د.نسرين مراد
يسود مصطلح الإرهاب حالياً جل أوجه الأنشطة الدولية؛ السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية.
يكاد لا يخلو نشاط إعلامي من الإتيان على ذكر المصطلح، في شكل خبر أو تحليل أو تعليق أو إرشاد أو توجيه.
تعددت الجهات المسماة بأنها إرهابية أو تدعم الإرهاب أو تتغاضى عنه أو تقبل به، بشكل مباشر أو ضمني.
اتسعت دائرة المشمولين بالإرهاب بهذا الشكل أو ذاك، لتصل إلى مئات الملايين، موزعين بشكل غير متناسق عبر دول ومناطق وقارات العالم.
حقيقةً فالذين يقومون بأنشطة توصف بأنها إرهابية، عددهم محدود جداً وقد لا يتجاوز عديدهم أصابع اليد الواحدة. قد يكونون مخترَقين أو موجَّهين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. يُنسبون إلى تنظيمات سرية وعلنية مثيرة للجدل؛ بشأن تاريخ وسلوك وأهداف وأيديولوجيات تلك التنظيمات.
لكن الغالبية العظمى أو الساحقة من المشار إليهم بارتكاب أعمال إرهابية، يعودون فكراً وتنظيماً إلى الجماعات والأحزاب والفئات الإسلامية. فما أن يعلن عن تنظيم أو نشاط أو عمل جديد يوصف بالإرهاب، حتى تبدأ أصابع الاتهام تشير إلى ذوي الأيديولوجيات الإسلامية.
ثم يبدأ المصطلح ينسحب شيئاً فشيئاً على ذوي الاعتقاد الإسلامي، المعتدل وغير المعتدل، وحتى الليبرالي! تكفي الإشارة إلى وجود أعداد محدودة من المتطرفين، للبدء في اتخاذ إجراءات أمنية قد تشمل أعداداً كبيرةً من الذين ليست لهم أية علاقة بالشأن الإرهابي.
تكون الإشارة إلى المتطرفين إما بوجود خلية إرهابية ناشطة أو نائمة، أو دخول عناصر مشبوهة في قطاع ديمغرافي مستهدَف بأزمة أمنية أو سياسية أو ديمغرافية.
وقد تصل الأمور إلى الإشارة بوجود معلومات أمنية سرية خطيرة؛ حينها على الدوائر والأجهزة الأمنية اتخاذ كافة الإجراءات والاحتياطات لوأد النشاط الإرهابي في مهده؛ إذا أمكن ذلك. تشترك في ذلك قوى الأمن المتمثلة بالشرطة والجيش والأمن السري.
يؤدي ذلك إلى حدوث حالة من الاضطراب، قد تزداد حدة شيئاً فشيئاً، وتصل إلى مستوى أزمة إقليمية أو دولية مستعصية الحل. جل الحروب الأهلية التي نشأت في المنطقة بعد أحداث سبتمبر 2001، حلت بسبب فكرة محاربة الإرهاب.
أعداد قليلة جداً ممن يوصفون بالإرهاب، تسببوا في الشروع في حروب في المنطقة بدأت ولَمّا تنته. حركات التغيير العربية تكاد برمتها تتحول في اتجاه استمرار الحروب على الإرهاب، والإرهاب المضاد.
تساعد في تعميم وتسهيل تمرير المصطلح، سهولة الحصول على المعلومات وسرعة وصولها إلى أعداد كبيرة من المستهدَفين بالاضطرابات. وصلت فكرة محاربة الإرهاب إلى كافة مرافق ومؤسسات المجتمع، السياسية والمدنية والأمنية والعسكرية.
دخل كل فرد تقريباً في حالة حادة من التخبط والصراع مع نفسه، والفوضى والاصطدام مع غيره. توطدت الأزمات والحروب في المنطقة بشكل لا سابق له.
هنالك أزمات اقتصادية ومالية وإدارية وسياسية وأمنية ونفسية ومعنوية؛ كلها تنخر في جسد وعصب وفكر المجتمعات المستهدَفة. هذه من شأنها أن لا تترك مكاناً للهدوء والاستقرار والأمن والأمان.
المجتمعات التي دخلت إليها الأزمات والحروب الأهلية، تعاني من فقدان الأمن والأمان، ومن انتشار الفوضى في كافة الأجهزة، حتى القضائية منها والقانونية. المسؤولية في ذلك تقع على عاتق الجميع، حاكمين ومحكومين، معارضين للأنظمة الحاكمة ومؤيدين.
الملاحَظ أن أوضاع الدمار والخسارة والفوضى في المنطقة العربية، والشرق أوسطية بالذات، لم تؤثر على الكيان الإسرائيلي بأي مقدار. على العكس من ذلك، توطدت قدرات إسرائيل في السيطرة على المنطقة والاستحواذ على مستقبلها الاقتصادي، وتبعاً لذلك الأمني والسياسي والاستراتيجي.
حقيقةً، ذلك ما يثير تساؤلات خطيرةً حول من يقف وراء كافة الحركات والأزمات والحروب التي تعصف بديمغرافية المناطق، وبشكل لا رجعة فيه. أصبحت إسرائيل في وضع تتحدى فيه كافة مشاريع وتطلعات ومشاعر وطموحات الأمة بأكملها.
397 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع