عبد الله عباس
اذا أردنا ان نتحدث عن القضية الكردية ؛ لابد لنا أن نؤشر الى حقيقتين تأريخيتين ليتذكرهما كل الاجيال من العرب والكرد في العراق أولا وبقية الكرد في مناطقهم الاخرى ثانياً ‘ مستفيدين من تجربة التأريخ ؛؛ ليكون ما حصل ايضاءات الطريق لما يأتي..
الحقيقة الأولى أن البريطانيون قبل الامريكيون هم المسؤولون عن الواقع المر الذي يعيشه هذا الشعب العريق ، وأن أمريكا تسير على نهج الانكليز في التعامل لاستغلال قضيتهم المشروعة وسنأتي على التفاصيل حول هذا ؛؛ أما الحقيقة الثانية بعد أن أصبحت الأمة الكردية ضحية التقسيم نتيجة التآمر الاستعماري وكما حصل للأمة العربية ...إن حظ الجزء الكردي الذي اندمج مع العرب وضعه على طريق واضح باتجاه نيل حقوقه المشروعة والحفاظ على خصوصياته .
ولكن ومع أن قضيته في إقليم كردستان العراق محلولة دستورياً وعملياً ؛؛ إلا أن خطورة بقاء هذه القضية لا تزال إحدى أهم القضايا الاحتياطية قابلة للإنفجار في العراق ومنطقة الشرق الأوسط ..والسبب حسب تصورنا المتواضع يعود إلى ما يلي :
إن الشعب الكردي في العراق يعاني من أزمة القيادة موحدة في التصور والتوجه في الظرف المعقد كظرف العراق والمنطقة مؤثراً سلباً ليس على وضع العراق فحسب بل على الوضع الكردي القومى والاقليمي في الأجزاء الأخرى من كردستان ؛ ونرى ؛ وهذا من المؤسف ؛ أنه يظهر في كثير من التصرفات قيادات كردية ؛ نفس الاعتماد على (قوة خارج إرادة شعوب المنطقة) لا تزال طاغية في التوجه نحو المستقبل (بحجة عدم الثقة بإرادات الحكم الوطني المركزي آخذين الدرس من تجارب حكام السابقين!! بدون توقف لأخذ درس من المرات العديدة التي خدعتهم فيها القوى الغربية...!!) لذا نراهم يصرحون ويتخذون مواقف؛ منسجمة مع تطلعات الخارج لإبقاء مشاكل معلقة ومستفزة لوطنية شعوب المنطقة وحتى للقوى وجهات إقليمية ووطنية متحالفة مع طموحات الكرد المشروعة ؛ وحتى في هذا الموقف هناك تناقضات صارخة في طرح ما يطمح له الشعب الكردي من قبل قياداتهم ؛ ففي حين يعتقد بعضهم أن تأسيس الدولة الكردية وهم وحلم الشعراء أكثر من أن يكون واقعاً ؛ نرى الطرف الكردي الآخر يهدد من يخالفه الرأي بالانفصال وتأسيس دولة كردية رغم أنف من يعارض ؛ بدون أن يكون لديهم الضوء الأخضر لتحقيق جزء يسير من هذا التهديد ليطمئن الشعب الكردي قبل غيرهم .
السبب الثاني : إن القيادات الوطنية في بلدان قسمت بينهم أرض كردستان ؛ أيضاً لا يزال كثير منهم (المتنفذين تحديداً) بعيدين كل البعد عن فهم الطموحات المشروعة للأمة الكردية تأريخياً والطموحات المشروعة للشعب الكردي في كل بلد من تلك البلدان ...إلى حد أن لفظ كلمة (كردستان) قبل فترة من قبل رئيس جمهورية تركيا اعتبر حصول معجزة في تاريخ المنطقة..
فيما يخص العراق والأمة العربية ؛ يرى كل ذي بصيرة ؛ أن تحقيق الطموح القومي المشروع للأمة الكردية هي إحدى دعائم القوة للأمة العربية والعكس ليس صحيحاً أبداً ؛ وإذا لم تخونني الذاكرة ؛ إن الاشارة الوحيدة تأريخياً بهذا الاتجاه العقلاني في النظر إلى طموحات الكرد المشروعة ؛ جاءت في إحدى وثائق الظباط الأربعة العراقيين (العقداء الأربعة) الذين أعدمهم النظام الملكي في العراق حيث تؤكد هذه الوثيقة بما معناه أن استقلال كردستان وتوسع هذا الاستقلال لا يضر بأرض وتأريخ الأمة العربية ولا يكون على حسابها بل من الممكن أن يكون لصالح طموحاتها القومية المشروعة في وحدة الأمة ؛؛ وبنظرة دقيقة للواقع الآن ؛ وما حصل في الماضي المؤلم ؛ لو وحدت القوى الوطنية والقومية الاقليمية على هدفين مهمين منطلقين من هذه النظرة ( إن استقلال أي شعب من شعوب المنطقة لا يضر بمصلحة أي واحد منهم) أي التحالف على أساس الحرية للجميع ؛؛ والهدف الثاني تحالف بنفس القوة ضد أي تدخل خارج إرادة شعوب المنطقة (بريطانيا في السابق وامريكا لاحقاً) ؛ لكان تغير من النتائج ما حصل لصالح الطموحات المشروعة لجميع شعوب المنطقة....
لنعود إلى القضية الكردية أولا أن حق هذه الأمة لأن يكون لها كيان مستقل على أرضها التأريخية حق مشروع لا يلغيه أي تبرير مزاجي آني كما لم يؤدي إلى إلغائها في الماضي لأن واقع التأريخ والجغرافيا كذلك لهذه الأمة يقول هذه الحقيقة ؛ أما متى يكون الوضع جيد لتحقيق هذا الحلم الكردستاني ؛ هنا تكمن المشكلة وأعتقد جانب من هذه القضية يكمن في (أن في العراق مثلا قبل تحقيق الطموح القومي الكردي داخل إقليم كردستان) كان الكرد متهم من قبل متنفذي الحكم بأنهم يحاولون (صنع إسرائيل جديدة في شمال العراق..!!) ضد العرب ؛؛ دون تعمق في تأريخ الأمة الكردية ؛ إنها أقرب بكل المقايس من طموحات الأمة العربية الاسلامية من أي قومية أو كيانات أخرى في المنطقة ؛ إن الأساس الاسلامي للأمة الكردية حتى في أجزاء تركيا وايران ؛ أكثر انسجاماً مع الطموحات العربية والاسلامية من الإنسجام مع الطموحات الفارسية والتركية التوسعيتين..
في كل الأحوال ؛ من قراءة التاريخ المعاصر نفهم ومن المفروض يفهم الجميع أن هناك محاولات لتعقيد القضية الكردية وإبقاءها دون حل يرضي الأمة الكردية وشعوب المنطقة كان ولا يزال لعبة من ألاعيب بريطانيا العظمى سابقاً وامريكا الآن وتحت العنوان ( المسك بخويط الأزمات لتحريكها وليس حلها...!!)
وبالعودة إلى التاريخ ؛؛ نقرأ ؛؛ إن أول ما فكر به الانكليز كان الاستفادة من رؤساء العشائر الكردية واستخدام الوجود المكروه للأتراك المحتلين في المنطقة ؛ وبعد أن شعر الانكليز بأن استمالة العشائر الكردية عسكرياً إلى جانبهم لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية ؛ فلابد من التفكير في استمالتهم سياسياً بدغدغة العواطف الكردية في إنشاء كيان سياسي لهم ؛ وحاول الانكليز إشراك المثقفين الأكراد المهاجرين ....وفي كردستان الجنوبية وهي إقليم كردستان العراق ؛؛ فقد كان لموقعها الجغرافي وتواصلها مع أراضي بلاد الرافدين مكاناً استراتيجياً لدى الانكليز من حيث الموقع والثروات الطبيعية ؛ وقد بدأ الانكليز بالأكراد في العراق أملاً في إيجاد توازن سياسي في منطقة الشرق الاوسط مع الشريك الاوروبي الفرنسي الذي كان قد اتخذ من العرب حلفاء له ؛ وكذلك من أجل تثبيت السياسة البريطانية في كل من العراق وايران الواقعتين إلى الشمال من الكيانات العربية المبعثرة على الطرف الغربي من الخليج العربي ..
ولما شعر الانكليز في نهاية الحرب العالمية الأولى بأنهم قد انتصروا في منطقة الشرق الاوسط بدأوا بالتنصل من كل الوعود التي أعطوها للأكراد وكذلك للعرب فكانت النتيجة اتفاقية سايكس بيكو سيئة الصيت والتي تم بموجبها تقسيم التركة العثمانية من الأراضي والشعوب ؛؛ فكان مصير الكرد تقسيمهم على كل من تركيا والعراق وسوريا وايران ليتبدد حلمهم في إقامة دولة مستقلة لهم ؛؛
خلاصة القول ؛ إن تحالف القيادات الواعية لشعوب المنطقة في هذه المرحلة بالذات هو الكفيل الوحيد لتحقيق طموحات شعوبهم بعيداً عن تدخلات الارادات الخارجة عن إراداة شعوبهم وحل قضاياهم المعقدة كالقضية الكردية والأقليات الاخرى في البلدان الأخرى كإيران وتركيا كما حصل في العراق ؛؛ وإن إسقاط وإفشال شعار (تسعين بالمئة من أوراق الحل في المنطقة بيد امريكا...!) ضرورة وواجب القادة الواعين للأمة العربية وتركيا وايران وإن كلام الإستعمار القديم (الانكليز) : (إن توحيد الرأي بين العرب والفرس والترك من المستحيلات إلا في حالة المواجهه مع الكرد......!!) كلام يدخل ضمن الطموح الاستعماري التوسعي وضمن هدف (فرق تسد...!!) سيء الصيت وتستغله امريكا مع الحركة الصهيونية العالمية لمنع التحالف المصيري بين شعوب المنطقة في كل مجالات البناء والتطور والتقدم بعيداً عن طامعي الغرب الاستعماري وفي المقدمة ...امريكا..!
611 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع