د. منار الشوربجي
قائمة الترشيحات للمناصب التنفيذية التي تم الإعلان عنها في واشنطن، حتى كتابة السطور، تكشف في جانب منها عن عودة أميركا الستينات حين كان المسؤولون يعبرون علناً عن مواقف تحمل عنصرية صريحة. فالمرشح لمنصب وزير العدل، هو السناتور جيف سيشنز، والمرشح لمنصب مستشار الأمن القومي هو الجنرال المتقاعد مايكل فلين.
أما منصب مدير المخابرات المركزية فقد اختار له ترامب عضو مجلس النواب مايك بومبيو. أهم ما يجمع بين الثلاثة أن لهم موقفاً واضحاً في عدائهم للمسلمين.
جيف سيشنز كان من أوائل الذين أيدوا ترشيح ترامب لمنصب الرئاسة وبقوة. وهو كان نافذاً في اتخاذ قرارات الحملة وعلى رأس قائمة المرشحين لمنصب نائب الرئيس قبل أن يختار ترامب مايك بنس للمنصب. ومجلة ناشينونال جورنال المحافظة كانت قد اعتبرت سيشنز، قبل فترة، واحداً من أكثر أعضاء مجلس الشيوخ يمينية. ويمثل ترشيح الرجل لوزارة العدل انتكاسة لكفاح الحقوق المدنية في أميركا.
فرغم أن الجمهوريين كانوا يتمتعون بالأغلبية في مجلس الشيوخ في عام 1986، إلا أن تلك الأغلبية رفضت وقتها تعيينه قاضياً فيدرالياً نظراً لسجله التاريخي المناهض للأقليات.
ولسيشنز موقف ليس فقط من حقوق المدنية للسود وإنما لغيرهم أيضا من الأقليات مثل المسلمين واليهود، فضلا عن موقف بالغ التشدد من قضية الهجرة التي تمس بشكل مباشر ذوي الأصول اللاتينية.
ومايكل فلين، المرشح مستشاراً للأمن القومي، كان مستشاراً لحملة ترامب الانتخابية وهو من أكثر مسؤولي المؤسسة العسكرية الأميركية تطرفاً. فسجله يحمل مواقف معروفة من السود واليهود وغيرهم من الأقليات الأميركية. وهو كان أثناء الحملة الانتخابية قد أعاد على صفحته الخاصة على تويتر نشر عبارة كتبتها إحداهن ضد اليهود، اضطر لحذفها والاعتذار عنها لاحقا.
لذلك لم يكن مستغرباً أن يعلن ديفيد ديوك رئيس منظمة كو كلاكس كلان، أعتى التنظيمات العنصرية التي تؤمن بالتفوق الأبيض ثناءه الشديد على ترامب لاختياره لمايكل فلين.
الأخطر أن بعض ما كتبه فلين على صفحته الخاصة على تويتر يبدو منه أنه ممن يؤمنون بوجود مؤامرة «تتزعمها الأمم المتحدة لإقامة حكومة عالمية وحظر الدين المسيحي»، وهي فكرة يؤمن بها تيار متطرف في الولايات المتحدة. وخطورة اختيار ترامب لفلين لذلك المنصب تحديدا هو أنه اختيار غير قابل للمراجعة لأنه لا يتطلب موافقة مجلس الشيوخ، مثل باقي مناصب فريق الأمن القومي.
وقد اختار ترامب عضو مجلس النواب الجمهوري مايك بومبيو مديراً للمخابرات المركزية. وبومبيو هو واحد من أولئك الأعضاء الجمهوريين الذين وصلوا إلى مقاعدهم في مجلس النواب في 2010 وسط موجة تمرد حفل الشاي، الذي يمثل اليوم أقصى يمين الحزب الجمهوري، أي حزب اليمين الأميركي.
وهو ظل أحد نجوم لجنة الاستخبارات بمجلس النواب طوال المدة منذ صعوده وحتى الإعلان عن ترشيحه للمنصب. لكن بومبيو، بسبب انتماءاته تلك قد يواجه صعوبة في تولي المنصب، فعلا إذا ما قررت قيادة الجمهوريين في مجلس الشيوخ معارضة تعيينه. فمنصب مدير المخابرات المركزية يحتاج شاغله لموافقة مجلس الشيوخ.
وبومبيو ليست له علاقة جيدة مع قيادات حزبه في المجلس. فهو سعى، في بداية الموسم الانتخابي لعام 2016، لترشيح نفسه لمجلس الشيوخ عبر منافسة السناتور الجمهوري جيري موران شاغل المقعد فعلا في ولاية كنزاس في الانتخابات التمهيدية. وهو نوع من التحدي قام به قبله عشرات من رموز حركة حفل الشاي لأعضاء جمهوريين بمجلس الشيوخ.
وقتها تلقى بومبيو رسائل تحذير مبطنة من قيادات الحزب الجمهوري بمجلس الشيوخ وخصوصا زعيم الأغلبية الجمهورية متش ماكونيل الذي كان قد أخذ على عاتقه منذ انتخابات 2014 ألا يسمح لرموز حفل الشاي بتحدي زملائهم من الحزب نفسه، وهي الرسالة التي فهم تبعاتها بومبيو وتراجع فوراً عن مسعاه.
أهمية كل ذلك هو أن تلك الترشيحات تكشف بوضوح عن أن ترامب لا يمثل بحال ثورة على «المؤسسة» كما يقول الإعلام الأميركي في تحليل نتائج الانتخابات. فترامب يمثل امتداداً واضحاً لنخبة الحزب الجمهوري الجديدة. وهي النخبة التي بدأت في الهيمنة على الحزب الجمهوري منذ جاء نيوت جينجرتش بالجمهوريين لمقاعد الأغلبية في 1994، وقامت مع الوقت بتطهير الحزب من تيار الوسط فيه.
وقد تمددت تلك النخبة حينما صنعت تيار حفل الشاي صنعاً عبر دعم لوجستي ومالي وتنظيمي ضخم. ثم جاء ترامب ليمثل وصول جموح هذه النخبة إلى الذروة. وبالمناسبة، لا أستبعد تولي نيوت جينجرتش، العقل المدبر منذ التسعينات، منصباً مهماً في إدارة ترامب!
1144 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع