طارق رؤوف محمود
بغداد عاصمة الدولة العباسية منذ القرن الثاني للهجرة والتي أنشئها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور وقد نشأت بطابع أممي جعلها مفتوحة أمام أمم الشرق المتعددة والمتباينة في أحوالها الاجتماعية والدينية والثقافية.
بغداد كانت عبارة عن مجمع ووعاء لاختلاط أصول جغرافي وقد ساعد ذلك على الحياة الاجتماعية.
لقد طمحت الشعوب المختلفة إلى زيارة بغداد وسكناها والتبادل الثقافي والاجتماعي باعتبارها المركز الديني والثقافي للعالم الإسلامي {مركز الخلافة} وعاصمة لاقتصاد المجتمع الإسلامي في ذلك العصر حيث ازدهرت فيها الثقافات المختلفة و كتب الأدباء والشعراء والموسوعيين عنها الكثير حتى غدت، {قصة ألف ليله وليله} على كل لسان في العالم وازدهرت بغداد في كل شئ حتى وصفت {بعاصمة الدنيا }
كانت شعاع نور ينبعث إلى العالم ينير الطريق للإنسانية ويغدق عليها بالعلم والمعرفة وهي تسمو بمراقد الأئمة الأطهار وعلماء الإسلام
(ويفيض حب الجواهري فيها فيقول :
على بغداد ما بقيت سلاما – يضوع كما ذكا للورد نشر .
سكرت ما سقيت بغير ماء -- دجلة ماؤها عسل وخمر .
كريمة سادة عرقن فيها -- عروق من بني عدنان نضر)
كانت بغداد شوكه في عيون أعدائها وبعد أن فقدت زمام المجد والشموخ وتبعثرت مصادر القوة انفتحت شهية الغزاة لاغتصابها وتدميرها . فتكالبت عليها في الماضي وتعددت :-
ففي عام { 1258 }م استطاع هولاكو حفيد جنكيز خان من غزو بغداد واكتساحها ومن ثم تدميرها تدميرا شاملا طمس كل نفائس العلم والمعرفة وحرق كل ما ينسب لحضارتها . وقتل اكثر من مليون وثمانمائة إلف شخص خلال أربعين يوما .
وبعد خمسة وثلاثين عاما عاد حفيد هولاكو تيمور لنك إلى بغداد وقتل عشرات ألاف ونهب أموالها وكنوزها.
بعد عام واحد من احتلال تيمور لنك ضرب السلطان احمد حصارا حول المدينة ودخلها وارتكب المجازر فيها .. ثم عاد تيمور لنك إلى بغداد فحاصرها أربعين يوما وضربها بالمنجنيق ودخلها وقتل ألاف من سكانها , أعاد العراقيون بناء مدينتهم .. ولكن بعد سبعة عشرة سنة سقطت بغداد بعد إن حاصرتها جيوش ( قره يوسف) وقادها ابنه ( محمد شاه ) وقتل ألاف من أبنائها وأسس فيها ( دولة الخروف الأسود) واحتل بغداد أيضا ( احمد ابن قره يوسف ) وحكمها ثلاث وعشرين عاما .. ثم حاصر بغداد ( جيهان شاه ) ودخلها وعين ابنه ( بير بوداق ) واليا عليها ثم تمرد الابن على أباه وجاء أباه وأسقطه وقطع رأسه ومن معه .
ثم جاءت ( دولة الخروف الأبيض ) التركمانية بزعامة ( مقصود بن حسن الطويل ) في ظل النكبة كان الناس لا يحفلون بغير اللازم للمأوى والسلامة وذلك في عهد الدولتان من التركمان دولة الخروف الأبيض ودولة الخروف الأسود وكان للاثنين في التاريخ اثأر د مويه .
ثم جاء سنة { 1508 } ألصفوي الكبير إسماعيل فقضى على دولة الخروف الأبيض التي كانت قد ابتلعت دولة الخروف الأسود وعمل في بغداد السيف والنار وذبح أبناء بغداد والعلماء وهدم قبور المسلمين وعين خادمه خليفة على بغداد بعد إن دمر الكثير من حضارتها ورونقها وأعاد لفارس عهدها في العراق استمر سبعا وعشرون سنه .
ثم جاء الترك العثمانيون سنة { 1534 } في عهد السلطان ( سليمان ) اخرجوا بقايا الصفويين من العراق وأمر بإعادة بناء الأماكن المهدمة وعمل السيف أيضا ، وعانت بغداد والمدن الأخرى من ويلات الحروب والدمار .. وتوالت عليها الغزوات و تعددت النكبات التي تسببت بانتشار الامراض وفتك وباء الطاعون بأهلها كان الوباء يذهب بأكثر من عشرة ألاف شخص في كل أسبوع ثم حل طغيان دجلة الذي طغى على المدينة فأصبح القسم الأكبر منها تحت المياه وذهب الكثير من الضحايا بسبب الفيضان .
ومرت السنون وبعد إعادة بناء المدينة دمرت أكثر من مرة جراء الحروب وطمع الآخرين ثم انتهى العهد العثماني .
وحل الاستعمار الانكليزي حيث بقيت بغداد ومدن العراق بأقسى ظروف التخلف والحرمان والفقر والجهل.. إلى أن طردتهم ثورة 14 / تموز / 1958 من قبل الجيش العراقي بزعامة المرحوم عبد الكريم قاسم .
وأخيرا احتلت بغداد من قبل جيوش أمريكا وحلفائها الغربيين بتوجيه الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الذي استهدف بحقده تدمير العراق بتعمد واستخدمت آلة الحرب الحديثة بقسوة ورعونة وسيدوا عليها شخص جاهل يدعى برايمر الذي زرع الطائفية واتى بأشباه الرجال الذين عملوا على تحطيم البلد وشعبه ومزقوا النسيج العراقي وهم الان ينخرون جسد بغداد.
هكذا مرت بغداد بهذه الماسي والغزوات والحروب لا لذنب ارتكبته إنما تكالب عليها الغرباء على مر الزمن واخرهم الحيتان وسراق المال العام لأنها قارورة عسل وزهرة تنبض بالحياة، ورغم الصعاب ستبق شوكة في أعين الأعداء مهما فعلوا.
يجب ان نستلهم من الماضي والحاضر ومآسيه العبر حتى نستطيع أن نعيد لعاصمة الدنيا شعاع نورها بقوة وإرادة شعبنا كما فعل اسلافهم بإصلاح ما خربه الأعداء في كل غزوة.
لن يستطع الأعداء ولا الجيران ان يمحو حضارة وتاريخ بغداد وعليهم ان يعو ما حل بأسلافهم؟ وبقيت بغداد في دم كل عراقي سوف يأتي اليوم الذي نحتفل ببغداد بالفرحة والزهو ونفرش أرضها بالزهور والرياحين.
4698 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع