د .محمد عياش الكبيسي
يرجع القرامطة إلى الشيعة الإسماعيلية الذين رأوا الإمامة في إسماعيل بن جعفر الصادق، بخلاف الشيعة الاثني عشرية الذين رأوا الإمامة في أخيه الأصغر موسى بن جعفر الملقب بالكاظم.
يكتنف الحركة القرمطية غموض شديد، وبين هذا الغموض تلمع أسماء مريبة تظهر هنا وهناك من مثل: عبدالله بن ميمون القدّاح، ويبدو أنه المؤسس الفعلي، وقد شكك علماء الرجال بدينه ونسبه، ومنهم من صرّح بيهوديّته، وأنه عاش في الأحواز على صلة مريبة برجل مجوسي. ومنهم زكرويه بن مهرويه، والحسن بن بهرام.
عرف القرامطة بعقائدهم الباطنية التي تبطن خلاف ما تعلن، فإذا تمكنوا كشفوا عن خزّان هائل من الحقد على الإسلام ورموزه، وقد وصل بهم الأمر إلى غزو مكة في موسم الحج، فأعملوا السيف في الحجيج واقتلعوا الحجر الأسود، وكانوا قد أغاروا على قوافل الحجّاج قبل ذلك، وقد تواتر هذا عنهم في كتب السنّة والشيعة، وليس من تفسير فكري أو مذهبي أو سياسي لهذه العداوة، إلا العداوة المتأصّلة في أعماق نفوسهم للإسلام ولأمة الإسلام ولكل رمز أو شعيرة جامعة لهم.
وأوّل وقفة مع هذا الشذوذ الباطني، ذلك الخداع والنفاق الذي فات حتى على المنافقين الأوائل، فهم يغالون جدّا بإظهار الولاء لآل بيت محمد، ويعملون في الوقت ذاته على هدم دين محمد -عليه الصلاة والسلام- واقتلاع قبلته وهدم مساجده، وفي هذا درس بليغ لكل مغرور أو مخدوع بهذه الشعارات والبكائيات والمظلوميّات.
لقد كنّا نتساءل دوما: ما علاقة الخلاف بين علي ومعاوية، والحسين ويزيد، وتوريث الإمامة أو الخلافة، بمسألة تحريف القرآن مثلا؟ ولماذا نجد هذا الغلو في آل البيت والذي يصل إلى حدّ التأليه، بينما يفتح المجال لمحدّثهم النوري الطبرسي بكل جرأة ووقاحة ليدعو إلى هدم القرآن في كتابه «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب»، أي نوع من التديّن هذا؟
لقد كنت أشاهد أحد الساسة العراقيين (الشيعة) من على الشاشة وهو يجيب عن سؤال حول القرامطة فيقول: إنهم حركة تحررية ثارت على الظلم والفساد والطبقية!
نعم، اليوم لم يعد القرامطة شيئا من التاريخ، إنهم يطلّون بقرونهم في كل مشهد ومناسبة، ولم يعد الحديث كما كان في السابق عن ضلع الزهراء ودماء الحسين ومظلوميّة زينب، الحديث بدأ بالتدريج يطال أصول الإسلام وأركانه ومصادره، حتى القبلة، هناك دعوات صريحة لتحويلها إلى كربلاء، وقد مهّدوا لذلك بتهوين شأن الحج وتفضيل الحج إلى كربلاء عليه بآلاف الأضعاف، ولا يتوهمنّ متوهم أن هذا التهوين معناه صرف أتباعهم عن الاهتمام بمكة، لو كان كذلك إذاً لارتاحوا وارتحنا، وإنما المقصود تهيئة الرأي العام لديهم لضرب الكعبة وإزالتها من الوجود، والنص عندهم أن مهديهم سيقتلع الحجر الأسود وينقله إلى مسجد الكوفة!
إن ما قامت به عصابات إيران في اليمن خلال هذا الأسبوع من استهداف لمكة المكرّمة بصاروخ بعيد المدى، إنما هو جسّ لردّة فعل هذه الأمّة من أقاصي جاكرتا إلى أطراف نواكشوط.
إن حالة الخدر الذي يلفّ الأمة هذه الأيام إزاء مثل هذه الجرائم، سيجعلها تدفع ضريبة باهظة أكثر بكثير مما يخطر على بال.
920 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع