عدنان حسين
وأنا أقرأ الخبر وأتفحّص الوثائق المرافقة تمنّيتُ في سرّي لو كانت القضية برمّتها شيئاً يجاري البرنامج التلفزيوني عابر البحار والقارات "الكاميرا الخفيّة"، أو أنها مجرد كذبة تماثل كذبة "تعلّم اللغة ... في سبعة أيام"!، ولم أزل أتمنى أنها كذلك.
لم يكن من السهل أن أُصدّق على الفور بأنّ ما ينبئ به الخبر ووثائقه يمكن أن يحدث في غضون عشرة أشهر فقط من إطلاق الحزم الإصلاحية الحكومية والبرلمانية، وفي الايام ذاتها التي انطلقت فيها المسرحية البرلمانية الصاخبة "كتلة الإصلاح" المزعومة.
الخبر المدعم بالوثائق (أرجو أن تكون من منتجات سوق مريدي) يقول إنه في غضون ستة أسابيع فقط لا غير جرى ترفيع موظف حكومي مُعيّن للتوّ على سبيل التجربة لمدة سنة من مستوى الدرجة السابعة ذات الراتب المتواضع إلى مستوى وكيل وزارة براتب مضاعف نحو عشر مرّات.
في 7/6/ 2016 تطلب إحدى الوزارات من مكتب رئيس الوزراء الموافقة على تعيين شخص موظفاً فيها ضمن الدرجة السابعة بعنوان (معاون قانوني) استثاءً من القرار رقم (1) لسنة 2016. وهذا القرار يُلزم الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات كافة "بالإعلان عن الدرجات الوظيفية المتوفرة لديها أو التي ستتوفر لديها فصليّاً ضمن حركة الملاك في الموقع الإلكتروني العائد اليها ووسائل الإعلام المعتمدة، والاستفادة من قواعد البيانات وإجراءات تسجيل العاطلين عن العمل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وقاعدة بيانات خريجي الدراسات العليا في كل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، واللجنة العليا لتطوير التعليم في العراق". كما يلزم بـ"تشكيل لجنة في كل وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة أو محافظة ......تتولى وضع الضوابط والشروط الواجب توفرها في المرشحين للتعيين ومقابلتهم وإجراء الاختبارات للمفاضلة بينهم على أساس الكفاءة والخبرة والمؤهّل العلمي ..".
في اليوم نفسه (7/6) تحصل موافقة رئيس الوزراء على طلب التعيين " بحسب الاستحقاق استثناءً من القرار رقم (1)". وفي اليوم التالي يُصدر مديرعام الدائرة الإدارية والمالية في الوزارة أمراً إداريّاً بتعيين الشخص بعنوان وظيفي (معاون قانوني) براتب مقداره 296 ألف دينار "على سبيل التجربة لمدة سنة واحدة اعتباراً من تاريخ المباشرة".
بعد أربعة أيام فقط يُصدر الوزير أمراً وزارياً يستند إلى "توجيه السيد رئيس مجلس الوزراء المبلَّغ إلينا برسالة نصيّة ..... تقرّر تكليف السيد .. (المعاون القانوني إياه) بمهام وكيل الوزارة وكالة"!. وفي 1/9/ 2016 يصدر أمر وزاري بمنح الوكيل بالوكالة راتب الوكيل الأصيل ومقداره مليونان و413 ألف دينار. وبالطبع فإن هذا هو الراتب الاسمي الذي تلحق به مخصصات ربما يزيد مقدارها على مقدار الراتب الاسمي.
للتذكير فإنّ الحزمة الإصلاحية الأولى التي تقدّم بها رئيس مجلس الوزراء الى البرلمان في 11/8/ 2015 بعد اندلاع الحركة الاحتجاجية الأكبر في تاريخ العراق، ووافق عليها البرلمان بالإجماع، نصّت في البند (3) من (محور الإصلاح الإداري) على:
"إبعاد جميع المناصب العليا من هيئات مستقلة ووكلاء وزارات ومستشارين ومدراء عامين عن المحاصصة السياسية والطائفية، وتتولى لجنة مهنية يعيّنها رئيس مجلس الوزراء اختيار المرشحين في ضوء معايير الكفاءة والنزاهة بالاستفادة من الخبرات الوطنية والدولية في هذا المجال، وإعفاء من لا تتوفر فيه الشروط المطلوبة"
وللتذكير أيضاً فإن حزمة الإصلاحات التي قدّمتها رئاسة مجلس النواب في اليوم نفسه لتكون رديفة للحزمة الحكومية ومكملة لها ووافق عليها مجلس النواب بالإجماع أيضاً، نصّت على :
"إنهاء ملفّ التعيينات بالوكالة وتقديم المرشحين في المناصب العليا من رؤساء الهيئات ووكلاء الوزارات والمستشارين على وفق القانون للتصويت خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً وباعتماد معايير الكفاءة والنزاهة بعيداً عن اعتماد معايير الانتماءات الحزبية والطائفية وإعفاء من لا تتوافر فيه الكفاءة والنزاهة ودون انفراد جهة ما بإصدار ما يتعلق بقرارات التعيين أو الإعفاء صوناً لمبادئ الديمقراطية وحمايةً لأصحاب القرار من الانزلاق نحو التفرّد والدكتاتورية".
مَنْ يُعرِّف لنا الإصلاح بنسخته العراقيّة؟
1200 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع