غموض في علاقة ترامب المستقبلية مع الكونغرس

                                                              

                               د. منار الشوربجي


العلاقة بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب والكونغرس ستكون حاسمة في مدى قدرة الرئيس الجديد على تنفيذ تعهداته، التي أطلقها أثناء الحملة الانتخابية.

فليس سراً أن المواقف التي اتخذتها قيادات الجمهوريين في المؤسسة التشريعية الأميركية خلال الانتخابات كانت متباينة إلى حد كبير، فأثناء الحملة الانتخابية كانت العلاقة بين مرشح الرئاسة الجمهوري دونالد ترامب ورئيس مجلس النواب من الحزب نفسه بول رايان تراوحت بين البرود والتوتر الشديد، الذي وصل لذروته، قبل أن يقوم رايان بإعلان تأييده لترامب في الأيام الأخيرة قبل الاقتراع العام.

وبينما ظل عموم أعضاء مجلس النواب الأكثر تأييداً لترامب من أعضاء مجلس الشيوخ، الذين ناهضه بعضهم علناً، فإن ميتش ماكونيل، رئيس مجلس الشيوخ نفسه، قد اتبع أثناء الحملة الانتخابية استراتيجية فريدة من نوعها، وهى التزام الصمت تجاه موقفه من مرشح حزبه للرئاسة، وترك كل عضو في مجلس الشيوخ من أعضاء حزبه ليتخذ موقفه من ترامب وفقاً لما تمليه عليه ظروف حملته.

والجمهوريون، بالمناسبة، لم يتخذوا موقفاً موحداً خلف ترامب في الحملة، ليس لأنه لا يمثل الحزب وإنما لأنه قال بخطابه الفج صراحة ما كان رموز الحزب يقولونه بلغة شفرية لعقود، وما إن فاز الرجل حتى اعتبروا نصره نصرهم!

لكن يبدو أن ترامب يتوقع من حزبه في الكونجرس أن يعاملوه باعتبارهم مدينين له بالفوز، ويتوقع من أعضاء الحزب الديمقراطي ألا ينسوا له أنه أسهم في أعوام سابقة في تمويل حملاتهم الانتخابية.

فقد نشرت صحيفة ذي هيل أن ستيفين مور، مستشار ترامب الاقتصادي حضر اجتماعاً للجمهوريين في مجلس النواب قال لهم فيه إن عليهم أن يكفوا عن النظر لأنفسهم باعتبارهم «حزب ريجان»، لأنهم صاروا «حزب ترامب»، مؤكداً أنه مثلما «قام ريجان بجعل الحزب الجمهورى الحزب المحافظ فإن ترامب جعله الحزب الشعبوي للطبقة العاملة».

وستيفين مور معروف بأنه من المحافظين الذين طالما دعوا إلى مواقف «حزب ريجان» نفسها في الاقتصاد، أي خفض الضرائب بالذات بالنسبة للشرائح الأعلى في المجتمع والشركات الكبرى والحد من القيود والإجراءات الحكومية التي تحكم عملها، ولكنه قال في اجتماع مجلس النواب إنه غيّر رأيه بعد أن جاب خلال شهور الحملة مناطق كثيرة.

ورأى بنفسه الوضع الاقتصادي المتردي للعمال، غير أن تصريحات ترامب نفسه في ما يتعلق بالاقتصاد تناقض ما قاله مور، فهو قال مثلاً، فى حواره مع هيئة تحرير النيويورك تايمز وكتابها، أنه ينوي تخفيض الضرائب على الشركات العملاقة والحد من الإجراءات الحكومية، ليشجعها لتنقل أعمالها إلى داخل الولايات المتحدة، لكن أهم ما قاله مور لم يكن عن تفاصيل السياسات الاقتصادية ليست في تقديري وإنما عما يتوقعه ترامب في علاقته بالكونجرس، فهو معنى أكده ترامب بشكل يستحق التأمل في حواره مع النيويورك تايمز.

فحين سئل ترامب حول مستقبل الحزب الجمهوري خصوصاً أن الكثير من «قيادات الحزب لا يتفقون معك» في أمور كثيرة، قاطعه ترامب قائلاً «ولكنهم اليوم يحبونني. الآن بول رايان يحبني ومتش ماكونيل يحبني.

مدهش مدى تغيير الفوز للأمور»، لكن صاحب السؤال أصر على الاسترسال سائلاً ترامب إلى أي مدى تعتقد أنك ستكون «قادراً على التفاوض مع كونغرس ذي أغلبية جمهورية، وأنت نوع مختلف من الجمهوريين»، فكانت إجابة ترامب «لا يقلقنى هذا الأمر. لأنني لم أكن في حاجة لأن أفعل ذلك»، (يقصد خوض معركة الرئاسة)، ثم استطرد يتحدث عن أولئك الذين «يحبون دونالد ترامب» من الناخبين الغاضبين.

والحقيقة أن هناك استراتيجية معروفة يستخدمها أحياناً الرئيس مع الكونغرس وهو أن يجعل اختلافه معهم في العلن ويقوم بتحكيم الرأي العام، لكن تلك الاستراتيجية تمثل مخاطرة يحسبها الرئيس جيداً وهي على أية حال تختلف عما قاله ترامب، فالاستراتيجية يستخدمها الرئيس بعد تفاوض مضنٍ مع المؤسسة التشريعية وصل لطريق مسدود، بما يختلف جذرياً عن اعتبار الرئيس «الثري» لم يكن في حاجة لأن يصبح رئيساً، لكن لعل الأقرب لمقصد ترامب هو خبرة جيمي كارتر مع كونغرس من حزبه نفسه، فكارتر كان من أقل الرؤساء نجاحاً في التعامل مع الكونغرس.

لأنه، دون قصد، كان يعطي الانطباع لأعضاء حزبه بأن عليهم أن يوافقوا على مشروعات قوانينه، لأنها «في صالح الناس»، لا عن طريق إقناعهم بجدواها والتفاوض معهم، والوصول لحلول توفيقية.

أما في ما يتعلق بالديمقراطيين، فالتعليق الذي قاله ترامب في الحوار نفسه عن زعيمهم في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، بالغ الدلالة، فهو قال «لقد جمعت الكثير من المال، ودفعت الكثير لتشاك عبر السنين. وأظن أنني كنت أول من مول حملة له، فهو جاءني في مكتبي.

ولا أعرف ما إذا كان مستعداً للاعتراف بذلك»، ولأنه لا توجد سوابق لرئيس كان يمول حملات انتخابية للكونغرس، فمن غير الواضح كيف سيتعامل معه الأعضاء، الذين تلقوا تمويلاً من ترامب كونه رجل أعمال في حملاتهم الانتخابية!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

872 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع