إبراهيم الزبيدي
أوشك العراقيون المنتفضون أن ينتصروا، وأن يُخرجوا وطنهم وشعبهم من كوابيس الذل والخوف والفقر والفساد وقلة القيمة، وأن يعيدوا إلى الدولة العراقية المستباحة هيبتَها وكرامتَها من جديد.
وقد تفاءلنا كثيرا مع المتفائلين، ورحنا نمطر المتظاهرين بتبريكاتنا ونصائحنا ومواصفات الدولة المدنية التي نريدهم أن يقيموها على أنقاض دولة المحاصصة البذيئة التي أنتجت كل هذه المصائب والمثالب والمعايب والعجائب التي لا تنتهي. ولكن...
نسي المتظاهرون، ونسينا معهم، نحن الكتاب والمعلقين والمحللين، أن الحرب ليست مع بضعة وزراء فاسدين، أو حفنة زعماء أحزاب طائفية عنصرية موبوءة يمكن للعدالة أن تكنسهم بسهولة، لو كانوا محليين، ولو كانت هناك دولة يملك قضاؤها أو حكومتها إليهم سبيلا، كغيرهم من المواطنين الآخرين. ولكن غاب عنا جميعا أن الحرب الحقيقية هي مع الاحتلال الإيراني بكل جبروته وعنفوانه ودمويته الفائضة. وما الحكام الفاسدون، والأحزاب الفاسدة، سوى أدواته وأذرعه التي يرعاها ويذود عنها، ,ان دولتنا دولة بطيخ، لا دولة ولا هم يحزنون.
فليست دولة تلك التي تعجز حكومتها وقضاؤها وبرلمانها عن محاسبة (واحد) تكدست عليه تهم الفساد وإهدار المال العام واستغلال النفوذ والتطهير العرقي والطائفي وتسهيل احتلال داعش لثلث مدنها وقراها وتشريد أهلها، بل يصبح فيها الزعيمَ الأقوى من الدولة ومن القانون.
وبعصا قاسم سليماني وبركات الولي الفقيه يتطاول على الملايين المصرة على محاكمته قبل سواه، فيشتمها ويجاهر ويفاخر باستهانته بهتافاتها، ويسخر منها ومن المرجعية التي تدعمها، برغم أنها هي الطائفة التي بنى كل أمجاده باسمها، وبحجة الدفاع عن حقوقها، والثأر لمظلوميتها.
خذوا آخر تصريحاته التي تقطر غرورا وتعاليا وعدوانية وجهالة. فقد قال في كلمة ألقاها مؤخرا في مؤتمر عشائري لدعم الجيش والحشد الشعبي في كربلاء: "السلاح بيدنا، والارادة، وصندوق الانتخابات، ولا نتراجع أبداً لمثل هذه الشراذم". فهل رأيتم ديمقراطية أحلى وأكثر مهابة ومصداقية من صناديق انتخاب يحرسها ويفرز أصواتها سلاح نوري المالكي؟
لقد كان قويا، على امتداد ثماني سنين من رئاسته للوزارة، بالعصا الإيرانية وحدها، ولكنه اليوم يتقوى بعصا إيران وروسيا، ويحق له أن يتبختر ويتكبر ويتطاول لا على الحكومة وحدها، ولا على القضاء وحده، بل على شيعة العراق وسنته وكورده أجمعين.
فقد كشف نظام حزب الدعوة الحاكم، وهو أمينه العام، عن تعاون استخباراتي وأمني بينه وبين وموسكو وإيران بذريعة مواجهة التهديد الذي يمثله تنظيم داعش.
وانطلاقا من موقع قوته الجديد حدد المالكي أهم الخطوط الحمراء للتحالف الإيراني الروسي العراقي الجديد، بما يلي:
أولا: “هناك حركة خبيثة جديدة للقضاء على الحشد الشعبي، لكونه أصبح رمزا للقوة والوحدة والاستقرار”.
ثانيا: إن “المؤامرات اتجهت اليوم نحو التقسيم، مرة تحت غطاء الحرس الوطني، وأخرى تحت عنوان التهميش الذي يتكلم به ثلة قليلة من السياسيين”.
وهذا يعني أن الحشد الشعبي، وقد تحول إلى مليشيا مسلحة إيرانية خالصة بقيادة هادي العامري، متأهب، مع مليشيات بدر والعصائب وحزب الله العراقي وجميع شبيحة إيران في العراق، ليفعل بمن يعارض الاحتلال الإيراني وأدواته وأذرعه المحلية العديدة ما فعله شبيحة بشار الأسد في سوريا، وربما أكثر بكثير.
ويعني أيضا أنْ لا مكان لأبناء المحافظات السنية المحتلة من قبل داعش في حملات تحرير مدنهم وقراهم، وإعادة مهجَّريهم وإنصافهم، خصوصا وأن أمريكا والسعودية وراء تسليحهم وتدريبهم، خارج الحضن الإيرني، بل ضد وجوده نفسه.
ودفاع نوري المالكي عن وحدة العراق، ومعارضتُه الشديدة للتقسيم، حرص منه بلا حدود على أن يكون الاحتلال الإيراني لعراق غير منقوص، خصوصا بمحافظاته السنية التي قد بيصبح تسليحُها ساترا ترابيا أو جدارا (كونكريتيا مسلحا) يكسر وحدة الاحتلال الإيراني الروسي للعراق وسوريا ولبنان، ويعيق حركة جيوشه المتدفقة.
ولكن سؤالنا الصعب ليس لنوري المالكي عن وقاحته وسروره بالاحتلال الإيراني الروسي الجديد، بل للسيد مقتدى الصدر الذي دوخنا بإلحاحه على (الجهاد) ومقاتلة الاحتلال الأمريكي الكافر. أليس الاحتلال الروسي احتلالا؟ وألي كافرا؟ خصوصا بعد إعلان رئيس لجنة الامن والدفاع النيابية حاكم الزاملي مباركة التيار الصدري للتحالف الايراني العراقي السوري الجديد بقيادة روسيا، مبررا ذلك بأنه "سيُجهض المخطط الامريكي لتقسيم العراق". و"سيساعد العراق في القضاء على داعش الاجرامي خلال فترة قصيرة جدا، بعد ان فشل التحالف الامريكي في ذلك”.
فهل منكم أيها القرار الكرام من يستطيع أن يجد عنوانا يختصر الوضع العراقي الذي التحم فيه الأخضر باليابس، والأبيض بالأسود، والطيب بالخبيث، والديمقراطي بالديكتاتوري، والعدل بالظلم، والقوة بالضعف، والعقلانية باللاعقلانية، والغنى بالفقر، مهما بلغ من براعة ومن حصافة ونبوغ؟.
3371 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع