صالح الطائي
في حقبة مضطربة من عمر الهند الحديثة عانى الاقتصاد مشاكل كبيرة أدت إلى قيام التجار وأصحاب رؤوس الأموال بسحب ودائعهم من البنوك، وشراء العملات الكبيرة من الأسواق والاحتفاظ بها في بيوتهم، لدرجة أن البنوك بدأت تعاني نقصا في السيولة النقدية ولاسيما في العملات الكبيرة والمتوسطة، هدد أعمالها بالتوقف وهدد وضعها بالانهيار،
ولم تكن الحكومة الهندية تملك سلطة إجبار الناس على الإيداع في البنوك، ولكن الخبراء اتفقوا على خطة تمكنهم من استعادة جميع الأموال المسحوبة مع تحقيق مكاسب مالية ليست في البال، تسهم في تنمية الاقتصاد، وتحل الأزمة، وبالتعاون بين السلطات المالية والسلطات القانونية، أصدرت الحكومة قرارا يطالب التجار بإيداع أموالهم في البنوك مع تهديد بفرض غرامة مالية على المخالفين، تتصاعد مع كبر حجم المبلغ المودع.
لقد ضحك التجار والسياسيون في حينها ملء أشداقهم لأنهم كانوا على يقين أنهم لا يحتاجون إلى إيداع أموالهم في البنوك، وأن السلطات لا يمكن أن تصل إلى أماكن أموالهم لمحاسبتهم، ولذا عدو هذا القرار مجرد طرفة سمجة أو مجرد حبر على ورق، ولكنه على كل حال أصبح حكما لازما.
بعد مدة يسيرة أعلنت الهند أنها قامت بإبدال الأوراق النقدية الكبيرة والمتوسطة من عملتها بطبعة جديدة، تحمل مواصفات خاصة، تحميها من التزييف، وأن الأوراق القديمة تعتبر باطلة ويمنع تداولها بعد ثلاثة أشهر من التاريخ الذي حددته، أما استبدال المبالغ فيتم عن طريق إيداعها في البنوك أولا.
هنا أسقط في أيدي التجار وأصحاب الرأسمال، وأدركوا أنهم إذا لم يقوموا بإيداع أموالهم في المصارف فإنهم سيخسرونها كلها، فهرعوا إلى البنوك، وهناك اصطدموا بالقرار الذي سخروا منه ابتداء، فاضطروا إلى دفع مبالغ غرامة كبيرة إلى البنوك بسبب مخالفتهم وعدم إيداع الأموال في البنوك.
لقد حققت الحكومة الهندية بهذه الخطوة الذكية مكسبين كبيرين:
الأول: تمثل بحصولها على مبالغ طائلة من الغرامات المفروضة.
والثاني: تمثل بعودة ملايين الروبيات إلى البنوك مما ساعدها في استعادة عافيتها. وبالتالي نجحت الهند في تجاوز تلك الأزمة!
تذكرت هذه الحادثة بعد أن سمعت في الأخبار أن الحكومة الكويتية أصدرت مؤخرا قانونا يُحْرَمُ بموجبه كل مواطن يتطاول على (الذات الإلهية) أو (الذات النبوية) أو (الذات الأميرية) من المشاركة في الانتخابات! وهو قانون يبدو في ظاهره مشابها لذلك القرار الهندي الذي سخر منه التجار، لسبب بسيط وهو أن المعارضة لا تشارك في الانتخابات من أصله. ولكنه يبدو في الخفاء مخطط استباقي ذكي هدفه التخلص من تأثير المعارضة المتنامي عن طريق حرمان أعدادا من الشعب الكويتي من المشاركة في انتخابات مستقبلية قد يرشح لها أحد أقطاب المعارضة، وبالتالي لا يتمكن المعارضون من الحصول على الأصوات الكافية التي تحقق لهم الفوز.
1176 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع