إبراهيم الزبيدي
قبل أن ننشغل بحكاية تقسيم العراق،سواء بأقاليم أو بغيرها، وندخل في جدل عقيم حول حدود كل إقليم،وطبيعة سكانه الديمغرافية القومية والطائفية والدينية، علينا أن نُشخص الواقع الذي أدلف العراق إليه في ظل المليشيات التي يتبجح زعيمها هادي العامري بأنها أصبحت أقوى من الجيش العراقي والشرطة العراقية، لندرك أن القوة الوحيدة الحقيقية في العراق، وربما في المنطقة، هي قوة إيران، وأن كلمتها نافذة على الجميع، حتى على أمريكا ذاتها. وإيران، قالتها، بالقلم العريض، بلسانها أو بألسنة وكلائها العراقيين، إن وحدة العراق خط أحمر لديها، وهي مطلبها الثابت الذي لا رهان على سواه.
وعلى هذا تصبح تهويشات بعض المتسلطين على سنة العراق حول خرافة الأقاليم، والإقليم السني المستقل لعبَ أولادٍ صغار، وخيالاتٍ لا مكان لهما في عالم يؤمن فقط بالقوة ولا يحترم المؤمن الضعيف ، خصوصا حين يهدد بقوة أحد أخواله أو أعمامه وراءَ الحدود.
فمن أول الإعلان عن توزير حيدر العبادي، وتعريفه من قبل إدارة أوباما، ومرجعية السيستاني، بأنه قائد الإصلاح والتغيير، وأنه القادر على اجتثاث الفساد، ضحك كثيرون، وبكى كثيرون.
فالذي ضحك ضحك لأنه يعرف أن هذه الغزالة من ذلك القرد، وأن الأفعى لا تلد عصافير. فهو، وسلفه، رئيسُ حزبه، ورفيقُه في الائتلاف، والمُمسك الحقيقي، ولو من وراء الستار، بحبل اقتياده، عضوان في فريق واحد، مؤمن، بكل ما تعنيه كلمة إيمان، بأن الواجب الديني والطائفي والسياسي والمصلحي يلزمهما بإدخال السرور على قلب الولي الفقيه، كل صباح وكل مساء، بأي ثمن عراقي، سياسي أو اقتصادي أو أمني أو سيادي، غالٍ ورخيص، بتطمينُه بأن كل قرار يتخذ من قبل (أولاده) العراقيين ماشٍ حسب المطلوب، بخطين متوازيين.
الأول يتفنن بإبقاء الوضع العراقي السياسي والمعيشي والأمني في حالة إرتباك دائم، وخللٍ متعدد الوجوه والحالات والملفات والمجادلات والمهاترات التي لا تنقطع.
أما الهدف الثاني فهو إكمال مشروع ترويض الشيعة العرب العراقيين، وضمان خنوعهم وقبولهم، طوعا أو كرها، بهيمنة السادة الفرس ليس على عقولهم بل على قلوبهم أيضا، وذلك باستخدام كل الأسلحة المحللة والمحرمة لخلخلة الصف الوطني الشيعي الذي نهض من غفوته وصار يتحدى الحواجز والرصاص، كل يوم جمعة، ومنعه من الهتاف، مرة أخرى، (إيران بره بره، بغداد حرة حرة)، مهما كان الثمن.
أما الذي بكى بحرقة فهو ذلك الفاهم والمدرك لما يجري للعراق والعراقيين، في السر والعلن، من عمل متقن ومُحكم على تثبيت القدم الإيرانية فيما تبقى من أرض عراقية لم يحتلها أحدُ الإثنين، قاسم سليماني وداعش، واستثمار فزاعة الإرهاب والتكفير إلى آخر نفس، وإظهار الاحتلال العسكري الإيراني جهادا في سبيل الله، وعملا أخويا من أعمال الخير، هدفه الأسمى والمقدس هو اقتحام المدن التي لم يدخلها قاسم سليما، بعدُ، وإفراغُها من أهلها، وتحويلُهم إلى نازحين ومفقودين ومهجرين لا أمل في عودةٍ لهم قريبة إلى ديارهم التي يُفضل هادي العامري جعلها خرائب تسكنها الأفاعي والعقارب والصراصير، لا أحفاد يزيد.
والحقيقة أن العتب ليس على إيران، ولا على وكلائها الشيعة العراقيين الذين ربطوا أنفسهم بحبل الولي الفقيه، من زمن بعيد، دون خوف ولا حياء، وظلوا أمناء على خدمة الباب العالي في طهران، وحاربوا مع جيوش دولة الإمام الخميني ضد وطنهم وشعبهم، وقتلوا ضباطه وجنوده، وأغلبهم شيعة، بفرح وسرور، وما زالوا يفخرون بتلك البطولات وينشرون صورهم وهم مدججون بالسلاح الإيراني في أهوار العراق.
ولكن العتب الحقيقي على المستجدين المتطوعين لعشق بني فارس، والمتهالكين على صكوك الغفران التي يهبها الولي الفقيه لمن يأذن لهم بركوب الكراسي المذهبة التي يعلمون أو لا يعلمون بأنها لا تدوم ولن تدوم.
فحين شد سليم الجبوري رحاله إلى طهران، وأعلن من هناك أن "أصحاب القرار في العراق والمؤسسات الحكومیة یتطلعون الی ایجاد علاقات قویة مع الجمهوریة الإسلامية، کما یدعون الی مضاعفة جسور التعاون بین البلدین، وأن ذلك مدعاة فخر للعراق، ویخدم مصالح العراق حكومة وشعبا "، عفت عنه، وأوعزت لقضاء نوري المالكي بأن يُلملم فضائحه كلها دفعة واحدة، ويعلن براءته من الفساد والمفسدين، بأسرع ما يستطيع. ومعروف كم دقيقة استغرقها فض المشكلة، وإعادة الجبوري إلى مقعده، رغم غضب الشارع العراقي، وسخريته المُرة بدولة من هذا النوع، وقضاء من هذه الشاكلة.
وتأسيسا على هذه الحقائق التي تُرى بالعين المجردة، في العراق والمنطقة، يمكن الإعلان عن بُطلان دعوات التقسيم، من أي جهة عراقية أو عربية أو أجنبية جاءت، وعن عبث دعاة الأقاليم، وخاصة دعاة الإقليم السني المستقل.
وذلك لإن ما يجري على الأرض يبين بوضوح أن إيران لم ولن تكتفي بالعراق العربي الشيعي وحده، بل تريد معه السنيَّ أيضا، وكاملا، ليس فقط لأنها تريد ضمه كله، وكردستان العراق معه، إلى رقعة حلمها الامبراطوري، بل لأن أمنها الاسترتيجي لا يحتمل إقامة مناطق عازلة تعيق طريق جيوشها ومليشياتها وسلاحها نحو شواطي البحر الأبيض المتوسط، وستمنع حدوث ذلك بأي ثمن وبأية وسيلة ممكنة.
ففي زيارة نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني الدكتور برهم صالح لطهران مؤخرا أعلن، بعد لقائه بشمخاني، أن «تجارب الأعوام الأخيرة، وظهور الإرهاب التكفيري، كتهديد مشترك لكل القوميات والأديان في العراق، أثبتت أن الأمن المُستدام يتطلب تعزيز العراق الموحد".
من كل هذه الإعلانات المتلاحقة، يمكن أن ندرك، بالعقل وبدون أي انفعال عنصري قومي أو طائفي، أن تقسيم العراق إلى أقاليم خطٌ إيرانيٌ أحمر، لن يحدث حتى لو أيده الجن الأزرق، والاسكندر أبو القرنين.
أما الذين يقيمون حساباتهم على معونةٍ خارجية تأتيهم من واشنطن أو تل أبيب أو أنقرة أو الرياض،سيظلون يحلمون،ولن يطول الزمن حتى يثبت أنهم يلعبون في الوقت الضائع، وهم لا يعلمون.
1779 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع