حسين جميل يروي قصة الحياة البرلمانية في العراق
صدر بيان الجنرال مود19/3/1917 وفيه يخاطب اهل بغداد عن فتحه لها ان جيوشنا لم تدخل مدنكم واراضيكم قاهرين اعداء بل محررين وبعد هذا البيان نجد التصريح الانكليزي الفرنسي الصادر في تشرين الثاني نوفمبر سنة 1918 يقول ان السبب الذي دفع الانكليز وفرنسا في الشرق الاوسط الى تلك الحروب التي اهاجتها مطامع الالمان انما هو لتحرير الشعوب التي رزحت اجيالا طولا تحت نظام الترك تحريرا نهائيا وإقامة حكومات وادارات وطنية تستعد سلطتها لاختيار الاهالي والوطنيين لها اختياراً حراً .
وفي 18 من كانون الثاني سنة 1918 اصدر الرئيس الامريكي ودرو ويلسن بنوده الاربعة عشر . وفي البند الثاني عشر منها . ان الاقوام غير التركية في الامبراطورية العثمانية التي تخضع الآن الى الحكم التركي يجب ان تضمن لها الحياة الآمنة التي لاتشوبها اية شائبة وفرصة لاتمس قطعيا بالحكم الذاتي .
الى جانب هذا التعدد في البيانات والوثائق التي تحكم شؤون المنطقة كان هناك تعدد في المؤسسات الحكومية التي تتولى تلك الشؤون كانت هناك وزارة الخارجية ووزارة الهند ووزارة المستعمرات عندما انتقل المستر ونستون تشرشل في شباط سنة 1921 من وزارة الحرب الى وزارة المستعمرات انشأ في هذه الوزارة دائرة الشرق الاوسط ولكي يرسم الخطط التي تتبع في ادارة هذه المنطقة رأى ان يستعين بشاغلي المراكز الرسمية المهمة في المنطقة ولهذا الغرض دعا لعقد مؤتمرات لهم في القاهرة.
انعقد هذا المؤتمر في الثاني عشر من آذار سنة 1921 برئاسة تشرشل وزير المستعمرات وحضوره من العراق السير بكسي كوكس المعتمد السامي البريطاني لوزارة الاشغال والمستشار البريطاني لوزارة الاشغال والمستشار البريطاني لوزارة المالية والمس كروترد بيل السكرتيرة الشرقية لدار الاعتماد البريطاني في بغداد وحضره من الوزراء العراقيين جعفر العسكري وزير الدفاع وساسون حسقيل وزير المالية وكان من جملة ما بحثه من شؤون العراق وترشيح الامير فيصل بن الحسين ليتولى عرشاً يقام في العراق .
وعن هذا الترشيح سأروي ماجاء في كتاب علي البازركان والوقائع الحقيقية في الثورة العراقية.
وعلي البازركان من الشخصيات الذين عملوا لثورة 1920 الوطنية في العراق ضد الاحتلال البريطاني ولما قمعت الثورة ذهب الى الحجاز وكان فيه الملك حسين بن علي وعندما قرر مؤتمر القاهرة ترشيح الامير فيصل بن الحسين ليتولى عرش العراق كان علي البازركان في مكة قال في كتابه (صفحة 229 ـ 230 ) ) كنت يوماً مع الملك حسين فأعطاني برقية قال انها وصلته ذلك اليوم وقال لي إقراها وكان فيها : نرجو إرسال نجلكم الملك فيصل الى العراق ليكون ملكا دستوريا منتظرين تشريفه. ومن الموقعين عليها السيد محمد الصدر ونوري السعيد وحمدي الباجهجي ومحيي الدين السهروردي وبهجت زينل.
كان الشريف فيصل بن الحسين قائداً للجيش الشمالي في الثورة العربية التي قام بها الشريف حسين (الملك حسين) بعدئذ في سنة 1916 وفتح هذا الجيش سوريا واعلن الشريف فيصل نفسه ملكا على سوريا وألف وزارة كان فيها ساطع الحصري وزيراً للمعارف ..
وعندما هاجم القائد الفرنسي غورو سوريا واحتلها وكان قد قتل في هذه الحرب يوسف العظمة وزير الحرب في معركة ميسلون جنوبي دمشق غادر فيصل سوريا وبعد مدة ذهب الى لندن وكانت ثورة 1920 الوطنية ضد الاحتلال البريطاني في العراق، وقد قمعت عسكريا واتجهت الحكومة البريطانية الى إقامة حكم محلي يكون واجهة لحكمها في العراق وعندما وصل فيصل الى لندن انتدب تشرشل كورنواليس لمقابلته وعرض عليه تولي العرش الذي تعتزم بريطانيا إقامته في العراق على شرط ان يقبل انتداب بريطانيا على العراق، وكان هذا الانتداب قد تقرر من قبل دول التحالف المجتمعة في سان مارينو في ايطاليا. وقبل الشريف فيصل العرش والانتداب، وبسبب انتداب كورنواليس كان في المكتب العربي في القاهرة وهو مكتب اسسته انكلترا في ايام الحرب العالمية الاولى ليعمل في شؤون عرب شرق قناة السويس، كما ان هذا المكتب كان قد اتصل بالشريف حسين (شريف مكة – الملك حسين بعدئذ) لترتيب قيامه في الثورة ضد الدولة العثمانية التي نشبت في سنة 1916 فهو (أي كورنواليس) يعرف فيصلا لهذا السبب ..
من المعلوم ان المجلس التأسيسي قبل معاهدة تحالف بريطانيا لضمان مصلحتها قبل المعاهدة قدم الى المجلس التأسيسي مشروع القانون الاساسي (الدستور) واكمل بحثه والمصادقة عليه كان قد قيد الدستور بان لايكون فيه مايخالف المعاهدة العراقية البريطانية لذلك كان عمل المجلس التأسيسي ان يصادق على المعاهدة اولا ثم يبحث الدستور وبعده يسن القانون لانتخاب النواب ..
ومع ان الموافقة على الدستور تمت عليه من قبل المجلس التأسيسي فانه لم ينشر ويبدا نفاذه الا بعد ثمانية اشهر وفي هذه الفترة منح امتياز استثمار النفط الى (شركة النفط التركية) وخول وزير الاشغال والمواصلات التوقيع على اتفاقية منح الامتياز وقد تم ذلك في الرابع عشر من آذار سنة 1925 . وبعد اسبوع نشر القانون (الدستور) ليبدأ نفاذه من هذا التاريخ ولو ان الدستور نشر بعد مصادقة المجلس التأسيسي عليه مباشرة لكان منح استثمار النفط يتطلب مصادقة مجلس النواب ومجلس الاعيان عليه بقانون .
ويأخذ الدستور بمبدأ الفصل بين سلطة الدولة ويأخذ بالتقسيم الثلاثي لها فهي: تشريعية وتنفيذية وقضائية ويقرر استقلال القضاء وان المحاكم مصونة من التدخل في شؤونها ..والحكام لايعزلون الا في الاحوال المصرح بها في القانون .
فالسلطة التشريعية منوطة بمجلس الامة ومجلس الامة يتكون من مجلس نواب منتخبين ومجلس اعيان لايزيد عددهم على ربع عدد النواب معينين من الملك، وهذا يعني ان الوزارة تختارهم ويصدر الملك، ارادة بتعيينهم لان الملك غير مسؤول فهو لايمارس سلطة ابتداء انما يمارس سلطته عن طريق وزرائه ويقرر الدستور مسؤولية الوزراء منفردين ومجتمعين امام مجلس النواب ويقرر الدستور ان لكل عضو في مجلس الامة حرية الكلام التامة فلاتتخذ اية اجراءات قانونية ضده من اجل تصويت او بيان رأي في مداولات المجلس ومباحثاته ولايوقف ولايحاكم احد من اعضاء مجلس الامة مالم يصدر من المجلس الذي ينتسب إليه قرار بالاكثرية بوجود الاسباب الكافية لاتهامه او مالم يقبض عليه حين ارتكابه جناية مشهودة .
((هذا هو نظام الحكم في العهد الملكي كما يقرره الدستور فهل كان واقع هذا الحكم منسجماً مع احكام الدستور وانعكاساً لاحكامه ؟ هل كان ذلك الحكم في واقعه يحترم حقوق وحريات المواطنين التي تقدمت الإشارة اليها ؟.
من المعلوم ان نظاماً للحكم يأخذ بمبدأ سيادة الامة ولكي يحقق هذه السيادة ينبغي عليه ان يأخذ بالوسائل التي من شأنها ان تمكن الامة من ممارسة هذه السيادة وحيث ان امة تعدادها بالملايين لايمكن ان تاخذ بنظام الديمقراطية المباشرة هذا النظام الذي عرفته اليونان بالقرون الاولى انما من الممكن لها ان تنتخب افرادها من ابنائها يمارسون هذه السيادة بالنيابة عنها أي ان تأخذ بالنظام النيابي فهذا هو الذي تقرر في العراق – كما رأينا في ما تقدم- فحرية الانتخاب اذن هي جوهر تحقيق ممارسة الامة سيادتها فماذا كان واقع الانتخاب في العهد الملكي في الوقت الذي اتحدث عنه ؟
اود ان اقول شيئاً قبل هذا كله.. ان ما سأذكره عن الانتخاب هو عن العهد الذي بدأ منذ اول انتخاب اعضاء المجلس التأسيسي في سنة 1924 ثم انتخاب النواب المجالس النيابية التالية له الى سنة 1946 ففي هذه السنة صدر قانون جديد لأنتخاب النواب ثم انتخاب مجلس النواب سنة 1946 والمجالس التالية له الى سنة 1958وفق احكامه، وفي ظل هذا القانون تمكن الناخبون في دوائر انتخابية متعددة من التعبير عن إرادتهم الحرة وانتخاب نوابهم الذين اختاروهم للنيابة
المصدر/ المدى
607 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع