بهلوي في رسالته لطليقته الأميرة فوزية: "شطرت سفينتي إلى نصفين، وحياتي إلى نصفين، سامحك الله"
رند علي/ ميدل ايست:في احد أيام سنة 1945 يستيقظ الوفد الإيراني المرافق للإمبراطورة فوزية، إمبراطورة إيران زوجة الشاه محمد رضا بهلوي وابنة الملك فؤاد الأول، الملك السابق لمصر والسودان، وشقيقة الملك فاروق ملك مصر والسودان، والذي كان يقيم في قصر الضيافة مع صاحبة السمو الإمبراطوري في مصر، على خبر اختطاف الإمبراطورة.
من يستطيع اختطاف إمبراطورة إيران على أرض بلادها التي يحكمها شقيقها الملك فاروق؟
بالتأكيد إن من يقدم على هذه الأمر هو شخص كما يقال "قادر" وله نفوذ واسع في البلاد..
نزول العلم الإيراني من سارية قصر الضيافة واختفاء الإمبراطورة وانسحاب كل الخدم المصريين والحرس الخاص بالقصر، كل هذا يعني أن هناك أزمة دبلوماسية بين البلدين.
فالإمبراطورة هي زوجة الإمبراطور وهي السيدة الأولى في البلاد، ومعاملة الوفد المرافق لها على هذا النحو هو بمثابة إهانة رسمية بكل المقاييس والأعراف الدولية والدبلوماسية.
صُنفت الأميرة فوزية التي تنتمي للأسرة العلوية التي حكمت مصر قرابة قرن ونصف على أنها من أجمل النساء في العالم.
فقد كانت تمتلك جمالا هادئا جعلها محط أنظار الجميع. وعندما بلغت عمر 16 عاماً تقدم لخطبتها ولي عهد الإمبراطورية الإيرانية محمد رضا بهلوي الذي سيصبح إمبراطور إيران في وقت لاحق.
وافق شقيقها الملك فاروق على هذه الزيجة لأنه كان يحلم بقيام إمبراطورية شرقية من خلال الدخول في علاقات نسب بين الأسرة المالكة في مصر والأسر المالكة في المنطقة.
وبالرغم عدم موافقة والدته الملكة نازلي على هذا الزواج ، لكن للأسف كان قلب فوزية ضحية للأهداف والمؤامرات السياسية.
في كتاب طلاق إمبراطورة للكاتب والصحفي كريم ثابت الذي كان يشغل آنذاك منصب المستشار الصحفي للملك فاروق، والصادر عن دار الشروق المصرية، القصة الكاملة لهذا الطلاق الذي تعددت أسبابه .
ولا يوجد سبب حقيقي واحد مُقنع، غير أنها رغبة الملك فاروق الذي بحسب ما وصفه كريم ثابت في مقدمة كتابه :كانت له شخصيتان مختلفتان تتنازعان السيطرة على إرداته ومشاعره.
ففي صيف عام 1948 يستدعي الملك مستشاره الصحفي إلى قصر المنتزه في الإسكندرية ليقابله بوجه عبوس، لم تفتر شفتاه عن ابتسامة ليقول له باللغة الفرنسية" إن شقيقتي فوزية تعيسة جدا"، ويستطرد قائلا باللغة العربية "أنا المسؤول".
ثم يضيف" لقد تلقيت تقريراً سرياً من شاب مصري مقيم في طهران ويتصل بالأميرة عن طريق آنسة مصرية مقربة إليها يؤكد أن فوزية تعيش في جحيم".
ولم يفصح فاروق عن اسم هذا الشاب المجهول.
ثم تتوالى التقارير المجهولة وتزداد الحجج فتارةً تذكر هذه التقارير أن الإمبراطورة عشقت مدرسها وتنوي الهروب معه وهذا سيتسبب للشاه والملك بفضيحة دولية، وتارة تذكر التقارير إصابة الإمبراطورة بمرض عصبي.
وعبثا يحاول كريم ثابت أن يعرف المصدر السري الذي يستقي منه فاروق معلوماته لكنه فشل. وهو ما جعله على يقين بعدم وجود مصدر سري وأن للملك هدفا يسعى إلى تحقيقه.
ويقرر الملك استدعاء شقيقته فوزية من إيران إلى الإسكندرية بمناسبة زواج شقيقتها فائزة.
ويستجيب البلاط الإمبراطوري الإيراني لطلب الملك فاروق.
وإن كان هذا يدل على شيء، فهو دليل على عدم وجود مشاكل بين فوزية وزوجها الشاه، وكان شرطه الوحيد أن تعامل زوجته بروتوكولياً كإمبراطورة، وهو ما جرى بالفعل.
يبدأ الملك برعاية شقيقته والاهتمام بها ومحاولة التأثير عليها لإنهاء هذا الزواج. ولأن فوزية كانت شديدة الثقة بأخيها والتقارير السرية التي أبلغها بها بأن هناك مؤمراة ستحاك ضدها عند عودتها إلى إيران ومن الأفضل أن تطلب الطلاق حرصاً على نفسها وأن تبقى في مصر تحت رعايته.
وتستجيب فوزية لأخيها ورغبته، ويوعز كريم ثابت أن السبب الحقيقي وراء قيام فاروق بتطليق شقيقته من زوجها الإمبراطور هو أنه في تلك الفترة كان ينوي هو أيضاً إنهاء زواجه من الملكة فريدة.
لذلكَ كان لا يرغب بأن يتم إعلان طلاقه وحده لكي لا يتم تسليط الضوء عليه بشكل مباشر خصوصاً أن الملوك نادراً ما يطلقون زوجاتهم، وفريدة كانت محبوبة من الشعب المصري.
فإنهاء الزواج قد يسبب ردة فعل لدى الشعب المصري تجاه ملكه. أما إذا تم طلاقه من فريدة وطلاق فوزية من محمد رضا بهلوي في نفس الفترة فلا تتجه الأنظار نحوه.
وكان يريد من فوزية أن تقوم بواجبات الملكة في البلاط المصري لحين ارتباطه بزوجه أخرى فلا يجوز بقاء البلاط المصري بدون ملكة.
وفعلاً تم إعلان طلاق الملك فاروق من زوجته الملكة فريدة وشاه إيران من زوجته الإمبراطورة فوزية في نفس اليوم من عام 1948.
الملكة فوزية ومحمد رضا بهلوي مع ابنتهما الأميرة شاهيناز في طهران أثناء الحرب العالمية الثانية.
تركت فوزية زوجها وابنتها ، وآلمها هذا الفراق كثيراً وحرص فاروق على منع كل الكتب والمجلات والصور والرسائل التي تبعث بها ابنتها من ايران إلى مصر.
وتحطم قلب فوزية وقلب الشاه الذي ما إن سمع بسوء معاملة البلاط المصري للوفد الإيراني المرافق للإمبراطورة حتى فهم الرسالة بسرعة وطلق امرأة كان يعشقها.
ويقول في إحدى الرسائل التي كتبها إلى زوجته ولكنه لم يرسلها له، وقد وجدت نسخة من هذه الوثيقة النادرة في وثائق السفارة الأميركية التي استولى عليها الطلبة الإيرانيون بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، "لا تساوي جواهر التاج شيئا بدونك. أنت الدرة الثمينة فوق رأسي، وعندما تركت العرش شعرت أن سيفا من النحاس المصقول يخترق قلبي، لقد شطرت سفينتي إلى نصفين، وحياتي إلى نصفين، سامحك الله.
وكما يقول كريم ثابت في بداية الكتاب، فنمت وأنا أقول لنفسي: لو عرف الناس أحوال القصور على حقيقتها.
وكريم خليل ثابت هو صحفي مصري وأحد مُؤسِّسي جريدة المصري، ومستشار الملك فاروق الإعلامي.
عمل فترة رئيسا لتحرير جريدة المقطم، ثم اختاره الملك فاروق مستشارًا إعلاميًّا له على الرغم من موقفه من الاحتلال الإنجليزي، وذلك منذ عام 1942 حتى قيام ثورة يوليو 1952.
عقِبَ قيام الثورة سُجِن كريم خليل ثابت عدة سنوات على خلفيةِ تَقاضيه مبالغَ ماليةً غير معلومة المصدر، وكتب خلال سنوات سجنه مذكراته الشخصية التي تحكي أسرارَ القصر الملكي وخفاياه خلال فترة عمله به.
وتُوفِّي كريم خليل ثابت عام 1964، ولم تُنشر مذكراته إلا أواخر القرن العشرين.
2153 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع