صالح الطائي
لأني كاتب، عشت محنة الكتابة منذ أربعين عاما حتى هرمت من هول ما عانيته منها، ولأني أعرف ما يعانيه الكاتب في سبيل طرح كتابه إلى الجمهور، وما يتحمله من ضغط النقاد واللائمين، ولاسيما أولئك الذين لا هم لهم سوى البحث عن العيوب، فإذا لم يجدوا عيبا اختلقوه، لأجل كل هذا، وعطفا على تجربة الشخصية المرة القاسية، أؤمن يقينا أن من يهديني كتابا واحدا بدون مقابل إنسان من نتاج جهده وفكره؛ هو إنسان في منتهى الكرم الباذخ، وأشعر أنه متفضل علي، وصاحب جميل لا ينسى، فكيف بمن يهديك اثنا عشر قمرا مرسومة على ورق مترع بالصحة والترف، سبق له وأن تناول على مائدته عيون الباحث، ولباب فكره، وكثيرا من صحته، ووقته، ووقت عائلته، وما ادخره من قروش بيض لليوم الأسود؟
لهذا السبب لا زلت أبحث في قواميس لغتي عن كلمات منمقة تفي هذا الرجل الأديب والفنان والإنسان؛ الذي قدم لي اثنا عشر كتابا من نتاجه هدية بعض حقه، ولا زلت حتى هذه الساعة عاجزا عن ترتيب تلك الكلمات اليتيمة التي استخرجتها من دفاتر التجربة ودروس المجاملة بصعوبة بشكل يليق أن يتحول إلى جملة مفيدة، لأهديها له مقابل كرمه.
هذا الرجل الكريم هو الأديب الواسطي الروائي والشاعر الكبير والفنان حميد حسن جعفر، أما أقماره التي أهداها لي فهي:
1ـ كائنات الوهم.. كائنات الشعر، ثقافة الهامش: الكوت أنموذجا.
2ـ أحاديث أولاد آدم ـ شعر.
3ـ شرق الغابة شرق الأسى ـ إضاءات
4ـ تجفيت ـ رواية.
5ـ حفلة انقراض ـ رواية.
6ـ طوارئ غرفة إنعاش ـ تجربة في الحياة والموت.
7ـ من ذا أُرثه قلقي وقال ليديه انطلقا ـ شعر.
8ـ براءة البياض وبسالته ـ نصوص في المهمل.
9ـ هبوط آدم وصعوده ـ شعر.
10ـ فنطازيا ـ نصوص.
11ـ ارتباك الجثث ـ شعر.
12ـ مدن مرئية.
يكتب حميد حسن جعفر الشعر والقصة والرواية والسرد البحثي والنقد والدراسات الأدبية، بمعنى انه أديب شامل، لم يوقف نشاطه على نوع واحد من الأدب، فضلا عن ذلك تمتاز كتابه بأنها كتابات ما بعد حداثوية، فهي ليست من نمط الكتابات الملهاتية التي يستهلكها القارئ عادة كما يستهلك لوح شوكالاتا، ثم ينساها بمجرد أن يبعد الكتاب عن أنفه، كلا أبدا، إذ تحتاج كتابات حميد حسن جعفر إلى طقوس شعائرية خاصة وإلى وضع نفسي مستقر، وتهيؤ عقلي وفكري، وشيئا من الاسترخاء والتهيؤ لتلقي الصدمة.
ذلك أن حميد حسن جعفر أديب من نوع خاص، يستفز مكامن النفس، ويحاول أن يوحي للمتلقي بأنه جزء مما يدور، لكنه حتى مع هذا التميز الفريد الذي تفتقر له الكثير من الأسماء الرنانة التي تصفع عيوننا أينما التفتنا، والتي أصابنا تكرار الحديث عنها في وسائل الإعلام بالصداع، لم يحظ بفرصة لتسليط الأضواء عليه، حاله حال مئات المبدعين العراقيين الذين لم يجدوا من يهتم بهم لمجرد أنهم لا ينتمون إلى حزب، أو جهة، أو مجموعة، أو فئة، يسفحون جهدهم الفكري على أعتاب أبوابها، وينتظرون فتات ما ستلقيه لهم، فهؤلاء المبدعون، اختاروا أن يوقفوا جهدهم
على نصرة قضية الإنسان وحدها، وهو ومن هم على شاكلته، وحتى مع هذا التعامل غير المنصف والمجحف، لم يتخلوا عن رسالتهم، وعن الخط الذي اتخذوه سبيلا، وساروا غير آبهين بوعورته لا طلبا للشهرة، ولا سعيا وراء الاكتساب والارتزاق، ولا بحثا عن مديح وثناء، ولكن سعيا لنصرة الإنسان، بعد أن تكالبت عليه الوحوش حتى لم يعد يستمرئ طعم إنسانيته.
1761 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع