عبدالله عباس
كلمات على ضفاف الحدث
تغير الحال ......!
عام 1964 دخلت لأول مرة بغداد العاصمة وعملت في دائرة الإذاعة (قسم اللغة الكردية) في إحدى الأيام وأنا داخل حافلة النقل العام (رقم 15) التي تتوجه من باب المعظم إلى منطقة الصالحية حيث موقع دائرة الإذاعة والتلفزيون , جلست بجانب شخص أكبر مني بسنوات عدة وبيده آلة حديدية ذات نهاية حادة يمزق بها جلد خلفية المقعد الذي أمامه وكأنه يمارس لعبة !! دفعني شعوري بغرابة ما يقوم به أن أبادره بسؤال :
ليش يا أخي مو حرام ؟!
فبادرني بجواب أغرب من تصرفه إذ قال : يمعود....دخلي يولي ...مال الحكومة قابل مال أبو واحد.....؟!
وبعد مرور فترة من وجودي في بغداد , رأيت الكثير من ظواهر الانتقام من (الحكومه!) بطريقة الأخ الجالس بجانبي في حافلة نقل الركاب ، وذلك في الحدائق العامة وعلى أرصفة الشوراع ومواقف الحافلات وجدران المؤسسات الرسمية .....الخ .
بعد كلام مع أصدقائي البغداديين عرفت أنها ظاهرة يمارسها (غير ناضجين) ممن يعتبرون أنفسهم غير راضين عن أداء الحكومة ويعتبرون أنها لا تمثلهم ، ويعبرون عن رد فعلهم السلبي بهذه الطريقة الغريبة !! ولا شك أن الحكومة في ذلك الزمن بل ومنذ سقوط الملكية في العراق وبعد السنة الأولى وخصوصاً بعد انقلاب 1963 لم تكن الحكومات المرغوبة لدى الشعب العراقي عموماً ، وكثير من الدلائل تؤشر أن الحكومات ما كانت مهتمة بهذه الطريقة التي كان يمارسها الشعب في معارضتها ! ولكن معارضة الحكومة شيء ، والتعبير عن المعارضة وبهذه الصيغة الغريبة الذي تعود بالضرر لأبناء الشعب شيء آخر ، ووجود هذه الظاهرة يسجل كنقطة سلبية على الأحزاب والتنظيمات المعارضة للحكومة ، وكنت أتساءل : هل ممكن أنهم يوجهون الجماهير للتعبير عن سخطهم تجاه الحكومة بهذه الطريقة ؟!
هنا لا أقصد من المثل الذي أطرحه بعد هذا الاستدراك إشارة إلى الفرق بين العراقيين لأني والحمد لله أتحدث وانطلق من طروحاتي في هذا الحديث لأني عراقي أولا .
عرفت معنى معارضة الحكومة , بعد أن بدأت تلك الحكومة في أيلول 1961 ورداً على مطالب الناس في إقليم كردستان بحقوقهم السياسية والثقافية المشروعة بهجوم مسلح واسع النطاق ، مع أن الصراع طال بحدود 30 عاماً ولكن لم نر المواطن البسيط ولا الجهات السياسية المعارضة قاموا بتعبير عن معارضتهم ضد الحكومة عن طريق الإضرار بمؤسسات الدولة عموماً والخدمية خصوصاً ....
مرت على هذه الذكريات سنوات طويلة وسقط آخر حكومة من الحكومات التي لم يكن الشعب راضياً عن أفعالها ! ودون دخول في كيفية سقوط آخر حكومة ، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على ذلك الحدث ، والكلام ليس منا وإنما من معلومات تنشر من مؤسسات تسمى (نزاهة) ومنظمات تسمى (الشفافية) تتابع تحركات الحكومة ، بالإضافة إلى كثير من المظاهر تشهد بأن الصورة الآن انعكست ، حيث الكثيرين ممن يمارسون العمل باسم الحكومة يحرقون جيوب الحكومة على اعتبار ( أنه مو مال واحد .....!! ) وترى وتقرأ في وجوه المنتمين للشعب حيرة وعدم مبالاة ممكن تدل على أن هؤلاء المكلفين في العمل ضمن الحكومة لا يجوز محاسبتهم لأنهم مختارين وليسو مجبرين ، ولم يأتوا عن طريق انقلابات ، بل عن طريق (التحرير) وليسوا من حزب واحد ، بل إنهم متعددوا الأطراف ، وإذا تغير الحال لابد من تغير الأحوال ....!! والله أعلم !
544 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع