في ذكرى رحيل حكيم العرب الشيخ زايد

                                                   

                          أ.د. أكرم عبدالرزاق المشهداني

                       

                                 
 تمر علينا اليوم التاسع عشر من شهر رمضان كما في كل عام ذكرى أليمة على شعب الإمارات، وعلى الامة العربية والاسلامية والانسانية جمعاء، ذكرى رحيل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر لعام 2004م ، مؤسس دولة الامارات العربية المتحدة وقائدها وباني نهضتها.

إلى اليوم وبعد أكثر من 11 سنة  مرت على ذكرى وفاته، مازال إذا ذكر اسم الشيخ زايد، انصرف الذهن إلى ذاك الرجل الذي خط الأرض بعصاته فعبَّدَ طريقاً، وشق قناة، وحفر بئراً، وعَمّر بنياناً، فلا يختلف على اسمه اثنان، ولا على صفة اسمه الزايد في العطاء والكرم والجود، حمَل همّ قومه وشعبه، فأوفى ووفى.

                      
 زايد «رحمه الله» كان نبراس علم وتعلم، علم البشرية الحب والإخاء، ومعنى التضحية والرجولة، أحب ربّه بصدق بحسن طاعته إليه وتقربه منه بتنفيذ أمره بحرصه على من ولاّه أمرهم، فتقرب لربه من هذا الباب، فأحبه الله، وأودع حبه قلب كل كبير وصغير، قاصٍ ودان.
نجح الشيخ زايد يرحمه الله في تجميع الامارات العربية في كيان واحد على اسس المحبة والاخاء واحترام الجميع، فبذل قصارى جهده وعمل سنوات دون كلل أو ملل لإقامة صيغة اتحادية تجمع إمارات الخليج تحت سقف واحد، إلى أن أثمرت جهوده عن الإعلان رسمياً في الثاني من ديسمبر 1971 عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، واستطاع في خلال سنوات قلائل أن ينهض بها إلى مصاف الدول المتقدمة في كل المجالات.
لم يكن زايد رجل تاريخ فقط، وإنما كان «رحمه الله» أباً رحيماً عطوفاً للجميع، أنار الأمارات بدين الإسلام وغرس في كيانها كل دعائم وأصول الإيمان والتقوى والشفقة والمحبة والصدق مع النفس، علم شعبه كيف يكونوا أوفياء ومنصفين للمظلوم وأن يبذلوا جهودهم في كل حين والاستجابة لحاجات الآخرين.
كان متواضعا يرحمه الله لا يهتم لمتاع الدنيا وزخرفها، لأنه اننا لا نأخذ إلا نصيبنا من متاع الدنيا ونعيش في تفاهم ووفاق عظيم مع الجميع، فأرشد شعبه بحق بأن أبشع ما في الوجود أن يخضع سلوك إنسان لإرادة إنسان آخر، لأن الناس جميعا يولدون أحراراً ومتساوين في كل شيء، فالإنسان العادل الخيّر هو الذي يعرف قدر الناس، وهو الذي يدخل إليهم أكبر قدر من السعادة ويخفف عنهم الآلام.
كما أنار الشيخ زايد وجدان شعب الإمارات للعمل بأمانة وصبورين دائماً نظرتهم إلى العالم أجمع مليئة بالمحبة، دون أن ينسى تلقين شعبه أصول علامات الطريق للحياة الإنسانية الصالحة وهي العدل، التعاون، الإيمان، والسعي وراء الكمال بالتحلي بالفضيلة والأخلاق الكريمة حتى يكونوا مؤمنين خلوقين في هذه الدنيا، ولم يبخل بنصيحته لهم بأن الحاكم لا يمكن أن يحمل الناس على الجد والإخلاص والصدق والمحبة والتحلي بالأخلاق الكريمة، إلا إذا كان يحمل نفسه عليها؛ لأن الحياة دائماً في توازن، فلا تسامح في قانون الأخلاق، ولو كان الآثم ملكاً أو سلطاناً أو أميراً، لذا فالحكام جميعاً يجب أن يعلموا أن السياسة هي الإصلاح حتى يكونوا من أهل الإيمان والتقوى والعدل والحكمة؛ لأنه لو كان أي منهم قد جعل صلاح نفسه أسوة حسنة لرعيته فلا يجترئ أحد على ارتكاب الجرائم أو الانحراف نحو الفساد والرذيلة.
ليس ذلك وحسب بل أدخل في ودجان شعبه أنه ليس من العدل أن نعيش ونترك غيرنا ليعيش لأننا جزء من هذه الوحدة البشرية، وكل إنسان في هذه الوحدة سواء كان داخل حدود الوطن أو خارجه هو أخ لنا مهما كانت لغته، أو مذهبه، أو لون بشرته، وهذه الأخوة تفتح قلوبنا لنشوة المحبة والسعادة وتجعلنا نحيا بطمأنينة وبإيمان صادق، وتجعلنا قادرين على كبح جماح الفساد وغير مستسلمين للملذات والشهوات التي قد تحط من قدرنا وكياننا كبشر مؤمنين بكل الرسل والأنبياء ومعتزين دائماً بإسلامنا.
لقد علم الشيخ زايد شعبه الكثير من القيم والعادات والمبادئ الدينية والمبادئ الأخلاقية التي غرسها في أنفسهم على مدار حياته حتى وافته المنية، وترك خلفه ارثاً لشعبه من اجل الصمود في الحياة بالسير على خطاه مدى الأزمان
زايد الإنسان، الذي أحب شعبه فبادله شعبه حباً بحب وعطاء بعطاء، زايد القائد المؤسس، الذي صنع تاريخاً وأسس دولة باتت نموذجاً ينظر إليه القاصي والداني بكل التقدير والاحترام، تجاوزت في مراحل التطور، التي تحدثت عنه النظريات العلمية للدرجة التي جعلت من علماء التنمية يعيدون النظر في تراتبية المراحل التي تمر بها الدول، هذه الدولة التي كان الشيخ زايد، رحمه الله، يريد ان يقيم دولة لها دستور ومؤسسات حاكمة منظمة تأخذ مكانها ومكانتها بين دول العالم، انها مدرسة زايد في القيادة التي أسسها وتعلم في رحابها القادة، قيادة لا ترى في التحديات غير فرصة جديدة للنجاح والاستمتاع بالتغلب عليها، قيادة تضع الهدف الذي تؤمن به، وترى نتائجه شاخصة أمامها في حين ينظر إليه الآخرون باعتبارها درباً من التمني والأحلام، نعم أحلام، وهل تصح قيادة من دون أن تملك الحلم، وهل ما يعيشه أبناء الإمارات من واقع بات أملاً للغير أن يعيشوا على أرضه، ألم يكن واقع اليوم هو حلم الأمس؟
وما يجعلك تتوقف كثيراً أن زايد الخير جعل من العطاء منهج قيادة، وأسس مدرسة من العطاء منذ البداية حين قال «إذا كـان الله، عز وجل، قد مَنَّ علينا بالثروة فإن أول ما نلتزم به لرضاء الله وشكره هو أن نوجه هذه الثروة لإصلاح البلاد، ونسوق الخير إلى شعبها»، ولم تقتصر أياديه الخيرة على أبناء شعبه، الذي نظر إليهم باعتبارهم أبناءه، فحسب بل امتد عطاؤه إلى النطاق الإقليمي لأمة العرب، وآثاره شاهدة وشاخصة في ربوع الخير لمدن تحمل اسمه، لتخلد قيادة أحبها أبناء أمتها العربية فخلدوا ذكراه في قلوبهم، فومضات الخير قائمة في مستشفى يعالج من تجمعت عليهم الآلام، وعز عليهم العلاج، أو مدرسة تعلم أبناء أمتنا، أو أراض شاسعة تحولت من صحراء قاسية إلى مساحات خضراء انعكس خيرها على قلوب من انتفعوا بها، أو مسجد يذكر فيه اسم الله، ويرتفع فيه نداء الله أكبر فيجيب الناس داعي الخير، كما امتد عطاؤه، رحمه الله، إلى العالم كله، فلا تجد من يحتاج إلى الغوث إلا وزايد الخير حاضر يلبى النداء تعبيراً عن وحدة الضمير الإنساني ووحدة المصير، «فكلكم لآدم وآدم من تراب».
تجربة العطاء الإنساني لزايد الخير أنه أسس دولة باتت في مقدمة دول العالم عطاء للبشرية من دون النظر لعرق أو دين أو لغة، وسار على الدرب من حملوا الراية من بعده، وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قائلاً: إن دولتنا، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ماضية على طريق الآباء المؤسسين، الذين رسموه لنا وسلكوه من أجل مد يد العون والمساعدة، والعمل على مكافحة الفقر والجوع، ومساعدة المعوزين حول العالم، دون النظر إلى جنسياتهم أو لونهم أو ديانتهم، فطوبي لمن أسس، وطوبى لمن حافظ، وطوبى لمن كان عوناً لأبناء أمته والإنسان أياً كانت هويته.
حرص الشيخ زايد على بناء علاقات محبة واحترام متبادل مع جميع دول العالم بلا نزاعات ولا حروب، فاكتسب ثقة ومحبة الجميع.
إن ذكرى رحيل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تذكر بمآثره التي خلدها التاريخ له في الأجيال، لإخلاصه لله تعالى في إنجازاته الكبيرة داخل الدولة وخارجها وحكمته ورحمته وإنسانيته التي امتد عطاؤها إلى مختلف بلدان العالم الإسلامي وغير الإسلامي، في بناء المدن والمساجد والمستشفيات والمدارس والجامعات ودور الأيتام وتنمية المجتمعات الفقيرة ومشاريع الأمومة والطفولة.
إن أصعب الكلمات هي تلك التي نخطها لذكرى حزينة على قلوبنا جميعا في دولة الإمارات العربية المتحدة، ذكرى وفاة الشيخ زايد الذي رحل عنا، وعطاؤه شاهد على كرمه وسخائه ليس فقط داخل الدولة فحسب، بل امتد عمله الإنساني الخير ليغطي أرجاء المعمورة.
لقد كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، رائداً في ما يسمى اليوم اصطلاحاً "التنمية المستدامة" فقد كان حريصاً على أن يكون العطاء مستمراً لتتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل، وهذا ما جعله في أعين الأجيال قدوة القادة الحكماء أهل الخير والعطاء. نهج الشيخ زايد لايزال حيا في شعبه يستلهمه ويترسم خطاه من رؤية ومسيرة خير خلف لخير سلف
ندعو المولى عز وجل أن يتغمد الشيخ زايد بفسيح جناته مع النبيين والشهداء والصالحين وأن يجازيه جنات الخلد على ما قدمه في حياته لأبنائه وشعبه وأشقائه وأصدقائه من العرب والمسلمين وغيرهم في العالم.

  

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

980 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع