بقلم: سالم ايليا
برز مصطلح الطابور الخامس مع بداية الحرب الأهلية في إسبانيا (1936 ـ 1939)، وطورته المانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية من خلال تدريب حلفائها من دول المحور وحلفائها الآخرين على فنون دس وغرس العملاء داخل المجتمعات في دول الحلفاء لنشر الأكاذيب وإحداث البلبلة فيها.
والطابور الخامس لا يقل خطورة عن أكبر جيش مجهز بأحدث الأسلحة المدمرة، وهذا بالضبط ما حدث عند سقوط بغداد السريع ومدن العراق الأخرى بيد المحتل الأمريكي سنة 2003م، حين بثّ هذا الطابور الإشاعة الكاذبة لإستسلام وهروب فرق الجيش وخاصة قوات الحرس الجمهوري وقوات الطوارئ، والذي أدى بالفعل الى أنهيار المقاومة ودخول المحتل الى بغداد بسهولة.
كذلك حدث نفس الشيء في الموصل والمدن الغربية عند سقوطها بيد داعش إبتداءاً من العاشر من حزيران/2014م وما بعده!!، وهنا يجب التوقف عند هذا الحدث، لأن بعض الدول الإقليمية كان لها موطئ قدم في تلك المناطق والمتمثلة بقنصلياتها ذات الغايات المشبوهة، بالإضافة الى تغلغل عناصر مخابراتها في تلك المدن، حالها حال دول إقليمية أخرى تعمل في المدن الوسطى والجنوبية للعراق.
فليس من المعقول أن يدخل جيش دولة إقليمية داخل الأراضي العراقية وبعمق لأكثر من مئة كيلومتر والتمركز بكامل عدته الحربية بالقرب من ثاني أكبر المدن العراقية دون أن يكون قد دفع بعناصر مخابراته للإنتشار داخل المجتمع العراقي وخاصة في المناطق المتواجد فيها لنشر الأكاذيب والتهيئة النفسية للقبول بتواجدهم ولحمايته بالمعلومات الإستخباراتية اللوجستية، خاصة وأنه لعب على الوتر الطائفي بشكلٍ ماهرٍ، ساعده في ذلك السلوك الطائفي الذي سلكه أعضاء الحكومة ذات الأكثرية الدينية لطائفة واحدة من طوائف المجتمع العراقي، والتي همّشت الطوائف الأخرى بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ.
وبالتأكيد فأنّ عناصر هذا الطابور قد تمّ إختيارهم بدقة في معرفتهم (ولو بإسلوب لغوي ركيك ليس من الصعب تمييزه) للغة العربية وبلهجاتها المحلية، وبإنتحال أسماء شائعة في المجتمع العراقي أو أسماء رمزية لتتداخل في المماحكات الحاصلة على وسائل التواصل الإجتماعي ومواقعه الألكترونية لإثارة الفتنة وتسعير جذوة النار الطائفية، وتسويق بضاعته للقبول بإحتلاله للأرض العراقية وبتبريرات طائفية لا تخفى على معظم أبناء الشعب مستغلة الحس العاطفي الذي يتميز به الشعب العراقي عن غيره من الشعوب.
وما أغاض قادة تلك الدولة المتورطة عسكرياً هو سرعة توحد العراقيين حين تمّ الإعلان عن بدأ عمليات تحرير الموصل متناسين خلافاتهم متراصفين خلف جيشهم تماماً مثلما حصل خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية.
كذلك فإن الذي أفقد حكومة تلك الدولة الإقليمية لرشدها هو سهولة كشف مخططاتها التوسعية وأطماعها في الأراضي العراقية، مما حدا بقادتها على البوح في تصريحاتهم العلنية والمكشوفة للمطالبة بمدن عراقية على إعتبارها تابعة لهم في الأصل!!، وهنا تدخل الطابور الخامس أيضاً عبر وسائل التواصل الإجتماعي ومواقعه الألكترونية لدعم هذا التبرير والمطلب.
ومما يؤسف له من أن البعض القليل جداً من السياسيين العراقيين المغيبين والذين يعانون من التهميش والإقصاء تفاعلوا مع هذا المطلب ربّما بحسن نيّة تدفعهم مشاعرهم الطائفية، وأنظموا الى المعسكر المضاد لوطنهم وجلّهم من طلاّب المناصب والمواقع السياسية، معللين موقفهم الغريب هذا بإختلافهم مع فرقائهم على مناصب سياسية زائلة لا تغني ولا تشبع، وحيثُ نتمنى عليهم مراجعة مواقفهم قبل فوات الأوان، فخيانة الوطن ليس لها أي مبررات مهما زوّقَت بالمسببات.
كذلك فإنّ اللوم يقع على عاتق وسائل الإعلام بكل فروعها ومصنفاتها في السماح بنشر كتابات الطابور الخامس وسمومها القادم من وراء الحدود دون (غربلة) ما هو مقصود وممنهج، وما هو عفوي صادر من متتبع وطني له مبرراته في الإعلان عن إحتجاجه على الممارسات الطائفية الخاطئة للبعض من أعضاء الحكومة.
وحيثُ أن البعض من مواقع التواصل الإجتماعي تعلن بضوابطها في عدم نشر أي تعليق أو مقالة ما لم تحمل الإسم الصريح لكاتبها، ثمّ تتغاضى عن هذا الأمر بشكل إختياري للبعض الآخر!!، وبشكل إنتقائي يضع علامات الإستفهام على مصادر تمويلها!!.
وربما علينا أن نعطي الحق للبعض من تلك المواقع الألكترونية في إخفاء الإسم الصريح للبعض من الكتّاب أو المتداخلين ولأسباب وطنية بحتة لحمايتهم من الملاحقة.
فأي منطق هذا الذي يروّج له المندسون من خارج الحدود للقبول بالإستعمار الذي دمّر البلد لأكثر من أربعمئة عام، وحيثُ أنّ المعركة أصبحت مكشوفة بكل صفحاتها العسكرية والإعلامية ما بين داعش وبعض الأنظمة (الشقيقة) والإقليمية والدولية والطائفيين من أي دينٍ أو مذهب كان ومن يقف ورائهم من جهة، وبين الشعب العراقي بكل مكوناته وأطيافه وأديانهم بمذاهبهم ومكوناتهم القومية ومن يقف معهم من شرفاء العالم من الجهة الأخرى.
ولا أعلم ما سبب هذا الحقد الذي ليس له نهاية على العراق وشعبه، فهؤلاء الذين يتباكون الآن على مكوّن معين من مكونات الشعب العراقي بإسم المذهب، هم أنفسهم الذين سمحوا لطائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالإنطلاق من قواعدها في بلدانهم (قاعدة أنجرليك في تركيا، وقاعدة العديد في قطر) لتدمير العراق وشعبه بكل مكوناته، فلم تفرّق صواريخهم بين طفلٍ من هذه القومية أو تلك أو هذا الدين أو المذهب أو غيره، وهم أنفسهم الذين حشدوا الجيش الغازي في بلدانهم في الحربين الأخيرتين (1991م، 2003م) التي أوصلت البلد الى ما هو عليه الآن، وحيثُ إنطلقت جحافل القتل الهمجي لتغزو العراق (كان هجوم التحالف في حرب الخليج الأولى سنة 1991م من السعودية وقاعدة أنجرليك في تركيا، وكان هجوم التحالف في حرب الخليج الثانية سنة 2003م من الكويت والأردن وقاعدة العديد في قطر، وكما هو معروف ومثبت)، وهم أنفسهم الذين إحتضنوا أحزاب ما سميت بالمعارضة قبل إحتلال العراق سنة 2003م، والتي تكونت في معظمها من الطائفيين الذين يقفون الآن ضدهم!!!، وحيثُ كان شعار تلك الدول مساعدة العراقيين للتخلص من الدكتاتورية، وهم أنفسهم الذين يتباكون الآن على المكوّن الذي كان ينتمي اليه ذلك الدكتاتور!!!، فأي مفارقة دنيئة ومخزية تلك التي تنتهجها هذه الدول، وأي لعبة قذرة تلعبها حكوماتها.
أفلا يكفيهم ما جرى للعراق وشعبه من ويلات؟ ـ ـ ـ أوليس هم أنفسهم من زاد النار سعيراً ليتورط العراق في الحروب منذُ سنة 1980م مستغلين حماقة قيادته؟!!! ـ ـ ـ ألا يكفيهم ملايين الشهداء من كل مكونات الشعب العراقي دون تمييز ومعظمهم من المدنيين؟ ـ ـ ـ ألا يكفيهم تشريد الشعب برمته بين مهجّر داخل وطنه ومهاجر خارج وطنه؟ ـ ـ ـ ألا يكفيهم الإفلاس الذي يعاني منه العراق والديون المتراكمة عليه بعد أن كان من أغنى دول المنطقة؟ ـ ـ ـ ألا يكفيهم الدمار الذي حلّ بالبُنى التحتية والذي حرم العراقيين من أبسط الخدمات الإنسانية ونحن في القرن الواحد والعشرين، فلا كهرباء، ولا ماء صالح للشرب، ولا أدوية ومستلزمات طبية، ولا شبكة صرف صحي جيدة، وغير ذلك من الأمور ـ ـ ـ ألا يكفيهم إذلال الشعب الذي ساعدهم وعلّمهم في وقتٍ ما كيف يلبس فريقهم الكروي الأحذية الرياضية بعد أن كان يأتينا لاعبوه حفاة القدمين للعب مع فرقنا الكروية!!!.
وحيثُ إغتنى البعض من هذه الدول على حساب مآسي العراقيين وبؤسهم، وعلا بنيان مدنهم وتوسع من أموال العراق، فلا يزال النفط العراقي يتدفق اليهم بالمجان أو بأسعار رمزية، ويبتز حكامهم الدول الأوربية بحجة تدفق اللاجئين العراقيين الى بلدانهم، فلا يُصرف على اللاجئين خُمْس ما يحصلون عليه من المساعدات القادمة من الدول الأوربية والمنظمات الدولية، والباقي يذهب الى جيوبهم وخزائن دولهم، علماً من أن معظم اللاجئين العراقيين يذهبون الى تلك الدول ومعهم ما يكفيهم من المال لشهور أو لسنوات عديدة، وحيثُ أنعشوا الأسواق المحلية لتلك الدول وسوق عقاراتها وحرّكوا فيها عمليات البيع والشراء!!!.
إنها لعبة المصالح المجردة من الإخوة الدينية أو المذهبية أو حتى القومية، فإستيقضوا أيها العراقيون الذين تطبلون لهذا الطرف أو ذاك!!!.
إنتباهة:
(1)الطابور الخامس: هم مجموعة من الجواسيس والعملاء الذين يعملون خلف قطعات الجيش وفي داخل المجتمعات لبث الأكاذيب، أول من أطلق عليهم بالطابور الخامس هو القائد اميليو مولا قائد القوات الوطنية في الحرب الأهلية الإسبانية التي بدأت سنة 1936م، وقد كان لديه أربعة طوابير عسكرية لقطعاته وأضاف اليهم "الطابور الخامس" المتكون من العملاء المدنيين، هذا ما ورد عن الطابور الخامس في ويكيبيديا.
أما حصان طروادة: فهو حصان خشبي ضخم مجوف صنعه الإغريق وأخفوا بداخله جندهم وأدخلوه الى طروادة بإتفاق سلام بين الطرفين، وما أن حلّ الظلام خرج الجند من داخله وغدروا بالطرواديين وإنتصروا عليهم بعد حصار دام لأكثر من عشرة سنوات.
784 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع