إبراهيم الزبيدي
لم يرزق الحظ العراقيين، من نصف قرن، تقريبا، بزعيم حقيقي، قلبا وقالبا، لا يمثل دور الزعيم تمثيلا، كمن يريدتي ثياب أسد وهو فار أو أرنب أو أدنى من ذلك بكثير.
بمعنى أوضح، زعيم بالفطرة، وطني، شجاع، نزيه، لا تنحاز روحه لطائفة دون طائفة، ولا لقومية دون أخرى،ولا لحزب دون حزب، ولا تقبل كرامته ورجولته أن يكون عميلا لدولة، ولا أجيرا لمخابرات، يبني ولا يهدم، يجمع ولا يفرق، يعدل ولا يظلم، ولا يقيس وطنية المواطن بجنسه أو لونه أو طائفته أو قوميته أو دينه. متنور، متحضر، لا يرهن روحه لعقائد من زمن السلاطين، ولا يحبس عقله في سجن خرافات وعادات وتقاليد وطقوس متخلفة لا مكان لها في مجتمعات القرن الواحد والعشرين.
فمن نصف قرن ويزيد و(الظروف القاهرة) وحدها تفرض على هذا الوطن المنحوس واحدا، إما بدبابة وطنية، أو بدبابة أجنبية، وتجعله القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس الرؤساء.
ولم تبتذل الزعامة وتهان كما ابتذلت وأهينت من أول أيام الاحتلال الأمريكي وإلى اليوم. فقد أصبحت (الظروف القاهرة) هي القاعدة التي تأتي برجل من آخر الصفوف، فتنصبه رئيس جمهورية، أو رئيس وزارة، ثم، وبعد أن يحرق الأخضر واليابس، يثبت لنا أنه لم يكن يصلح لقيادة عنزتين، ولا حتى للعمل كأجير في دكان عطارة.
تذكروا مجلس الحكم الذي اخترعه الأمريكان، ونصبوا فيه خمسة وعشرين رئيس جمهورية جاؤوا وذهبوا بصمت، ولفّهم النسيان، إلا أربعة منهم، عبد العزيز الحكيم وإبراهيم الجعفري وجلال الطالباني ومسعود البرزاني. فقد كانوا هم المجلس كله، وهم الحكم كله، وكان الباقون مجرد تمثيل شمعية لا تهش ولا تنش.
ومن 2003 وإلى اليوم لم يشهد العراق يوم راحة على يد أي واحد من زعماء (الظروف القاهرة). رئيس يجيء، ورئيس يروح، ويبقى الهم والغم والمفخخات والمليشيات والنائبات المنقبات.
نصبوا غازي الياور (رئيس تسوية)، من قلة المتوفر، فلم يستطع أن يكون أكثر من موظف أحيل على التقاعد، فرحل خفيف الظل، لا أحد يذكره ولا يعرف مكانه.
ثم عينوا أياد علاوي رئيس تسوية لأول وزارة بعد مجلس الحكم، فلم يضرب على يد حرامي واحد، ولم ينجز ربع ما وعد. وفي عهد وزارته قصيرة العمر دشن العراقيون فضائح الوزراء الشطار الذين ينهبون ويهربون، دون عقاب.
بعده جاء إبراهيم الجعفري رئيسا للوزراء، فأرسى دعائم جمهورية حزب الدعوة، وحين أثبت عجزه عن فهم وظيفة رئيس وزراء العراق تم طرده منها، ثم أزيح عن رئاسة الحزب، بعد ذلك، وها هو اليوم قانع وخانع لقيادة واحد كان عضو عاديا في حزبه لم يتوقع أبدا أنه سيقوده ذات يوم.
ثم خلفه نوري المالكي. بعد ثماني سنين من مصائب وحرائق وانهيارات وإفلاس أنزلتها قيادته غير الرشيدة على العراق والمنطقة أثبت لنا بالدليل القاطع أن عقله أصغر كثيرا من عقل رئيس، وأن روحه لم تكن ولن تكون روح زعيم. وما زال المهجرون العراقيون والرازحون تحت حكم داعش ومليشيات الحشد الشعبي، يدفعون أثمان جهالته وغبائه وطائفيته وانتهازيته وقلة وطنيته، من الآن وحتى عشرات مقبلة من السنين.
ثم تفتقت أذهان الأمريكان والإيرانيين، معا، عن فكرة أسموها (التغيير) أرادوا بها تهدئة خواطر العراقيين، وامتصاص ما يمكن امتصاصه من نقمتهم التي كانت على وشك الانفجار.
فتشوا في صفوف حزب الدعوة، ولم يفتشوا في سواه، عن (ياور جديد) يصلح لقيادة هذا التغيير فلم يجدوا أفضل من واحد متعلم وأنيق ويجيد الابتسام للجميع، فالتقطوه، ونصبوه، وهم يعلمون بأنه لن يتخطى حدود سلفه المخلوع إلا بالحد المسموح به والمقبول. فهو ممنوع من الزعامة، ولا يحق له سوى أن يدعيها، ويرتدي ثيابها إلى حين.
لا أحد منا يكره حيدر العبادي، ولا يتمنى أن يصلح ما أفسده المالكي، ويكون عند حسن ظن أهله فيه. ولكنه من أول يوم تنصيبه طير عشرات الوعود والعهود بأن يصلح ولا يخرب، وأن يداوي ولا يجرح، وأن وأن وأن وأن.... وما زلنا نتتظر تنفيذها كاملة، حتى لو كان بترخيص يأتيه من خارج الحدود.
لكنه، في قناعتي، أنا على الأقل، سقط في الامتحان. وقد تجلى سقوطه في زيارته الأخيرة لواشطن، في مسألتين، الأولى أنه ذهب ممثلا لإيران أكثر منه ممثلا لملايين العراقيين المنكوبين بهيمنة الإيرانيين ومليشياتهم الطائفية المسلحة. فقد بذل كل جهوده لإقناع الرئيس الأمريكي بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من نفدوذ الولي الفقيه المهدد بالانكسار في اليمن، وربما في سوريا ولبنان، ثم في العراق في نهاية المطاف، ومارس أقصى ما لديه من ضغوط لإجبار السعودية وحلفائها على التوقف عن تكسير أذرع الحوثيين، وأرجل جماعة علي صالح، فلم يستطع وعاد خالي الوفاض.
ليس هذا هو الذي كدر خواطرنا، نحن العراقيين، بل هو عدم احترامه لهيبة منصب زعيم العراق، بعد نوري السعيد وعبد الكريم قاسم وعبد الرحمن البزاز وعبد الرحمن عارف وسعدون حمادي وصدام حسين.
فقد كذب حين قال، بعد محادثاته في واشنطن، تعليقا على حرب اليمن " إن المسؤولين الأميركيين يشاركونه مخاوفه، ويرغبون في وقف هذا الصراع بأسرع ما يمكن".
ليسارع البيت الأبيض إلى تكذيبه، علنا وعلى رؤس الأشهاد، نافيا بقوة ووضوح أن يكون أوباما انتقد السعودية في محادثاته معه، مؤكدا ومجددا دعم الولايات المتحدة للحملة العسكرية التي تقوم بها السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ضد الحوثيين.
فأي زعيم هذا الذي يكذب، وأي قائد هذا الذي تشغله كرامة دولة أجنبية ونفوذها ومصالحها أكثر من مآسي أهله ومصائبهم والكوارث التي جاءهم بها حزبه العتيد؟
ماذا دهى رئيسنا المفدى حيدر العبادي؟ ألم يقرأ التاريخ؟، ألم يدرس الجغرافيا؟ وهل هو زعيم للعراق أم ساعي بريد لإيران بوظيفة رئيس وزراء؟ لقد أحرجتنا وأخجلتنا يا زعيم.
853 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع