خالد حسن الخطيب
لبيك اللهم لبيك .. بهذه الكلمات تشرفنا بزيارة بيت الله الحرام لأداء العمرة حيث قمت بالحجز على احدى شركات الحج والعمرة المنتشرة في بغداد عن طريق مطار بغداد الدولي وكانت رحلتنا تحتوي على 287 معتمرا غالبيتهم من النساء و جميعهم سمو بالأخلاق وعلو بالمكارم .
وكانت رحلتنا عشرة ايام بدأت يوم 2/3/2016 حيث قضينا الايام الخمسة الاولى في مدينة رسول الله صلى علية وسلم ثم اتجهنا الى مكة معتمرين . وهذه الزيارة هي الاولى لي وعند وصولنا الى مكة بعد احرامنا من ميقات ذي الحليفة ( ابيار علي ) ولبسنا ملابس الاحرام قام المرشدون الذين ارسلتهم الشركة معنا بتعليمنا مناسك العمرة وطريقة اداءها . وما هي إلا دقائق حتى وقع بصرنا علي بيت الله الحرام فبدأت الدموع تنهمر والقلوب تخشع والألسن تلهج بذكر الله خالق الاكوان .. لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. وإثناء طوافنا حول الكعبة بيت الله العتيق حيث كان بجانبي الاخ حسين عبد الله ابو علاء رأيت ما لا تصدقه عينأي ولا يتحمله عقلي ولا يقوى علية بشر , فقد كان موقفا لا مثيل له وذكرى لا تمحوها النوازل ومشهدا من مشاهد افلام الخيال العلمي , كانت هناك خشبة بمقاس ( 80 ب 80 سانتمترا ) مرتفعة على الارض بسبعة سنتمترات تتدحرج على اطارات صغيرة وعليها شخص قد فقد اطرافه الاربعة لكن لم يفقد عزمه وإصراره وإرادته . فقد كان قلبه يلهج بذكر الله .. لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. حتى توقفت عن اداء الطواف مشاهدا ما يجري ومحدقا بما ارى .. رجل يودي العمرة فاقدا جميع اطرافه يدفع الارض بما تبقى له من يدين قصيرتين وينادي بأعلى صوته لبيك اللهم لبيك .. فقلت الى صديقي ابو علاء .. انظر الى هذا الانسان الذي يتصدع وينهار جدار الكعبة لقوة عزمه ويتشتت الحجر الاسود من قوة بأسه وتزول من الجبال ..فما كان من صديقي إلا وكأنه قد نزلت به صاعقة النوازل وحل به سخط الكون من ذهول ما يشاهد .. يا رب .. هل بعد ذلك ان اقول لا استطيع ويقول الاخرون لا نقدر .. لو كان الحجر الاسود ينطق لنطق بعبارات الحفاوة والتكريم لهذا الانسان المجاهد الصبور .. ولو استطاعت الكعبة ان تلف هذا المقاوم البطل لقامت وألبسته لباسها المطرز بالذهب .. رجل عبارة عن كرة لحمية تتدحرج بشق الانفس لا يغشى ان يداس بالإقدام بسبب تدافع الناس لشدة الزحام .. رجل لا يخاف الموت ان يحصل له مكره .. رجل لا يعرف معنى التعب والإرهاق بأداء الطواف والسعي بين الصفا و المروة لأنه يحتاج الى جهد جهيد وعزم ألمغاوير .. رجل لا يعرف المستحيل ولا يعرف هذا لا يكون .. انتابني شعور عميق ان لا مستحيل في الكون .. وانتابني تفكير كثير ..
حتى جاء في بالي ابيات الشاعر العربي الكبير حافظ ابراهيم حيث قال :
.. فتجشموا للمجد كلّ عظيمة
إني رأيتُ المجد صعبَ المرتقى
من رام وصل الشمس حاك خيوطها
سبباً إلى آماله وتعلقا
فتعَلمّوا فالعِلم مفتاح العُلا
لم يُبْقِ باباً للسعادة مُغلقا
وفي هذه اللحظات العصيبة التي مرت بي وانأ اشاهد ذلك الكبير بهمته وعزيمته .. الصغير بجسده وإطرافه حتى وقع بصري على شريط يتدلى من على رقبته وقد حمل هذا الشريط البطاقة التعريفية للمعتمر وعلية اسمه واسم الشركة ومعلومات اخرى فكانت صدمتي وذهولي شديدين حيث شاهدت علم العراق على بطاقته التعريفية فعرفت ان هذا المجاهد من بلاد الرافدين وأيقنت ان هذا الرجل الحديدي من بلاد العجائب والغرائب , فما زالت عيني لا تصدق و عقلي لا يقوى على تفسير المنطق . وما هي إلا ثواني حتى اختفى هذا الرجل الذي جاء بهمة لا تلين وبعزم لا ينكسر . فحولت نظري الى زميلي ابو علاء فشاهدته مذهول من ما رأى وجسده قد تثبت بالأرض من هول المنظر . فقلت في نفسي نعم نعم .. هؤلاء هم رجال العراق لا يثنيهم مهما حصل ولا يوقفهم مهما صار
واستذكرت قول سيدنا عمر بن الخطاب (رض)
العراق جمجمة العرب وكنز الرجال ورمح الله في الارض فاطمئنوا فان رمح الله لا ينكسر,
وأيقنت ان شعب العراق لن ينكسر ما دام فيه هذا الشعب الجبار .
2475 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع