السلام وحوار الحضارات والثقافات

                                                                  

                            يعقوب أفرام منصور-أربيل

يعني الحوار الإصغاء بأناة إلى رأي مقابل من الآخرـ إن كان الآخر فردًا أو جمعًا كفريق أو مجموعة أو هيئة ـ على أن يسود الإصغاءَ جوٌ من الإحترام المتبادل بين الظرفين، ورغبة صادقة جادّة في إدراك حقيقة ومغزى أو مفهوم الرأي الآخر؛

وكي يكون الحوار مجديًا وإيجابيًا في نتيجته، من الضروري أن يكون الطرفان المتحاوران مجرّدَين من نيّة مسبقة في عدم التوصّل إلى إتفاق مع الطرف الآخر، أو عدم القبول به، برغم وضوح الرأي والرؤية والفكرة بخصوص حقيقة أو قضيّة ما  مسندة أو عقيدة ما هي مدعومة بنص مادّي أو قُدسي لدى الطرف المقابل، أو بقانون وضعي لدى الطرف الأخر. فعملية الحوار الصادق، في نيّته، هي عملية تفاهم متبادَل لغرض تقارب وجهات نظر المتحاورين، ومعرفة ما عند الآخر من جوهر أوخلاف أو إبتعاد، لغاية وضع أسس إتفاق لحل معضلة إقتصادية، إجتماعية، عائلية، سياسية، بيئية، أو للقيام بمشروع مُجدٍ أو قبول الآخر بما يحمله من قناعات إيمانية، وافكار مذهبية توصل إلى تعايش متبادَل، واحترام خصوصيات الأخر في الجنس واللسان والعِرق والرأي والعقيدة. وكلّما زاد توفّر نقاط التقارب أو الشبه المشتركة بين الطرفين المتحاورين، غدا بالتالي من الأسهل قبول الطرف المتحاور بنظيره المقابل في معظم أو جميع النقاط التي تمّ طرحها على بساط البحث في الحوار.
متعددة هي أطراف التحاور: جوار مع الله ـ مع الإنسان ، مع العدو ـ مع المخالف ـ مع الحليف ـ وتحاور بين الرئيس والمرؤوس، بين الزوجين، بين السيّد والعبد،  تحاور الأولاد مع ذويهم، تحاور بين جمعَين ، بين رفيقين او زميلين أوخَصمَين.
أمّا أهم المحاور في الحوارات التي تحتاج إلى إجرائها الشعوب في هذا القرن، فهي: محور" أثر الثقافات والحضارات في التوصّل إلى بلوغ السلام "  محور" الحوار المسيحي ـ الإسلامي"   وأهم الحوارات: حوار الشرق والغرب  ـ الحوار اليهودي/المسيحي/ الإسلامي الحوار اليهودي / المسيحي
جدير بالذكر في هذا الصدد خطاب قداسة البابا  الراحل يوحنا بولس الثاني في  اليوم العالمي للسلام ( 1 ـ1ـ 2001) إذ قال: [ ثمة نحدّيات  عذيدة ينبغي أن يجابهها العالم من خلال تفاهم أفضل بين الشعوب، فعلى الجميع أن يشعروا بالواجبااالأدبي الأكبر لكي يحققوا عاجلاً خيارات واقعية لتحريك قضيّة السلام والتفاهم بين الناس]. وحَرِيّ بالعلم أن أحبار الفاتيكان قد كرّسوا هذا اليوم من كل عام للصلاة من أجل السلام العالمي قبل 49 عامًا ـ أي منذ عام 1967، وكانت رسالة البابا تحمل هذا العنوان ( الحوار بين الثقاقات من أجل إقامة حضارة المحبّة والسلام بين الشعوب).
فضلاً عن ذلك، لقد انسجم خطاب قداسة البابا، الآنف ذكره، في هذا المجال مع قرار هيئة الأمم المتحدة في اعتبارعام  2001" سنة دوَلية للحوار بين الحضارات". (أنظر مجلة "نجم المشرق" عدد 26 لعام 2001 ص 146).
وفي اليوم الأول من أيلول 2001 صدر البيان الختامي لمؤتمر مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، الذي ورد فيه " إن العالم اليوم قي مسيس الحاجة إلى حوار الثقافات والحضارات، بدلاً من تصادمهما، وليس من شك قي أن الأديان المختلفة جديرة بأن تؤدّي دورًا فاعلاً في هذا المجال،  وهذه مسؤولية تقع على عاتق الجميع".
وفي مناسبة افتتاح سينودس الأساقفة الذي انعفد في روما خلال الفترة 30 ـ 9/ 27ـ10ـ 2001  خطب قداسة البابا يوحنا بولس الثاني قائلاً [ الشجاعة تستوجب الإشارة إلى الخطايا الإجتماعية الناتجة عن النزعة الإستهلاكية، وإلى الإقتصاد الذي يُحدث فجوة مؤسفة بين قلّة من الأغنياء وبين العدد الهائل من البؤساء. وفي كل عصر تقف الكنيسة إلى جانب المستضعفين بواسطة رعاتها رسل المحبة الذين يُعلّمون ويدعون إلى مبادئ التضامن والعدالة الإجتماعية ]. جريدة الرقيب الروماني عدد 40 في 3ـ10ـ 2001.
بعد ستة أعوام من انصرام اليوم العالمي للسلام، صدر [ بيان كيوتو عن مجابهة العنف ودفع عملية الأمن المشترك قدمًا ] في إعقاب الإجتماع العالمي الثامن لِ "الأديان من أجل السلام" في آب 2006]، إذ التأم مؤتمر الفمّة العالمي للأديان من أجل السلام  الثامن في مدينة كيوتو اليابانية للفترة 26ـ29 آب 2006، إشترك فيه ممثلو كافة الأديان في العالم: ألمسيحية، الإسلام، اليهودية، البوذية، الكونفوشية إلخ، ومثّل العراق فيه نخبة من رجال الدين المسلمين والمسيحيين، إجتمع فيه أكثر من 800 مرشد ديني مثّلوا كل التقاليد الدينية الرئيسية، وكل منطقة في العالم، جاوزت المئة قطر. وقد وفد هؤلاء من الشبكة العالمية للأديان من أجل السلام التي تتألّف من مجالس ومجاميع محلّية، وطنية وإقليمية، كما من شبكات إيمانية شبابية ونسائية، عبّروا عن اعترافهم بالإسهامات والبيانات المهمة التي جرت في اجتماعانهم، وبأنهم سيبنون عليها. إخترتُ من البيان هذه الفقرات:
** " إننا اليوم نعيش في عالم تمسك به أشكال عدّة من العنف المباشر والمركّب: صدامات وصراعات عنف ـ بين الدول وعبر الحدود، تجري بين دوَل ومجاميع، لإنتزاع الحياة وتدمير المجتمعات."
** " على المجتمعات الدينية بالأخص أن تقوم بدور مركزي في تشخيص ومجابهة العنف بكل أشكاله ومظاهره. لفد قاست أديان العالم ذمًا ونبذًا سبّبهما أولئك الذين سعوا إلى سوء التوسّل بالدين لأغراضهم الخاصّة. وفي إستمرار الإقتتال العنيف في أرجاء الغالم، يُستخدم الدين تبريرًا أو عذرًا للعنف. ومن المؤسف وجود التسليم أن بعض المجاميع ضمن جماعاتنا الدينية قد سعت في الحقيقة إلى استخدام العنف، فعلينا أن نرفض هذا ونلتزم مجددًا بالأديان في سبيل بلوغ السلام."
** " اليوم باتت مقترفات الإبادة الجماعية والقمع برعاية الدولة، وأفعال الإرهاب، وأشكال أخرى من امتهان وانتهاك حقوق الإنسان، أفعالاً تخرق القانون الدوَلي، وتستهدف المدنيين الأبرياء، وتهدد امن الكثير من المجتمعات. كما أن قوانين الدولة، التي تُقيّد حقوق الإنسان والحريات المدنية، هي أيضًا نوع من العنف، فالأمراض التاجمة عن الحروب والجوع والتهجير والكوارث البيئية تشكّل تهديدات خطرة للحياة". (أنظر الصفحات 38 ـ43 من كتابي ( ألأماني والأهواء بين الدين والدنيا) صادر في أربيل ،2015).
بعد هذه المقتبسات من مصادر روحانية فردية وجماعية، لا يخلو بعضها (كما في الفقرة الثانية في أعلاه من بيان كيوتو) من لوم وانتقاد موجّهين إلى " الذين سعوا إلى سوء التوسّل بالدين لأغراضهم الخاصّة، في استمرار الإقتتال العنيف في أرجاء العالم، يُستخدم الدين تبريرًا أو عذرًا للعنف"، أشير إلى صدور كتابين موسوعِيَين جديرين بالإهتمام والإطّلاع على مضامينهما، وهما [حوار الحضارات.. المعنى ـ الأفكار ـ التقنيات ] الصادر في عام 2009 عن المركز القومي للترجمة في القاهرة، من تأليف مجموعة من الباحثين الروس واللبنانيين؛ والكتاب الآخر مُعنوَن (عاشق الإسلام مؤمن بعيسى) مؤلفه الفرنسي/الإيطالي؟ [ باولو دالوليو] ـ "الراهب بولص"ـ المترجَم من الفرنسية إلى العربية من قبل الأستاذة رجاء شلبي، وصادرعن دار الفارابي/بيروت 2013ـ مع العلم أن المؤلّف شخصية "معتمدة من قبل بابا روما" كما ورد في ص10.
من الكتاب الأول، أنقل ما ياتي من ص 13 من ناحية " الإستنتاجات والآمال" المعقودة على الحوار القائم على أبحاث المسهمين في ثلاثة مؤتمرات دوَلية، موضوعاتها الرئيسة كانت حول (حوار الحضارات)، وقام بتنظيمها البيت اللبناني/الروسي بتعاون مع آخرين كثيرين:
[ إن المكان الذي وُلدت فيه الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيححية والإسلام، سيبقى ساخنًا لمدة طويلة، ما دام أتباع هذه الديانات لم يتمكنوا حتى الآن من إيجاد لغة عقلانية هادئة لحوار طويل ومثمر لهم. فإن أرض القداسة فلسطين ستبقى مصدر قلق وتوتّر. وما دامت فلسطين ساخنة، فإن عقول المسيحيين والمسلمين واليهود في العالم تسخن معها. فالشعب الفلسطيني لم يحصل على حقوقه العادلة، وما دام الصراع الدموي يجري على هذه الأرض، فهذا يُغذّي احتمال استمرارية الصدام بين الأديان والحضارات والشعوب التي لا تزال تشكّل المرجعيّة الدينية فيه واحدة من أهم مرجعيّاتها في الأخلاق والروحانيات.]

[ إن الضرورة الحيوية تستدعي دق ناقوس الخطر الدائم لما يجري من محاولات لتأجيج الصراعات في كلٍ من روسيا والشرق العربي. ففي استمرار هذه الصراعات والحروب الدموية تتجزّأ الأمم وتُصبح عرضة لتسلّط الأقوياء عليها.]
ومن ص 14 هذه الفقرة:  [ علينا أن نُبعد صورة الشبح العدو، التي تسكن في داخلنا، ونسعى للتركيز على صورة الصديق الذي أشاركه وأتعاون معه في كل الظروف.]
ومن الكتاب الثاني، فصله السابع بخصوص (الوحي)، أنقل من ص 175 النص الآتي تحت عنوان فرعي (الحوار هبة الروح):
[ واجهتُ بعض الإنتقادات التي مفادها أنني أخلط في كتاباتي المفاهيم المسيحية بالمفاهيم الإسلامية، والأسوأ من ذلك، أنني أخلط أستشهادات كتابية باستشهادات قرآنية. من الضروري في الحوار ـ هذا إذا أردنا تجنّب حوار الطرشان ـ بناء لغة مشتركة تقوم على أدلّة نستخلصها من كلا التقليدَين على صعيد النص المقدّس والأدبيات الدينية، طالما أنه ينبغي على كلٍ منّا أن يتعلّم لغة الآخر الدينية. وهذا صحيح أيضًا في عملية إنثقاف الإيمان وتجذّره في المحيط الثقافي، حيث تصبح مختلف مصادر قِيَم ومعاني الثقافة المستهدفة بالإنثقاف حقلاً أساسًا لهذا التجسّد الجديد، وذلك وفق منهجية الحوار والقياس.] 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

873 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع