إبراهيم الزبيدي
هل من يستطيع أن يفسر لنا موقف بعض العراقيين وبعض العرب المستَنفرين المتسارعين إلى الترحيب، صراحة أو تعمية، بمحتلٍ دون محتل، والمستعجلين هذا الشيطانَ دون ذاك أن يغزو بلادهم، أو بلاد أشقائهم، فيدك بطائراته وصواريخه ما تبقى من منازلَ لم تهدمها على رؤؤس أهلها البراميلُ المتفجرة بعدُ، والمروجين لأكاذيبه التي لم يُبدلها الغزاة المحتلون من زمن الأسكندر المقدوني وجنكيز خان وحفيده هلاكو، والتي زعموا فيها، ويزعمون، بأنهم لا يغزون بلادا إلا ليَعمُروها بعد خراب، وليملأوها قسطا وعدلا بعد ما مُلئت جورا وفسادا ونذالة.
وكما هو داعش اليوم (قميصُ عثمان) الأمريكان والروس وبشار الأسد وقاسم سليماني وحسن نصر الله وأردعان، فقد كان لكل الشياطين المحتلين السابقين دواعشُ أيضا مفبركة ومصنعة وملفقة يتخذونها ذريعة لخداع المغفلين، ولتجييش المهللين والمصفقين والمزغردين، ولستر حقائق غزوهم وأهدافه اللئيمة التي كشفتها الأزمنة المتعاقبة.
وهنا أدخل في صلب موضوع هذه المقالة. أليس الأغرب من الغرابة أن تكون في طليعة المُبخِرين (نسبة للبخور)، والمباركين والمشجعين والمبررين لغزو الدب الروسي لسوريا مصرُ الكنانة، وهي التي تكاد تكون الأكثر من كل بلاد الدنيا بُغضا لأي غزو، والأشد رفضا ومعارضة لأي ظلم، بعد مرارة العدوان الثلاثي عليها عام 1956، وحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، وحربها مع الخلاليا الإرهابية المتأسلمة المرسلة أو المدعومة من الغزاة الخارجيين العرب والأجانب ؟؟
وكان متوقعا ومنتظرا من (أم الدنيا) أن ترد الجميل لأمتها العربية التي وقفت معها، في الأمس القريب، وما زالت تقف معها إلى اليوم، وقفة عز وشهامة لقهر الظلم ورد العدوان ووأد الفتنة، فتقف بشجاعة وإباء ووضوح مع شقيقها الشعب السوري وهو يتعرض لأبشع أنواع القهر والهمجية والعدوان، لا من شبيحة الداخل وحدهم، بل من غزاة كثيرين استدعاهم جلاد الشام وقاتلُ أطفالها لكي يكملوا قتل من لم يستطع هو قتله، ويحرقوا ما لم يُكمل هو حرقه من منازل السورييين الصابرين المصابرين على البلاء.
يخرج علينا السيد سامح شكري وزير خارجية القائد السيسي الذي أحببناه وتوسمنا فيه نصرة المظلومين، شارحا ومبررا موقف حكومته المثير للدهشة والاستغراب من الغزو الروسي لسوريا فيقول، إنه سيؤدي إلى "توجيه ضربة قاصمة لتنظيم داعش في سوريا والعراق، والقضاء على الإرهاب".
نتفاءل معه ونأمل الخير من غزو بوتين الجديد لو كان أظهر، من أول أيام الثورة السورية، قبل أربع سنوات وإلى اليوم، ولو نزرا يسيرا من الموضوعية والحياد والضمير والرحمة بالشعب السوري لأمكن أن نتفهم الموقف المصري المتساهل مع بقاء الديكتاتور بشار الأسد، ومع الغزو الروسي.
ولكن هل صحيح أن مصر، بجلالة قدرها، لم تتأكد بعد من أن بوتين لم يأت ليقهر داعش ويخلص الناس من شره وفجوره، ثم يخرج ليترك الشعب السوري يختار حكامه بحرية، وهو الذي كان وما زال، ومن أربع سنوات، مُنكرا لوجود شعبٍ سوري لايريد سوى حريته وكرامته والعدالة، ومقررا أن كل من يعارض الديكتاتور السوري إرهابي يجب قتله وحرقه وهو حي. وكا وما زال يعين عليه إيران وحزب الله ومليشيات نوري المالكي؟.
وكيف غاب عن مصر أن بشار هو صانع داعش، وهادم سوريا، وحارقها، وحارق المنطقة بأسرها، وأن بقاءه بقاءٌ لداعش ولغيره من عصابات؟ وداعش وبشار بلوى واحدة، لايذهب هذا إلا بذهاب ذاك، ولا يبقى هذا إلا ويبقى ذاك.
وإذا كانت كل جرائم بشار الأسد مما يُمكن لمصر نسيانُه والتسامح معه فيه، ألا تكفي خيانته العظمى المتمثلة بدعوته دولا أجنبية إلى غزو وطنه واحتلاله، لتجعل مصر، بشكل خاص وقبل غيرها، ترفض بقاءه، وتعارض حماية نظامه المتهاوي، وهي التي تحاكم رئيسها السابق محمد مرسي على (مجرد) تخابر مع دولة أجنبية، هي قطر وليست روسيا ولا أمريكا؟.
957 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع