توقيت قتل هذا الرجل الوطني الهادئ المنفتح على العراقيين بكافة أطيافهم السياسية والاجتماعية في يوم التأميم؟ هل لان القاتل أراد أن يمسح عن ذاكرته هو ذكرى بطل ومفاوض عنيد وشخصية لو قدر لها أن تستمر في الحياة أن تقود العراق إلى بر الأمان بدلا من نهج المغامرات والقتل والغزو والحروب الذي استمر حتى نهاية عمر حكم البعث الثاني وبذلك طوى الجهل والمغامرات الخائبة صفحات من الكد والتعب لبناء عراق حر وقوي!. لا أعرف كيف يدافع ذيول وأذناب هذا المغامر عن مغامراته الطائشة التي سلمت العراق بيد المحتل الأمريكي أخيرا!.
اليوم نتحدث عن كفاءة عراقية سياسية وإدارية لها بصماتها في تاريخ العراق الحديث.. المرحوم مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي.
بشهادة تقارير المخابرات السوفيتية الـ(كي جي بي) يعد مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي الشخصية القيادية الثانية بعد الرئيس احمد حسن البكر خلال السنوات 1968-1974 والمرشح القوي بعد اعتقال وسجن عبد الخالق السامرائي سنة 1973 لخلافة البكر برغم السلطات والصلاحيات الواسعة التي تمتع بها صدام حسين لكن غالبية القواعد والقيادات الحزبية كانت ترى في مرتضى الحديثي الشخصية القيادية المفصلية بعد البكر فقد تمتع الحديثي بشعبية حزبية وشعبية هائلة قبل انعقاد المؤتمر القطري الثامن عام 1974 الذي عقد في مرحلة تغييب السامرائي وانسحاب الحديثي في الجولة الثانية بعد أن فاز بأغلبية ساحقة في المرحلة الابتدائية وترك انسحابه لغزا بين أوساط القيادات الحزبية آنذاك.
المرحوم الأستاذ مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي واحد من كبار بناة العراق الحديث ومهندس بيان 11 آذار التاريخي ورئيس الوفد العراقي في المفاوضات مع شركات النفط الاحتكارية الذي قاد العراق إلى تأميم ثروته النفطية بكل نجاح ووزير خارجية مرموق وسفير العراق في الاتحاد السوفيتي.. عاش هو وشقيقه القائد الإداري البارز كردي وشكري الحديثي ومحمد صبري الحديثي محنة قاسية بعد فبركة صدام لما سماها بمؤامرة محمد عايش وسجنوا وعذبوا تعذيبا وحشيا وسمم مرتضى وقتل كردي ومحمد صبري تحت قسوة ووحشية التعذيب.. نروي لكم في هذا الملف الذي أعددناه من خلال لقاءات وحوارات مع شخصيات عاصرت الحديثي أما في الحياة السياسية أو في السجن والمحنة وكان الأستاذ احمد نجل الشهيد مرتضى الحديثي واحدا من مصادرنا الكثيرة في تسليط الأضواء على سيرة والده وإعداد هذا الملف. واحمد مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي من مواليد 1971 بغداد بكالوريوس هندسة كهربائية وحاليا موظف.. قال معلقا في البداية على مشاركته معنا: لماذا صمتنا قرابة أربعين سنة على هذا الموضوع لأننا كنا نرغب أن تكون المعلومات أكثر قبولا لأن والدي يستحق توثيقا أكثر قبولا من العراقيين.
تقول البطاقة الشخصية:
إن مرتضى سعيد من مواليد 1941 قضاء حديثة وهي مسقط رأسه في محافظة الأنبار. درس الابتدائية في حديثة وهي المدرسة الابتدائية الوحيدة في القضاء وكان هو الابن الوسط بين أبناء الحاج سعيد عبد الباقي والأبناء بالتسلسل هم: تركي اكبر الأبناء وكردي ومرتضى ومخلف وناظم وشقيقتين ووالدهم له أملاك في حديثة تورثها عن الآباء والأجداد.. ودرس مرتضى في المرحلة المتوسطة في عانة عام 1952 وكانت نصف دراسته في الإعدادية في عانة ونصفها الآخر في الرمادي ثم أكمل الإعدادية في مدينة الرمادي ودخل معهد المعلمين العالي ومدة الدراسة فيه أربع سنوات ببغداد في قسم الفيزياء والرياضيات وكان يستمتع بالرياضيات والفيزياء.
ثم أكمل الدراسة في المعهد من عام 1961 إلى 1965 وعين مدرسا للرياضيات قي مدينة الفلوجة عام1965!. من مصادر وثيقة أخبرتنا أن مرتضى الحديثي كان انتماؤه لحزب البعث في عام 1954 وفي مرحلة المتوسطة في مدينة حديثة وتسبب بمشاكل للعائلة حيث كان جده - كما قيل لنا في عائلته - يعتز به اعتزازا خاصا فكانت المداهمات الليلية للبيت تقلق الجد وكان مرتضى الطالب الشاب بعد عام 1958 في حالة هروب من رجال الشرطة وهو طالب في الإعدادية وقيل لنا أيضا انه هو الذي بدأ في تشكيل خلايا البعث في حديثة!.
عاش مرتضى مخلصا لمبادئه التي آمن بها وهو شاب غرير وضحى بحياته من اجلها في ذروة ديكتاتورية صدام ووحشيته وقراره بالانفراد بالحكم وتأسيس سلطة بوليسية ستالينية ولهذا توفي مرتضى الحديثي في عز شبابه وهو في سن 39 عاما. لقد عاش حياته مناضلا ومدافعا عن حقوق الشعب العراقي وباختصار لم يتمتع بعمره كما ينبغي!.
تقول إضبارته الشخصية الإدارية:
إنه عين في الفلوجة وتعرض إلى المضايقات بعد ثورة 14 تموز لاستفحال المد الشيوعي آنذاك. وفي عام 1962 في بغداد كان بدرجة عضو فرقة في الحزب وتنظيمه في منطقة العبخانة.. أي كان عضو فرقة العبخانة. وفي عام 1963 لغاية 18 تشرين الثاني 1963 كان عضوا في المكتب الفلاحي ومنسبا للعمل في جريدة (صوت الفلاح) محررا وكاتبا فيها وبعد انقلاب تشرين انشق الحزب فأصبح عضوا في (لجنة تنظيم القطر) وأصبح مسؤولا عن المكتب العمالي أو ضمن قيادة المكتب العمالي للحزب وهذه مسؤولية لها علاقة مباشرة بمجزرة الخلد عام 1979 التي انتهت بتصفية الخط العمالي في الحزب وقتل قادته مثل محمد عايش وبدن فاضل!.
تقول أوراقهُ:
اعتقل أكثر من مرة بعد انقلاب تشرين وعذب تعذيبا شديدا في سجن خلف السدة وترك آثاره على فقراته وحياته الصحية وقد ولدت له طفلة وهو في السجن وهي ابنته البكر. تزوج عام 1965 وان زوجته خريجة كلية الشريعة ومناضلة سابقا معه واسمها راغبة داود علي رحمها الله إذ توفيت عام 1982 أي بعد موت مرتضى بسنتين بعد أن دمرها ظلم صدام وقسوته الوحشية ضد زوجها وأشقائه وأقاربه!. تفصح أوراق مرتضى الخاصة انه تزوجها عن طريق الحزب لكنها رحمة الله عليها اعتزلت العمل الحزبي في عام 1968 وتقاعدت وتفرغت لتربية أولادها!. في ملفه الحزبي إشارة مؤكدة تقول انه كان بدرجة عضو فرع بغداد قبل عام 1968 وفي تشرين الثاني 1968 وفي المؤتمر القطري السابع انتخب عضوا في القيادة القطرية كانت مسؤوليته يوم 17 تموز 1968 تبليغ فرع بغداد بساعة الصفر وهو الذي جلب اللواء المدرع العاشر من منطقة الورار بالرمادي ودخل به إلى العاصمة وكان يرتدي الملابس العسكرية وهو لم ينم في بيته لليلتين متتاليتين قبل الثورة .
وقد كان متصلا بحماد شهاب عن طريق عمر الهزاع إذ كانت هناك علاقة حزبية بين مرتضى والهزاع وكانت مهمته السيطرة على بغداد عن طريق اللواء المدرع العاشر أما بقية أعضاء القيادة فقد كانت مهمتهم السيطرة على القصر الجمهوري بعد الدخول إليه!.
بعد استتاب السلطة عين الحديثي رئيسا للجنة تبديل أسماء المحافظات وتفرغ حزبيا وفي آذار 1970 عين في منصب وزير العمل. وكانت له بصمة عميقة في هذه الوزارة حيث تم تشريع قانون العمل رقم (1) لسنة 1970 وهو أول قانون ثوري عادل للعمل وأنصف العمال وضمن حقوق الطبقة العاملة. كتب شخصية مقربة من الحديثي اعتذر عن ذكر اسمه:
كانت لديه أفكار ومقترحات اقرب إلى الطوباوية مثل تشريع قانون الإجازة للسجناء وكان يحلم أن لا يبقى مسطر واحد للعمال في العراق وكان يعد المساطر إهانة كبيرة لإنسانية العامل العراقي ويقول يجب أن تكون هناك آليات للعمل لا أن يقف العامل في الشارع بحثا عن فرصة عمل.. كان ضد وقوف العامل ساعات طوال في الشارع بانتظار سيارة يصعد فيها طلبا للعمل!. جاء في إضبارته الرسمية انه شغل منصب وزير العمل للفترة من آذار 1970 إلى 24 تشرين الأول 1971. نجح في وزارة العمل برغم انه لم يبق فيها سوى سنة ونصف السنة وحقق نجاحات في مجال تشريع قانون العمل وهذه النجاحات – كما قال لنا المصدر - للأسف قتلته في نهاية المطاف لأنها أثارت حفيظة صدام الذي سرق جميع منجزات غيره من القياديين الذين حققوا المنجزات الأولى التي شهدها العراق في أوائل سبعينيات القرن الماضي ونسبها لنفسه زورا وبهتانا!.
وتذكر إضبارته الرسمية انه خلال هذه الفترة أصبح وزيرا للنفط والاقتصاد والإعلام وكالة وأصالة!. وعضو لجنة تنظيم التجارة 1970 وعضو مجلس التخطيط 1970. وعضو مجلس الدفاع الأعلى في العراق وعضو اللجنة العليا لشؤون الشمال!.
استلم وزارة الخارجية من الوزير السابق عبد الكريم الشيخلي في تشرين الأول عام 1971 بعد أن عين الشيخلي ممثلا للعراق في الأمم المتحدة وكانت وزارة الخارجية تعاني من عاصفة أزمات دولية وعربية وإقليمية عندما استلمها إضافة إلى التحديات الداخلية مثل الأزمة مع إيران حول شط العرب التي أفضت فيما بعد إلى اتفاقية 1975 التي كان الحديثي معارضا لها ونقل احد المقربين من الحديثي آنذاك أنه سمع مرتضى يقول "تقطع يدي ولا أوقع هذه الاتفاقية"!. واندلعت حرب تشرين عام 1973 إبان استلامه لوزارة الخارجية وأجرى مباحثات مكوكية مرهقة مع القادة المصريين والسوريين.. وواجه أزمات أخرى مثل:
• الأزمة مع الإمارات العربية.
• أزمة أنبوب النفط مع السوريين.
• أزمة تسويق النفط بعد تأميمه.
• معاهدة الصداقة مع الاتحاد السوفيتي.
• حضور دورات الجمعية العمومية للأمم المتحدة 27 و28!.
إدارة ملف العلاقات مع دول عدم الانحياز.
• فتح صفحة دبلوماسية ناجحة مع الصين والهند وأوروبا الشرقية ويوغسلافيا.
• تطوير العلاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية والتنسيق مع المقاومة من خلال الحزب وليس عبر وزارة الخارجية.
جاء في أغلب المصادر العربية والعراقية التي أرخت لحرب تشرين أن الحديثي بصفته وزير الخارجية ذهب إلى الجبهة السورية وحضر لقاءات مع الجيش العراقي وكان له لقاء عاصف مع الرئيس حافظ الأسد حيث تبادلا الاتهامات والتقى بالضباط العراقيين في الجبهة السورية وكان يسعى إلى تشكيل فيلق عسكري وإرساله للجبهة حيث كان العراق قد أرسل فرقة عسكرية هي الفرقة الثالثة لإدامة زخم المعارك مع العدو الصهيوني وقابل الأسد وكان لقاءا مريرا وبلغ الأسد خشيته من اخذ قرار وقف إطلاق النار وقال له نحن لا ننصح بقبول قرار وقف إطلاق النار لأننا ما زلنا نديم زخم المعركة وكانت هناك وساطة سوفيتية قبل وقف إطلاق النار ومرتضى الحديثي هو صاحب العبارة الشهيرة التي تداولها الإعلام العراقي الرسمي: "هذه حرب تحريك لا حرب تحرير"!.
زار عدة مرات الاتحاد السوفيتي أثناء حرب تشرين واشرف على نقل الدبابات من روسيا الى ميناء طرطوس السوري!. ومن قراءة اضبارته الشخصية الموجودة في أرشيف وزارة الخارجية العراقية يتضح انه نفذ واجبات سرية ذات طابع حزبي لم تدون في سجل سيرته الوظيفية!. اعفي من منصبه عام 1974 ومن القيادة القطرية أيضا بعد المؤتمر القطري الثامن!. ينبغي الإشارة إلى دوره الكبير في مفاوضات العراق مع شركات النفط الاحتكارية حيث كان قبل تأميم النفط هو رئيس الوفد العراقي المفاوض لوفد الشركات النفطية.. شكل الوفد في 11/1/ 1972. والمعروف تاريخيا: لم تكن القيادة القطرية بمجموع أعضائها ولا مجلس قيادة الثورة بجميع أعضائه مع قرار تأميم النفط.. كان التأميم مغامرة لان القيادة في العراق كانت تضع أمامها تجربتين فاشلتين ومأساويتين فشل فيهما قرار التأميم وهما التجربة الإيرانية والمكسيكية وكانت نهاية هاتين التجربتين كارثية. ومع ذلك كان الحديثي من خلال قراءة محاضر الاجتماعات مع شركات النفط التي نشرت آنذاك كان رحمه الله من المندفعين إلى تأميم النفط ومعه بنفس الدرجة من الحماس عبد الخالق السامرائي وآخرون في القيادة العراقية يطلق عليهم بالراداكاليين وقيل أن صدام قال للحديثي في احد اجتماعات القيادة مازحا: يا ابن سعيد عبد الباقي إذا فشل التأميم فان أول رقبة يطاح بها هي رقبتك!. ومن المعروف تاريخيا عن تلك المرحلة أن صدام كان يتظاهر باليسارية والراديكالية في تلك الفترة ويتعاطف مع أصحاب هذا الاتجاه في الحزب من باب التضليل وعدم كشف قناعاته الحقيقية!.
كان وفد المفاوضات الذي ترأسه مرتضى الحديثي يتألف من محمد فاضل وسعدون حمادي وإحسان شيرزاد وعدنان الحمداني وفاضل الجلبي الخبير النفطي الشهير وان العراق وجه المهلة الأخيرة للشركات بعد مفاوضات عسيرة استمرت من 11/1 إلى 30/5 وعبر (12) جلسة!. يذكر ستوكويل رئيس وفد الشركات (كما جاء في محضر المفاوضات):
إن الوفد العراقي وهم من الشباب المتحمس درس كل ملفات شركة نفط الشمال وشركة النفط الوطنية العراقية.. لقد درسوها بـإمعان وأنهم خلال عشرين يوما جاؤوا إلينا مفاوضين بارعين وقد حفظوا هذه الملفات عن ظهر قلب حرفا حرفا!. وقال ستوكويل في نهاية المفاوضات لمرتضى الحديثي: (أود أن أذكركم بمثل انجليزي شهير يقول:
(لا تذبحوا الوزة التي تبيض لكم ذهبا)!.
فأجابه الحديثي: (ونحن لدينا في العراق مثل قريب من المثل الانجليزي وهو: "لا ترمي الحجر في البئر الذي تشرب منه الماء" ومثلما تتوقع يا سيد ستوكويل أن هذه البطة تبيض لنا ذهبا فان هذا البئر عراقي هو البئر الذي أنت تشرب منه الماء)!.
المشرق- شامل عبد القادر
http://www.almashriqnews.com/inp/view.asp?ID=126340
613 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع