زينب حفني
أعلنت إحدى القنوات الفضائيّة العربية بأن تنظيم «داعش» الدموي، قد قام بحرق أكثر من ثمانية آلاف كتاب ومخطوط نادر، كانت موجودة بأكبر مكتبة بالموصل.
شعرتُ بقلبي يعتصر حزناً، على هذه الفعلة النكراء، وتخيلت هذا المشهد المؤلم، وكيف اقتحموا المكتبة بعنف ليقبضوا على الكتب، ويشعلوا فيها النيران حتّى أخذ دخانها يتصاعد من أكوامها،
لم تأخذهم «هذه الجماعة» رحمة بمئات من سنين التحضّر، وذبحوا ذاكرتها وسط ميدان عام وبدم بارد من دون أن يطرف لهم جفن!
عندما فقتُ من أثر الصدمة تعجّبتُ من ردّة فعلي! فإذا كان هؤلاء المتطرفون قد هانت عليهم دماء البشر، ويتلذذون يوميّاً بقطع الرؤوس وحرق الأجساد، فهل كانوا سيشفقون على أوراق عتيقة أصبح من دوّنوها تحت الثرى منذ أمد بعيد؟ وقارنتُ بين هذا الحدث المؤسف وبين الحدث المضيء الذي جرى بمدينة ملبورن الأستراليّة، حيث قامت جمعية تطوعيّة هناك بابتكار طريقة جديدة بعيداً عن جو المكتبات الاعتيادي لحث الناس على القراءة، بأن ألقت عشرة آلاف كتاب على الأرصفة وفوق المدرجات في معرض للقراءة تحت مسمّى (القراءة).غريب أن يحدث هذا الأمر في بلد وصل إلى مرحلة عالية من التحضّر الإنساني، لكن هذا يدل على اهتمام الجمعيات التطوعيّة والحكومة، بالأجيال القادمة وتحفيزها على النهل من كتب الفكر دون محاذير اجتماعيّة أو تبريرات دينيّة!
حقيقة تمنيتُ أن يحدث مثل هذا الأمر النبيل في أهدافه ببلداننا العربية، لكن على الفور طردتُ هذه الأمنية المستحيلة من ذهني، بعد أن تخيلتُ حال أرصفتنا المليئة بالمطبات والحفر والبلاعات المفتوحة التي يذهب ضحيتها عدد من الناس بين حين وآخر، وقارنتُ بينها وبين أرصفة البلدان الأوروبيّة التي يشعر المرء، وهو يسير بسيارته عليها كأنها أرصفة من حرير لدقة ترميمها من وقت لآخر.
إضافة إلى أنني تخيلت رجال الدين المتشددين، وهم يتسكعون حول هذه الكتب، وتنقيبهم داخل كل كتاب للإمساك بكلمة مارقة هنا، أو القبض على عبارة خارجة هناك، ليجدوها حجة دامغة للدهس عليها بالأقدام، وإعلان حرب شعواء عليها بحجة حماية الأجيال الصاعدة من الأفكار الصادمة التي تحتويها، والتي ستؤدي إلى تلوّث عقولها!
تقييد حرية الرأي وحجب كتب المعرفة عن الناس بحجة حماية عقولهم ليس حلاً سليماً! بل يجب أن يتعلم النشء الصاعد حب الكِتاب واحترامه ومناقشة محتواه على الملأ داخل البيت وفي المدرسة ومن خلال الأنشطة الثقافيّة العامة.
من المعروف أن معارض الكتب العربيّة قلَّ عدد المشترين فيها بسبب عوامل كثيرة! ويظل معرض الكتاب بالرياض، يُسيل لعاب كافة دور النشر العربية كونه أكبر سوق يُحقق إيرادات عالية لها! مع هذا ما زلتُ أرى بأن الخليجيين أقل الشعوب العربية قراءة، وينتهي مكان الكتب المشتراة إلى الارتماء في مخزن، أو الاستلقاء على رف مكتبة منزلية!
وتكملة لأهمية الكتاب وحروفه، فقد أفرحني دعوة حاكم الشارقة صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، بإنشاء مكتبة في كل بيت بالشارقة، وذلك من خلال توزيع خمسين كتاباً ثقافيّاً متنوعاً في كل مكتبة منزلية على أن يكون مناسباً لكل أسرة على حدة، مع وجوب توعية الأسر بأهمية القراءة لرفع المستوى المعرفي لدى الأجيال القادمة.
جميل أن يعشق الإنسان الكتاب، ويرتمي في أحضانه، مهما كان حجمه ولونه ورائحته ونوعه! وليس هناك أحلى من أن تغرق كافة المجتمعات في لجج الفكر حتّى الثمالة، فلولا عصارة الفكر التي قدمها لنا المثقفون على اختلاف توجهاتهم لما قامت لشعوب الأرض قائمة، ويكفي أن كلمة «اقرأ» التي أنزلها الوحي على رسولنا محمد كانت رسالة ذات مغزى لشعوبنا الإسلاميّة كافة.
829 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع