عائشة سلطان
أثناء وجودي في الكويت خلال الأيام السابقة، لحضور افتتاح مركز الشيخ جابر الأحمد الصباح الثقافي، دعيت إلى حفل عشاء أقامه وزير الإعلام الكويتي، وقد دار على طاولة العشاء التي جمعت الكثير من أهل الثقافة والصحافة والأدب والشعر وحتى السياسة، أحاديث كثيرة ومتشعبة، من بين تلك الأحاديث لم يستهو البعض حديث الانتخابات، وحديث انتخاب ميشال عون رئيساً للبنان، أحسست بأن هناك أحاديث أجمل تجعلنا نلتقي في منتصف الطريق، بينما لا تؤسس أحاديث السياسة لأية نوايا أو نهايات هادئة أو حتى محايدة في البيئة العربية عادة !
قال جاري على الطاولة إن المواقف التي يمر بها أهل الصحافة خلال عملهم واللقاءات التي يجرونها، والآراء التي يكتبونها أو يدلون بها، والأخطاء التي يرتكبونها أو المفارقات التي تحدث لهم تصلح لأن تكون مادة دسمة لأعمال أدبية روائية أو على الأقل لإنتاج كتب مذكرات، هذه الملاحظة جعلت حواس الصحافيين تتوثب وبدأ الكل يسرد ما تختزنه ذاكرته من مواقف، كاد بعضها أن يفقد بعض الزملاء وظائفهم نظراً لحساسية بعض المواقف !!
إن لذلك دلالات كبيرة تؤشر للخطوط الحمراء في الصحافة العربية، التي لاتزال هي نفسها منذ كتب مصطفى أمين روايته (سنة أولى حب)، والتي كشف من خلالها أسرار السياسة في مصر أيام الانتداب الانجليزي سنوات الثلاثينات والأربعينات، فمن خلال تناقضات المجتمع الطبقي في تلك السنوات، نعرف أن الأغنياء والمحرومين في مجتمع اليوم لا يزالون يعيشون تناقضاتهم وتوجهاتهم بالأفكار نفسها تقريباً، ولم تزل السياسة تفرض سطوتها، ما جعل الصحافة تحمي نفسها بخطوطها ومحرماتها المعروفة !
حين ذُكرت بعض الحكايات بطريقة الطرائف اتضح أن الصحافي والكاتب العربي لم يحقق تقدماً يذكر فيما يخص سقف الحريات، خاصة حين تعج منطقته بالأزمات الأمنية والمخاوف والتهديدات، ولأن المنطقة لم تتخلص من هواجسها الأمنية يوماً، فإن أول من يدفع الثمن هي الصحافة والصحافيون، لذلك يفضل الصحافيون البعد عن قضايا السياسة في أزمنة الفتن والصراعات والاتهامات وسيطرة الفساد !
مع ذلك فإن روح التفاؤل والإيمان بالغد تدفعنا لأن نحلم بغد مختلف، تصير فيه السياسة كالخبز والكتب والحديقة وحافلة المواصلات العامة، أي تصير حقاً متاحاً وشأناً عاماً غير مخيف، حين ستتخلص المنطقة من جبال الهواجس التي تجثم على صدرها !
935 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع