جمهور كركوكلي
كان قدرنا في الماضي القريب ان نعيش الخوف على أمتداد نهارنا ، وليلنا ، حتى صار الخوف يتوسد عظامنا ويسري في دمائنا ،ويتقاسم معنا اللحاف والمخدة .
فالمعلم يخيف،ورجل الدين يخيف،الاكبر منا يخيف،الجار يخيف،وافراد العائلة الذين يكبروننا،يخيفون ايضا ،
وويل لمن كان أصغر ابناء العائلة او كما يسمونه ( قازان ديبي ) اي ( قعر القدر ) في كناية ساذجة شبيهة باخر العنقود او ( بزر الگعدة ) ، فالكل يخيفه ويسّخره بدءا من الوالدين والاخوة والاخوات وحتى الجيران وانتهاءا بمن يكبره بأيام بل وساعات،في تجسيد حي لقاعدة (القوي يأكل الضعيف) ..
واقرب أدوات الأخافة هو بلاشك الضرب .. فتأتي مفردة الضرب مقرونة بكل تفاصيل حياتنا نحن جيل الستينيات ، في الأكل ، والنوم ، والقراءة ، واللعب ، فيخاطبك ابوك او امك :
اذا ما تاكل .. اضربك ..
اذا ما تقرأ .. اضربك..
اذا ما تنام ... اضربك ..
قائمة طويلة وعريضة من الضرب ، تظلل حياتك ، وتكبح حركاتك ، وتخط خيوطا حمراء بلون الدم حول مسارك..
وانواع الضرب يا سادة يا كرام تختلف ايضا باختلاف الضارب والمضروب ..ووقت الضرب .. ومكانه .. وسببه !
فالام عادة تستعمل ( كفكير الطعام ) او النعال ( أجلكم الله )
والاب لديه سلاحه الاثير وهو الحزام او اللكمة او في بعض الاحيان انبوب الماء المطاط ( الصوندة ) ...
أما في المدرسة فالمعلم يتخذ من العصا ( لوگو ) خاصا به ، لذلك كان معلم العربية في مدرستنا ، مدرسة القلعة الابتدائية يبدأ الدرس بمقولته المفضلة : ( العصا لمن عصا ) .. في تحد سافر لمباديء الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، ومقررات منظمة اليونيسيف ...!!
وسبل الأخافة في حياتنا اليومية وقتذاك ، كثيرة ومتنوعة ، ولعل من اغربها نوعا ، وأقساها وقعا في نفوسنا نحن أطفال الفترة الزمنية تلك ، هي أخافة الأهل لنا ، ب ( حوحو ) ..!!
و ( حوحو ) كما تقول العامة من ابناء المدينة واسمه الحقيقي (فتاح ) ، كان واحدا من عتاة المجرمين ، أشاع الخوع والهلع في نفوس الأهالي ، بداية القرن الفائت ، قبل ان يلقى القبض عليه . وأمر الوالي العثماني حينها ، ان يقيدوه ، ويعصبوا عينيه ، و يركبوه على الحمار بالمقلوب ، ويسكبوا عليه اللبن ، نكاية به ، وأنتقاما منه لأفعاله المشينة ...
وغدا اسم حوحو بعد ذلك مثار الخوف والفزع في نفوس سامعيه ، وكنا اذا اخافنا الاهل به ، نغمض اعيننا ونكور انفسنا تحت اللحاف،مرتعدين خائفين ..!
سقى الله تلك الايام البريئات التي كنا فيها نخلد الى النوم بمجرد ان يقال لنا : ناموا .. في هذه الأيام التي نرى فيها أكثر الأولاد لا ينامون حتى يؤذن مؤذن الفجر،وبعدما يفرغوا من مشاهدة أشد انواع افلام الرعب والأكشن،عنفا ، ودموية ..!!!!
وسقى الله تلك البقعة المباركة من ارض قلعة كركوك التي تربينا على ثراها وأنهلنا من معينها ، معاني الطيبة والبراءة ، ونقول ختاما كما قال الشافعي :
سقى الله أرضا لو ظفرت بتربها .. كحلت به من شدة الشوق أجفاني
4856 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع