بقلم صحافي عراقي
كنت في إحدى كنائس بغداد الجميلة في واجب صحفي لتغطية قداس يوم الأحد والتقينا بأبونا ميسر وتحدثنا طويلا حول الحال والأحوال لكن ما استوقفني هو هذه المرأة العجوز الطاعنة في السن وهي تحاول دون جدوى إشعال شمعة أمام تمثال السيدة العذراء ….
كما يبدو للجميع فالمرأة العجوز هي عراقية مسلمة وواضح من العباءة التي ترتديها وقفت قريبا منها محاولا أن أسمع ما تقول وهي تنظر إلى تمثال مريم العذراء …. ثم اقتربت وأشعلت لها الشمعة وابتعدت قليلا … محاولا أن أسمع ماذا كانت تقول… المرأة العجوز “يا مريم العذرة .. شوفينا بعينچ وشوفي حالنا … كلها تذبح بينا واحنا لا حول ولا قوة…. يا مريمانه …. ابني أخذوه من حضني مثل ما أخذو منچ ضناچ …. إنتي أم وتعرفين حرگة گَلبي يا مريمانة رديلي وليدي دخيل الله ودخيلچ.. يا مريمانة العراق مصلوب ! عليچ أبو الحسنين ادعيلنا يا مريم … وفكي ضيجة العراق وضيجة ابني …. يا مريمانة لو چانت روح ابني تخلص هالوادم كلها … هم أقبل يا مريمانة لا تخلين گلب أم ينكسر مثل گلوبنه ! سكتت المرأة مطولا … ثم قرأت الفاتحة مهداة إلى (محمد وآل محمد, ولعيسى بن مريم ومريم بنت عمران وكل العراقيين”! توقفت الأرض عن الدوران عندي … وصار هدوء مخيف …. وتذكرت كل ما قيل ويقال عن التقسيم والهوسة والاقاليم …. ليكن ما يكون إذا كانت النتيجة حقن الدماء وراحة الإنسان … لتحترق الأرض بما فيها لكن كيف يمكن تقسيم قلب هذه المرأة؟؟ كيف يمكن تسييس هذه المرأة؟ كيف يمكن إقناع هذه المرأة وملايين مثلها من العراقيين الحقيقيين بأن ربما سيأتي يوم فيه وتصبح المقدسات حصرا على أصحابها ..؟؟ قسموا أرضي كما شئتم …. لكن الكنائس لن تكون حصرا على المسيحيين فقط وكربلاء والنجف والكاظمية والمراقد لن تكون حصرا على الشيعة فقط وأبو حنيفة والگيلاني لن يكون حصرا على السنة فقط فالمقدسات كما الأوطان ….هي ملك للبشر …للناس جميعاً غادرت الكنيسة وعبارة العراق مصلوب ترن في أذني إلى يومنا هذا (عليچ أبو الحسنين ادعيلنا يا مريم) كيف يمكن تقسيم هذه الجملة والقلب الذي نطقها …
581 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع