اختيار الامثل أمام القومية الكوردية طريقاً لتحقيق ( حق التقرير المصير ) المعاصـــر

                                         

                            عبدالله عباس

اختيار الامثل أمام القومية الكوردية طريقاً لتحقيق ( حق التقرير المصير ) المعاصـــر

قلنا في موضوع تحليلي حول وضع القومية الكردية وبعنوان (رغبة الكرد في الانفصال بين الاختيار والإجبار) ما يلي نصاً ( أن قوى الاستكبار العالمي ، وبعد الحربين العالمية الأولى والثانية ، قامت بتجزئة الأرض والشعب الكوردي بين ثلاث قوميات ، وترك مصيرهم تحت تصرف تلك البلدان التي  تعاني من أزمة ، عبارة عن ابتلائهم بقيادات سلطوية وفوقية لهم ، وكل قومية حسب إرثها التاريخي تقودها قيادات ملئت أفكارهم بالتعصب  العرقي والديني والمذهبي ، والرغبة لعدم التنازل عن كل هذه العقد حتى لو سالت الدماء للركب ، كما يقول المثل ! ودون أن يكون لهم أي استعداد لفهم أو استيعاب أفكار العصر ، مثل حقوق الآخر ، أو تبادل السلطة سلمياً ، ....الخ ولذلك ترى أن كل المحاولات لمعالجة القضية الكوردية في أجزاء ثلاثة تبدأ من الفوق ، وبطريقة التراضي بين الفوقانيين في الطرفين ، وعندما تواجه مصالح أي طرف ماسك بتيسير أمور الرعية لا يمر وقت إلا وترجع العقدة إلى المربع الأول ، وهكذا... ) وأكدنا في نهاية الموضوع : ( أن قوى الغرب مرتاحة لهذا التقسيم ونتائجه وتعمل لتعميقها في كل المراحل والانعطافات التاريخية ولا يصدق أحد أن الغرب يعالج ما خربه هنا ، وذلك خدمة لضمان أمن الدولة العبرية  ) والذين قاموا بهذا التقسيم كانوا يعرفون هذه الحقيقة ، لا بل نفذوا هذه الخطة متعمدين وفي مقدمتهم الاستعمار الانكليزي (أخبث قوة استعمارية عرفها تأريخ البشرية – ولا يزال – منذ أواسط القرن التاسع عشر) وخبثه يكمن في ترك كل المناطق التي استعمرها مليئة بألغام الشر المستطير أخطرها في منطقة الشرق الاوسط : خدع العرب بعد الحرب بتوحيدهم حيث بدل ذلك عمل على الفرقة بينهم ، وصنع لهم جامعة لم تجمعهم على أبسط الأمور ، وكذلك تقسيم القومية الكوردية ، وتم بعد ذلك تأسيس الكيان الاستيطاني في قلب المنطقة وتقطيع باكستان عن الهند عندما شجع وبكل خباثة الاسلاميين بفك ارتباطهم مع الهنود وخلق بؤرة كشميرين ) ....ألخ .
وهذه المشاكل هي سلسلة من الالغام زرعها الخبث الانكليزي تعانى منها لحد الآن كل شعوب المنطقة الممتدة من جنوب الشرق آسيا إلى البحر الأبيض المتوسط وهي مناطق ينتمي أكثرية شعوبها إلى الإسلام ( وهنا نتوقف لحظة لنقول : على خطأ من يعتقد أن بريطانيا - الإنكليز - تراجعت عن طموحاتها الاستعمارية في العالم عموماً والشرق خصوصاً ، وإنما الذي  حصل أن ظهور وحشية الفكر الجهنمي لأمريكا التي بالأساس صنيعة الانكليز وحليفها أكثر إخلاصاً الآن ، خفف من كاهل إدارتها التعبانة بعد طردها في أكثر من مكان ، ثم إنها وبدل طورته المباشر في التآمر ضد حرية شعوب الشرق ، توجهت إلى أسلوب بث الفرقة وسموم شر النزاع المستديم في جسد الإرادات الوطنية الشرقية في المناطق التي طرد منها ولكن تعمل هذا بأسلوب ناعم وإدارة الشر البريطاني لا تزال تصرف الملايين لبعض القنوات الفضائية والتي مهمتها بث الفرقة بين الطوائف الإسلامية وكذلك تعمق أبسط الخلافات الطائفية لحد يكون الحقد الأسود من الصعب ردعه بين الناس في هذه المنطقة التي تعانى أساساً من مرض الجهل القاتل وليعلم الناس أن الانكليز ولحد الآن هم أكبر ممول لتعميق الصراع الطائفي بين المسلمين من خلال تمويل الفضائيات لبث سموم التفرقة ولحد الآن ، ومن يتذكر صورة تونى بلير كيف كان يركض كقزم ذليل وحاقد وراء بوش أثناء الهجوم لاحتلال العراق كان يقرأ في وجهه الحقد الدفين تجاه العراقيين كأنه يريد أن ينتقم لليوم الذي طرد العراقيين أجداده بالمكوار وقطع ضباط جيشه الوطني جذورهم على أرض العراق عام 1958 .
إن الاستعمار الانكليزي والغرب عموماً في الوقت الذي بنو أسس الديمقراطية على أساس علماني كل يعرف حقوقه وواجباته في بلدانهم ، خططوا وبنفس الحماس لنقل العلمانية مشوهة للمنطقة وتشجيع تجزيئها وبقايا الإقطاع والنفعيين بعضهم باسم الدين وآخرين باسم وجاهة القبلية وسلموا مصير حكم المنطقة إلى هؤلاء والذين سهلوا لهم طريق الدخول إلى المنطقة وهم من الذين أشرنا إليهم ( ملئت أفكارهم بالتعصب  العرقي والديني والمذهبي ، والرغبة لعدم التنازل عن كل هذه العقد حتى لو سالت دماء إلى الركب ) فكان مصير الكورد في الجزء الذي استولى على مقدراته الدولة التي أسسها ( مصطفى كمال ) تركيا الحالية حيث كان وضع الشعب الكوردي في ذلك الجزء تمثل ومنذ معركة جالديران عام 1514 والذي نادى إلى تقسيم كوردستان بين إيران والعثمانيين ، وقام العثمانيون بترك مهام إدارة الشؤون الداخلية الكوردية للإقطاعيين والزعماء القبليين المحليين  وعدم التدخل المباشر فيها ، ومن المعروف أن تلك السياسة أفرزت على مدى ثلاثة قرون حالة جداً معقدة في كوردستان . فهي من جانب نأت بالمجتمع الكوردي من مؤثرات العثمانية والتتريك خاصة أن كوردستان كانت أقرب المناطق جغرافياً إلى مواطن تركز وانتشار العنصر التركي في الدولة العثمانية . وحافظت بذلك على بقاء العنصر الكوردي سائداً في مواطنه التاريخية عند تخوم الباب العالي . ولكنها ساهمت من جانب آخر وإلى حد كبير في ترسيخ حالة التفتت والتشرذم القبلي وتقوية مراكز ونفوذ الزعماء المحليين الكورد ، تلك الظاهرة التي لازال المجتمع الكوردي يعاني من آثارها المدمرة إلى يومنا هذا لا على الصعيد الاجتماعي فقط ، بل وعلى الصعيد السياسي أيضاً .
وفي إيران عموماً ومنطقة الكوردستان الملحقة بدولة إيران أدت التطورات المتلاحقة التي رافقت الحرب العالمية الثانية إلى ولادة أحزاب قومية إيرانية أخرى انضوت بعضها تحت راية ما سميت بالجبهة الوطنية وكما هو معلوم فإن برامج هذه الأحزاب وخطابها السياسي كان خطاباً قومياً فارسياً ما كان متوقعاً منها أن تكون لها رؤية آنية أو مستقبلية تجاه حل المسألة القومية في إيران بل إن خطابها كان يدعو إلى صهر القوميات الإيرانية في بوتقة الثقافة الفارسية ( قومية واحدة لغة واحدة ) وعند تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران بقيادة القاضي محمد والاستفادة من وجود القوات الروسية والتعاون مع الأذريين الذين يدعمهم الروس بشكل واسع ، تم الإعلان عن تأسيس جمهورية (مهاباد ) دون الإعلان عن الانفصال من إيران كحال إعلان جمهورية الاذريين ضمن وحدة إيران ، ولكن حكومة الشاه تعاملت مع ذلك بالقسوة وهاجمت بالعنف على المناطق الكوردية وأسقطت التجربة التي لم تكتمل عاماً واحداً وقامت بإعدام قادة الحزب أمام أنظار الناس وفي نفس الساحة التي أعلن فيها قيام الجمهورية ، ومنذ ذلك الوقت ولحد الآن فالحكومات الإيرانية ( الشاه وبعده الثورة التي أدت إلى سقوط الشاه ) تتعامل مع كل انتفاضة أو مطالبة بأي حقوق مشروعة بنفس الأسلوب الذي أدى إلى سقوط تجربتهم الأولى في أواخر عام 1946 ، ولا توجد لحد الآن أي بادرة أمل باتجاه تحقيق الحقوق القومية للكورد هناك ، وأن القوى الكوردستانية الإيرانية ( الأحزاب والمنظمات ) مطاردة من قبل السلطة ويعيش أكثرية قيادات تلك الأحزاب خارج إيران ..!
أما في منطقة كوردستان العراق والتي تسمى في أدبيات الأحزاب القومية للكوردبـ( الكوردستان الجنوبي ) فوضعها السياسي والنضالي والثقافي من بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية تختلف عن الأجزاء الكوردستانية الأخرى مقسمة على تركيا وإيران وأخرى في سوريا ، بل إن الكورد هذه المنطقة هم أول من أسسوا التنظيم اليساري ( حزب شورش ) والذي سبق تأسيس الحزب الشيوعي العراقي وهذا التوجه اليساري مبكر عند كورد (العراق) جعل ولفترات طويلة أن يكونوا في المواقع القيادية ضمن تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي ، ومن كوردستان العراق أيضاً ظهر القادة السياسيين والثوريين من رحم النضال السياسي وليس عن طريق الانتماء القبلي والعائلي ، رغم أن أول محاولة من الكورد لتحقيق حقوقهم القومية قادها الخالد ( الشيخ محمود الحفيد ) .. وهو الرمز الديني في المقام الأول ، وفي رأيي المتواضع وقراءتي لبعض المراحل التاريخية التي مر بها وضع هذه المنطقة ، أن خصوصيتها تلك تعود إلى مرحلة حكم البابانيين حيث يبدو من خلال قراءة فترة حكمهم تكاد تكون الإمارة الوحيدة في تصرفات قادتها وأعمالهم يظهر طابع التوجه القومي ، وما كان التوجه لتأسيس مدينة السليمانية كعاصمة لهم إلا إحدى الإشارات لتوجههم القومي ، ثم يظهر أن كل المعارك التي شنتها الدولة العثمانية على هذه الإمارة كان أسبابها تعود إلى إظهار الطابع القومي على تصرفات أمراء بابان ، وفي مرحلة حكمهم ظهرت ملامح الأدب القومي الكوردي بعد ( أسطورة مم وزين ) للشاعر الكبير أحمد خاني من خلال المعلقتين الخالدتين ( الرسالتين المتبادلتين بين الشاعرين سالم ونالى ) .
على كل حال نعتقد أن هذه الظاهرة هي الخلفية التي أدت في مراحل بعد سقوط العثمانين وغدر الانكليز بحق الشيخ محمود الحفيد ، ليكون طابع الحركة القومية الكوردية في كوردستان الجنوبي ( العراق ) طابعاَ أكثر موضوعية في النظر إلى الأمور السياسية والموقف والموقع الكوردى في ما يحدث في العراق بعد تأسيس الحكم الوطني فيها ، حيث عندما نقرأ تأريخ ظهور التوجهات القومية من قبل الكورد في أجزاءها الثلاثة المقسمة على العراق وتركيا وإيران ، نرى أن هذه التوجهات وبعد الحرب العالمية الأولى والثانية :  سحقت في إيران وتركيا من قبل القوة القومية الفارسية في إيران الشاه ( جمورية مهاباد ) والقوة القومية العنصرية التركية بقيادة (مصطفى كمال ) عندما تراجع عن وعده للكورد بتحقيق أمنياتهم القومية بعد تأسيس الدولة تركيا حيث بدل ذلك قام بسحق قوتهم وإعدام قادتهم ( الشيخ سعيد والدكتور فؤاد ) والآخرين ، أما في الجزء الملحق بالعراق عند ظهور القوة القومية الكوردية مطالبة بحق تقرير المصير بقيادة الشيخ الحفيد وأعلن تأسيس الحكومة في السليمانية ، سحق هذا المشروع بالقوة الانكليزية وليس القوة العراقية ، وبذلك فتح باب إلحاق منطقتهم بالعراق ، لذلك رأينا ظاهرتين في حياة الحركة السياسية في العراق في تلك المرحلة :  الأولى تأييد بل المشاركة الكوردية في ثورة العشرين العراقية من خلال تدخل القوة الشخصية للشيخ الحفيد ، ثانياً عندما تم تأسيس الدولة العراقية في 1920 كان للكورد دور الشريك وليس الاشراك ! في تأسيس تلك الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية أيضاً وبشكل ممكن أن نعتبره متميز ، من هنا فإن وضع إقليم كوردستان العراق بعد تأسيس الدولة متميزاَ أيضاَ حيث سلم إدارة المدن الكوردستانية الكبيرة بما فيها كركوك لأهلها واعتبرت اللغة الكوردية اللغة الرسمية في الاقليم والدراسة في مرحلة الابتدائية باللغة الكوردية في المنطقة بما فيها كركوك ..! ويعود حصول هذه المكاسب في رأينا المتواضع لسببين : الأول أن حركة القومية الكوردية في تلك المرحلة لم تواجه بالتعصب من قبل سلطة تمثل عرب العراق ، والثاني يعود لحكمة الملك فيصل الأول في تعامله وبذكاء مع كل الأطياف العراقية .
ما تقدم ، عرض موجز لوضع الكورد على وطنهم المقسم ، وكما قلنا في تحليل آخر حول (سايكس بيكو) أن الخاسر الرئيسي نتيجة هذه المعاهدة المشئومة هو شعوب منطقة الشرق الأوسط والكورد والعرب على وجه الخصوص ، وأبدينا أسفنا من أن بعض الأقلام الكوردية يقرؤون الوضع الحالي قراءة عاطفية معتقدين ( وبالاعتماد على بعض التصريحات الغربية الفارغة فقط بقصد دغدغة العواطف أو بهدف إدامة شعارهم القديم : فرق تسُد ..!! ) إنه يؤدي إلى إلغاء نتائج تلك المعاهدة ، مع أن كل شواهد الأحداث تؤكد أنه حتى لو حصل ذلك فلا يكون لصالح الحلم القومي الكوردي المشروع ، بل المتوقع ، وكما يتمنى ( كل خبثاء الغرب عن طريق الشر الأمريكي والدهاء العدواني البريطاني وحقدهم الدفين تجاه تحرر شعوب الشرق ) نتيجته مزيد من التمزق بين أهل المنطقة وليس مستبعد أن يكون مصير الكورد مزيد من التشظي ....!!!  ولا وجود للضوء في نهاية النفق لا لمستقبل الكورد ولا للآخرين (عدا ضمان الأمان للكيان العبيري ) في هذه المنطقة إلا في حالة واحدة وهي توحيد إرادة الشعوب المنطقة باتجاه الوصول إلى مرحلة هم يقررون المصير وليس يملأ عليهم ، لأنه ومع الأسف الآن ، أن اللاعب الرئيسي في المنطقة ليس إرادة تلك الشعوب ، وليس حتى لأولياء الأمور هذه الشعوب .
لو للإرادة الوطنية وجود في المنطقة كما يتمناها أهلها عموماً والشعب الكوردي على وجه الخصوص في الاستقلال ، لواجهت ما يحصل في المنطقة بوحدة الإرادة ، ولكن ومع الأسف لحد الآن لا وجود لهذا الموقف ، فعلى سبيل المثال وليس حصراَ : أنه ورغم مأساة ما يحصل في سوريا ( وإدامته ضمن مخطط لتعميق التشظي الذي أسس لها سايكس بيكو ) كان أحد الفرص أمام حركة القومية الكوردية عموماً والكورد في سوريا على وجه الخصوص ليوحدوا الصفوف للاختيار الموحد باتجاه طموحهم المشروعة حرموا منها منذ قرون ، ولكن بدل ذلك توجهوا إلى تأسيس ثلاثة كانتونات وثلاثة مجالس وزراء في كل كانتون وزارة للخارجية دون أن تعترف بهم أي إرادة سياسية متنفذة في الشرق والغرب ...!! اللهم بعض الكلمات لدغدغة العواطف من قبل محللين غربيين الهوى لتمزيق شعوب الشرق الأوسط ...!!
والحل ؟ ومالعمل فيما يخص الطموح المشروع للقومية الكوردية والعرب والآخرين ومستقبل الدولتين لهم تأريخهم الماضي ( إيران وتركيا ) ؟ كما وضحنا في بداية هذا الموضوع أن القوى الغربية المنتصرة بعد الحرب لإسقاط الإمبراطورية العثمانية ، لم تقدّر نهائياً تطلعات شعوب المنطقة في التعامل مع نتائج الحرب ، بل تعاملوا بغرور المنتصر وبعد انتهاء الحرب تصرفوا بالعنجهية مع شعوب المنطقة بل حتى مع الذين سهّل لهم طريق الانتصار في الحرب من القادة وأهالي المنطقة أيضاً ، وركزت قوة الغرب على بناء أسس لهيمنة طويلة الأمد لذا لجأت إلى التقسيم وكان الهدف الأول منه ( فرق تسد ) وفتح الباب أمام تنفيذ أكبر تآمر على العالم الإسلامي من خلال تنفيذ وعد بلفور المشؤم ..!
ما يهمنا هنا هو الوضع الكوردي ، في قراءتنا لأحداث بعد الحرب العالمية الأولى والشروع بتقسيم تركة الإمبراطورية العثمانية ، لا نرى أي ضوء في تصرفات الغرب المنتصر في هذا الحرب جديرة بالتفاؤل فيما يخص المستقبل الكوردستاني ، حتى أن وثيقة ما يسمى بـ(معاهدة سيفر) التي تعتبر من قبل المؤرخين الكورد : ( وثيقة مهمة و فريدة في تاريخ القضية الكوردية ، حيث نصت على حل المشكلة الكوردية على مراحل ، وإذا اجتاز الكورد هذه المراحل ، وطالبوا بالاستقلال ، ورأت دول الحلفاء أهلية الكورد عندها يصبح الاستقلال أمراً واقعياً وعلى الحكومة التركية الاعتراف بذلك) .
إن مطالعة معمقة لهذه الوثيقة بعيداً عن العاطفة وبشكل موضوعي يتضح لنا أن هذا العهد مطاطي لا يعني شيئاً لعدم التأكيد على أي ضمانات قانونية لا دولية ولا إقليمية بل ترك الأمر للوضع العام (متوتر ومتأزم) في المنطقة لا وجود لقوة كوردية فاعلة  لها صلاحية مدعومة من أي جهة لمتابعة تنفيذ وبالتالي نفهم أن المسألة الأساسية متروكة لقرار الأقوياء قي المنطقة وعلى المستوى الدولي وهم في ذلك الوقت حلفاء الغرب والدولة التركية التي بنيت على أطلال الإمبراطورية العثمانية ، بالإضافة إلى ترك وضع الكوردستان الشرقي ( إيران ) للسلطة الإيرانية ..!!
وبما أن القوى الدولية كانت تتعامل مع تركيا الدولة ..!! فكان نتيجة جهود السلطة التركية أوصل الوضع إلى أن أصبحت المعاهدة حبراً على ورق ...!! وإذا دل هذا على شيء فإنما يدل على عدم جدية الغرب (الحلفاء) في ادعائهم بنصرة الحقوق القومية للشعب الكوردي في المنطقة وبعد ذلك لا نرى إشارات جدية لقضيتهم إلا من خلال التأكيد بأنه على حكومات المنطقة : العراق وسوريا وتركيا احترام حقوق الكورد ....!! بل إنه ومنذ ذلك التاريخ يعمل الغرب عملياً على إبقاء القضية الكوردية في المنطقة على حالها لتبقى إحدى الألغام موقوتة ، ليهدد بالعمل على تفجيرها عند الحاجة وعندما تنتهي الحاجة يعمل لإطفاء الحريق إذا اقترب امتدادها لمصالح ومبادئ الهيمنة الطويلة الأمد لهم ، هكذا فعلوا مع تجربة مهاباد وبعد 14 تموز 1958 وكذلك آذار 1974في العراق ولم يركز الغرب في تلك الحقبة على القضية الكوردية في تركيا بل اعتبرت الحزب الذي يقود ثورتهم ( منظمة إرهابية – ولا يزال كما اعتقد ...!!) أما بالنسبة لإيران فلا نرى أي اهتمام بقضيتهم هناك ....!!
                         ***
قبل أن أبدأ بكتابة هذا البحث المتواضع ، بحثت بشكل واسع عن مصدر يوثق التعاون النضالي بين القوى والأحزاب السياسية الوطنية في إيران وتركيا والأحزاب الوطنية والقومية الكوردية في البلدين ، أي وثيقة تؤكد أن القوى الوطنية في تلك البلدين تتبنى طموحات القومية المشروعة للكورد في إيران وتركيا وبنفس الحماس الذي يناضل من أجله القومية الكوردية وكما تقرها المواثيق الدولية لحرية الشعوب في البلدان المتعددة القوميات ، فلم أحصل على أي وثيقة ذات أهمية في هذا المجال سوى بعض إشارات عامة لبعض الأحزاب والتنظيمات اليسارية خصوصاً في إيران الذين لم يكن يوماً من الأيام لمواقفهم أي تأثير يذكر ، أما في العراق ، ومنذ تأسيس الدولة العراقية وظهور الأحزاب والتنظيمات السياسية ، ترى الاهتمام بتحقيق الطموحات القومية الكوردية من قبل الأحزاب الوطنية العراقية وشكلوا في أكثر من مرة وفي انعطافات النضال الوطني جبهة وطنية مع الأحزاب الكوردية ، لذلك نرى أن الشعار الذي رفعته الثورة الكوردية المسلحة أيلول عام 1961 كان شعار ( الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي للكوردستان ) مع أن تأريخ تلك المرحلة يؤكد تعارض بعض الجهات والتنظيمات القومية العربية مع تلك التوجهات الجبهوية الوطنية العراقية . بل إن هناك شواهد لوطنيين عراقيين من العرب استشهدوا بين صفوف الفصائل الكردستانية المقاتلة أثناء الثورة دفاعاً عن حقوق الكورد القومية  .
والآن وبعد ما سميت بـ( عملية تحرير العراق 2003 ) نرى ونسمع غرائب الأمور وعجائب القضايا بحيث هناك توجهات خطيرة جداً من بعض الجهات تعمل بجد (وخلف الستار ، بحيث من الصعوبة معرفة مصدرها أو مصادرها ) لتزوير كل صفحات التأريخ المشرق للعراقيين بحيث يراد من هذه التوجهات أن يظهر أنه لم يعذب الكورد أي جهة في المنطقة إلا العرب ، بل يظهر صورة أنه لا يمكن الوثوق بالعيش العربي الكوردي المشترك في العراق ، دون أي إشارة إلى وضع الكورد في الأجزاء الأخرى من وطنهم المقسم ...! كأنهم يعيشون في جنة النعيم ...!! ‘ والحملة تجري بشكل مكثف بطريقة لا تفسح مجال أمام الجيل الحالي من الكورد أن يذكر شيء في التأريخ سوى جرائم الأنفال وضرب الكيمياوي ، وأن لا طريق لعدم تكرار ذلك إلا الانفصال ..!! حتى ذلك الشعار الصارخ الذي رفع من أجل إدخال الكورد في الصراع الطائفي وسمي بـ( التحالف الستراتيجي الكوردي الشيعي !!) تراجعوا عن الترويج له . دون أن يذكروا حال الكورد في الأجزاء الأخرى ، كأن قضيتهم محلولة هناك وحسب مقاييس حقوق الشعوب ومواثيق الأمم المتحدة ....!! ودون أن يذكروا أن هذه حملة جزء من تخريب كل المنطقة وليس فقط العراق ، وأن هذه هي حلقة صغيرة ضمن سلسة طويلة ضد الاسلام ( الدين والفكر والرسالة والحضارة ) يروج لها الغرب ، ففي حين تعمل إدارات الغرب منذ سنين طويلة ومنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى من أجل أن يمحو كل أشكال الشعور بالفروق العنصرية والعرقية ضمن بلدانهم ويروجون للعولمة ومحو الخطوط والحدود ....!! بل نسيان تأريخ أصل القبليات في الغرب ، وعلى سبيل المثال (كان معظم السكان الذين يعيشون في فرنسا الآن هم من أصول الغاليين الرومان أو من الباسك أو من أيبريا وليغويريين في جنوب فرنسا امتزجوا مع الجرمان زمن الامبراطورية الرومانية والإسكندنافيين الذين استوطنوا نورمندي في القرن التاسع وكلمة "فرنسا" مشتقة من كلمة "فرانكيا" وتعني موطن الفرنك وهم قبائل جرمانية دحروا الرومان من بلاد الغال) وهكذا كان حال كل الشعوب في الدول الأوروبية ، ولكن كل توجهات إداراتهم الوطنية تسير باتجاه تكوين ( الأمة الفرنسية والأمة الألمانية ) بل إن الناس في أمريكا الذين كانوا ( لملوم ..!! ) من كل زوايا العالم صنعوا منها ( أمة أمريكية عظيمة .....!!!) ولكن هؤلاء الإدارات الغربية الخبيثة والشريرة مصرة على أن تعطى للعولمة في الشرق عموماً وفي الشرق الأوسط خصوصاً معنى غير المعنى في الغرب ، يجب هنا  ( وهم يعرفون أن مجتمعاتنا تعاني من الجهل ....مع الأسف ) أن لا يعنى العولمة إلا تأسيس كانتونات ، بحيث يكون لكل عائلة حكومة ولكل عشيرة مملكة ولكل مذهب رسالة ورسول خاص بهم ويعتبرون أن تحقيق هذه الخريطة هو من صلب حقوق الإنسان والمجتمعات المدنية وحتى الرسالات السماوية .....!! ولا حول ولا قوة إلا بالله ‘‘  لذلك عند الغرب لا تسقط دكتاتورية سوريا بانتفاضة الشعب السوري الموحد ( مثلاً....!!) إلا إذا تم تسليح داعش وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية والجيش الحر ، وللكورد ثلاث كانتونات والمطلوب أن هؤلاء كلهم يحاربون بعضهم البعض وكلهم ( وبطريقة مختلفة عن الآخر ) يحاربون  ذلك النظام ونتيجة ( سوريا في جنة الخراب ....!!!) والغرب يصرف ويسرق ونتنياهو يخطط وينفذ ...!!
ما يهمنا مستقبل الكورد ، أن هذا الشعب العريق الذي لولا لعبة الغرب وتعصب الإدارات الإقليمية في الشرق الأبيض المتوسط ، لكان له الحق في أن يكون أحد الدول الإقليمية المؤثرة والمشاركة في بناء الاستقرار والعيش الكريم بالتعاون مع شعوب المنطقة ( وتحقيق هذا الحلم ليس منه على الكورد بل حقه المشروع بمقاييس حق السماء والأرض) ولكن تآمر وأطماع الغرب وتعصب الحكام الترك والفرس والعرب ( نؤكد الحكام ) أدى  إلى استمرار التقسيم كما هو الآن .. وقمة المأساة في قراءة أسطورة الكورد المجزأ والعرب المقسم ، لا ترى وثيقة يعترف فيها الغرب بأنهم مسؤولون عن هذه المأساة ، بل مواثيقهم تؤكد مسؤولية الكورد أنفسهم عن الحال الذي هم فيه ....!! حيث كتبوا في تحليلاتهم : ( لابد من الاعتراف بأن الكورد بعد الحرب العالمية الأولى كانوا يفتقرون إلى مشروع سياسي يوحدهم وقيادة كاريزمية ومبادرة  بعيدة النظر تستطيع توحيد صفوفهم وتقودهم نحو تحقيق أهدافهم . وقد شخصت صانعة الملوك في الشرق الأوسط المس بيل في بداية العشرينات من القرن الماضي هذا القصور عند الكورد بقولها الكورد شعب يفتقر إلى قيادة ...) .
والآن ، نقوله ملخصاً لمستقبل شعب رأى الكثير الكثير من المآسي إلى أن حصل ما حصل عليه من الحقوق المشروعة في جزء من أراضيه ( إقليم كوردستان العراق ) حصلها بالدم والدموع ودعم الخيرين أيضاً في العراق ، نقول كمواطن منتمي لهذه الأرض والشعب وعلمتنا الدنيا قليلاَ من قدرة القراءة : ( أن على المتنفذين الكورد عدم الاعتماد على بعض التصريحات الغربية عموماً والأمريكيين على وجه التحديد من أمثال ( زلماي خليل زاد ) الذي لا يشعر بالانتماء لا إلى أرضه ولا إلى شعبه ولا إلى دينه بل كان عراباً للأمريكان لتحطيم بلده الفقير وشعبه الجوعان ، فكيف يكون نصيراً للشعب الكوردي وهو يعرف من ابتلاء هذا الشعب بشر التمزق والانقسام ، ومثل الذي يقول ( لا يستطيع أحد أن يحك رأسك بحنية إلا يدك ) هو مثل كوردي أصيل ) .
من هنا وفي هذه المرحلة والمنطقة غارقة في ضباب التآمر الرهيب ليس أخطرها تنظيم داعش ، بل والغرب يسير بهذا الاتجاه الشرير ، ومن هنا مع الأسف هناك تجاوب من الذين حولوا انتفاضات شعوب المنطقة إلى خريف الموت والدمار ، إن شظايا هذا الانفجار عندما يصل بشكل واسع إلى ربيع كوردستان شمالاً وجنوباً وشرقاً ، وإذا حصل هذا لا سمح الله ، لا يصدق أحد أنه في استراتيجية الغرب ( الأمريكي الشرير والبريطاني الخبيث ) هناك مخطط يضمن حق القومية الكوردية في تقرير مصيره بنفسه ، لأن كل إشارات الأحداث تؤكد الحقيقة التالية : إذا استمر الوضع على ماهو عليه فإن المنتظر بالنسبة للجميع ، وليس فقط الكورد مزيد من حالة التفتت و التشرذم القبليي والمذهبي وتقوية مراكز ونفوذ الزعماء القبليين والمحليين والطائفيين ، تلك الظاهرة التي لازالت مجتمعاتنا تعاني من آثارها المدمرة إلى يومنا هذا لا على الصعيد الاجتماعي فقط بل وعلى الصعيد السياسي أيضاً إلى وصوله ليكون خطراً على رسالة الرب السماوي في حياة شعوب هذه المنطقة .... ! إذ إن الاختيار الأمثل للكورد في الجزء الجنوبى ( العراق ) والكورد في الشرق ( إيران ) والشمال ( تركيا ) والغرب (سوريا ) هو دعم وحدة الصف بهدف تقوية الارادة الوطنية لهذه الدول على المستوى الإقليمي والدولي ، إنه أشرف لكل كوردي مؤمن بحرية شعبه التعاون مع بغداد وطهران وأنقرة ودمشق لمواجهة الأخطار المحدقة بمنطقتنا ، ( لسنا من دعاة – عقدة التآمر لنقول كلها من صناعة الغرب ، ولكن فينا ضعفاء أمام الحق بدل ما يدعون لوحدة إرادة شعوب المنطقة يدعون الغرب لإنقاذهم وهم يعرفون أن الغرب يهدف إلى هيمنة وليس الإنقاذ ..!!) إن وحدة شعوب هذه الدول وظهور العراق العربي الكوردى القوي وكذلك إيران وتركيا وسوريا يضع الجميع بمواجهة الغرب أن يحسب لنا ألف حساب قبل أن يفرض علينا اختيارات طال أمدها ولم نكسب من وراءها إلا الخراب ، إن وحدة الكورد في العراق وكذلك إيران وتركيا وسوريا على إقرار مصيرهم كفيل بأن يحترم كل من يحكم في تلك البلدان اختيارات الكوردستانية موحدة في المستقبل ، وهذا ممكن إذا هناك إرادة إن شاء الله تعالى .  







  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

611 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع