ترجمة : د. ضرغام الدباغ
مقدمة :
كنت قد قرأت هذه المقابلة : بين وزير الخارجية السويدي، ومحرر من صحيفة شتيرن الألمانية (Stern) وصدرت بعدد المجلة 47 بتاريخ 12/ تشرين الثاني ـ نوفمبر / 1981، وكنت قد قمت بترجمتها، وأرسالها إلى الجهات المعنية في وزارة الخارجية العراقية للأستفادة منها.
وعلى مدى سنين طويلة من التماس مع الدبلوماسية إن بصورة مهنية ومباشرة كدبلوماسي، أو من خلال تخصصي في العلوم السياسية، أطلعت على الكثير جداً من الانشطة الدبلوماسية، ولكن هذه المقابلة بقيت في ذهني على أنها عمل فريد. وزير الخارجية السويدي في هذه المقابلة يدير المقابلة ببراعة، ويتجنب أي كلمة لا داعي لها، وقد أعدت قراءة هذا النص مرات عديدة فلا يمكن للقارئ إضافة كلمة أو شطب كلمة منها، في مقابلة شفهية غير مكتوبة وعلى هذه الدرجة من المتانة السياسية، فلم يتمكن الصحفي الألماني رغم حذاقته أن يسحب الوزير السويدي إلى موقف، أو أن ينتزع منه تصريحاً لدافع الانفعال.
الموقف السياسي العام في تلك السنوات كان يتمثل : السويد تريد أن تتجنب الاحتكاك الضار مع السوفيت، والحفاظ على سيادتها وحيادها، والغرب يريد أستغلال هذه الحادثة لدفع السويد إلى أحضان الناتو
أعيد هنا توزيع هذه المقابلة، للأستفادة منها
ضرغام الدباغ
" لقد استلمنا غواصتنا، شكراً لمساعدتكم، إلى اللقاء "
بهذه الكلمات التي تنطوي على معاني عديدة، أنهي رئيس البحرية السوفيتية، يوم الجمعة الماضية، ما يمكن أن يعد فضيحة العام لموسكو والتي جرت على السواحل الجنوبية للسويد وأستعاد السوفيت غواصتهم من طراز U- 137 بطاقمها المؤلف 56 رجلاً بصحة جيدة، ولكن بعد إقامة غير اختيارية لمدة تسعة أيام لطاقم القطعة الحربية العاطلة التابعة للأسطول الأحمر البلطيقي، قبل أن تعود إلى قاعدتها جينزفيورد. وكانت هذه الغواصة بحسب تقدير رئيس الوزراء السويدي الرسمية تحمل رؤوساً نووية.
فوجئ معهد البحوث العسكرية في لندن IISS ومعهد سيبري Sipri في ستوكهولم، إذ كانوا يعدون الغواصات الستة وأربعين من فئة ويسكي Whisky Classe (أسم كودي تطلقه الناتو على هذا الطراز من الغواصات) في الأطلسي وبحر البلطيق باعتبارها غواصات تحمل أسلحة تقليدية، على عكس الغواصات السوفيتية المزودة بالسلاح النووي من فئة غولف Golf- Classe، وإذا صحت هذه المعلومة، فلابد إذن إعادة النظر في كميات الأسلحة النووية، وبذلك يحل عنصر جديد في مناقشات التسلح.
هرع معهد الأبحاث العسكري في لندن IISS يبحث لدى أركان وزارة الدفاع السويدية، ولكن في البدء كانت أدلة الخبراء السويديين واهنة على وجود أسلحة ذرية، بيد أن ثلاثة من الخبراء في قسم الأبحاث بوزارة الدفاعFOA، اقتربوا ليلاً من الغواصة U-137، اكتشفوا أخيراً في فتحة قذف الطوربيد إشعاع لأشعة غاما Gamma ينبعث من اليورانيوم 238 الغير مضر في واحدة من الطوربيدات الثمانية عشر، وبذلك أصبح خبراء قسم الأبحاث بوزارة الدفاع FOA أمام نتيجة جديدة.
في ستوكهولم تحدث ماريو ديتريش محرر مجلة شتيرن مع أولا أولستن وزير الخارجية حول قضية الغواصة السوفيتية:
شتيرن : لقد عادت الغواصة U-137 إلى الاتحاد السوفيتي، وتركت ورائها عدداً كبيراً من الأسئلة المفتوحة، هل حقاً كانت الحكومة السوفيتية قد سلحت تلك الغواصة بالأسلحة النووية ؟
الوزير أولستن : نعم لدرجة أن يمكن القول ذلك، لقد اكتشفنا في عدة حالات اختبار إشعاعات.
شتيرن : من يورانيوم الصنف 238 ...؟
الوزير أولستن : نعم، الخبراء لا يشكون في ذلك، ولا يمكن أن يكون هناك سبب آخر سوى وجود أسلحة ذات رؤوس نووية. وقبل كل شيء فقد أعطينا الفرصة للسوفييت أن ينفوا وجود الرؤوس النووية، ولكنهم لم يفعلوا ذلك.
شتيرن : ولكنهم أيضاً لم يؤكدوا وجودها .
الوزير أولستن : لقد كان الأمر سهل ليقولوا: هذا غير صحيح. وبوسعكم أن تتأكدوا بنفسكم عن ذلك في الغواصة. لقد منحنا الروس وقتاً لمدة أربعة أيام لكي ينفوا وجود قنابل ذرية على متن غواصات بدائية.
شتيرن : أي أسلحة نووية ترجحون وجودها في الغواصة .؟
الوزير أولستن : يقدر خبرائنا وجود حوالي عشرة كيلوغرامات من المواد الانشطارية والانفجارية، كما في قنبلة هيروشيما. كانت هناك 18 طوربيد في الغواصة، ولدينا المعلومات أن واحداً من تلك الطوربيدات كانت مزودة برأس نووي، ولكن واحدة فقط من فتحات الطوربيد في الغواصة تمكنا من فحصها.
شتيرن : هل أختبر خبرائكم فيما إذا كان اليورانيوم 238 لم تستخدم من أجل تنظيم وزن الغواصة كما يفعلون في الطائرات أو السفن ..؟
الوزير أولستن : لقد قمت بطرح هذا السؤال بالضبط، لأننا نمتلك التجارب بهذا الصدد، فقبل بضعة سنوات هبطت طائرة ركاب للخطوط الجوية الأسبانية، في مطار آرلاندا (استكهولم) لأسباب تتعلق باليورانيوم ومساحة الحمل، ولكن في السفن الحربية لا يستعمل اليورانيوم كمادة للتوازن، وهي ليست ضرورية.
شتيرن : هل من الممكن أن تكون ألغام ذرية .؟
الوزير أولستن : خبرائنا العسكريون يعتبرون أن ذلك غير ممكن.
شتيرن : ولكن إشعاع غاما يصعب قياسه عبر جدران السفينة.
الوزير أولستن : لقد تم ضبط أشعة غاما بدقة، والعلامات كانت واضحة بدرجة لا يمكن الحصول على أفضل منها إلا إذا صعد الفاحص على متن الغواصة ويقوم بفحص الطوربيدات واحدة واحدة.
شتيرن : ولماذا لم تفعل السويد ذلك ..؟
الوزير أولستن : كنا سنواجه بمقاومة، وبالطبع كان بوسعنا استخدام القوة. ولكننا منذ البدء كنا قد قررنا أسلوب العمل، وكنا ندرك أن الثمن سيكون باهظاً جداً.
شتيرن : هل تقصدون إسالة الدماء على أرض الغواصة .؟
الوزير أولستن : لم نكن لنرغب أن تصل الأمور إلى هذا الحد، فبالنسبة لنا كان الأمر شأناً سياسياً.
شتيرن : الكثير من الخبراء العسكريين في الغرب بدت لهم رؤيتكم غير معقولة، لأن وجود أسلحة نووية على متن غواصة بطيئة لا معنى لها، لا سيما في مهمة تجسسية.
الوزير أولستن : لقد فكرنا في ذلك أيضاً. كل شيء كان ضد أحتمال وجود رؤوس ذرية. وقد فوجئنا بالرد السوفيتي. (هامش: حمل السفير السوفيتي ميخائيل ياكوفيف الرد وكان ينص:" أن الغواصة الروسية التي تحمل الرقم 137 كانت تبحر كباقي السفن العسكرية في البحار بسلاحها وعتادها الضروريين" ).
شتيرن: هل ستغير هذه الواقعة من الموقف العسكري في منطقة بحر البلطيق .؟
الوزير أولستن : نعم، فأنا لا أرى شعباً آخر يبحر بقطع حربية برؤوس نووية في البلطيق.
شتيرن : إلى ماذا توصلتم عن مهمة الغواصة .؟
الوزير أولستن : ليس بالتأكيد، ولكن تحقيقاتنا توصلت إلى قرار بأنهم كانوا عملياً في فعالية ممنوعة.
شتيرن : هل صحيح ما يقال من أن البحرية السويدية كانت تجرب في منطقة كارلسكرونة طوربيداً جديداً.
الوزير أولستن : نعم هذا صحيح فقد كانت ممارسة تكتيكية لطوربيد جديد يستخدم من الطائرات العمودية مضاد للغواصات، ولم يكن ذلك معلناً.
شتيرن : الممارسة كانت يوم الثلاثاء المصادف 17/ أكتوبر ـ تشرين الأول تماماً في الوقت الذي طفت فيه الغواصة U-137 .
الوزير أولسن : نعم، يمكن القول بأنها كانت صدفة، فأنا اشك بأن السوفيت يرسلون غواصة كهذه لمراقبة العملية في تلك المنطقة.
شتيرن : تفترض الصحافة السويدية، أن شخصاً ما في القيادة العسكرية أو المدنية في بلادكم، قد أعطى المعلومة للسوفيت، لأن تلك لم تكن المصادفة الأولى.
الوزير أولستن : ستهتم قيادتنا العسكرية وأجهزة الأمن بهذا الشأن.
شتيرن : لماذا لم تقدموا القبطان جوشتشين وبحارته أمام المحكمة، حيال خرق واضح للقانون الدولي كهذا .؟
الوزير أولستن : لم نكن نشاء التعامل مع القبطان جوشتشين وبحارته، بل مع من أرسلهم.
شتيرن : هل كان هناك ضباط آخرين برتب عالية على متن الغواصة .؟
الوزير أولستن : نعم ، ربما من نوع الضباط السياسيين، ويبدو أن هذا الأمر اعتيادي على متن السفن السوفيتية.
شتيرن : هل هناك إشارات بأن فرداً من البحارة كان يرغب باللجوء السياسي .؟
الوزير أولستن : كنا سنمنحهم ذلك، حتى للقبطان. ولكن لم يقدم أحداً مثل هذا الطلب.
شتيرن : من الواضح أن القبطان جوشتشين لم يكن متعاوناً، هل تكون لديكم الانطباع بأنه كان يتلقى أوامر متناقضة من بلاده.؟
الوزير أولستن : يمكننا القول أن القبطان كانت لديه الأوامر بأن لا يكشف لنا حقيقة مهمته. وأستمر على موقفه "خطأ ملاحي" . وكان هناك تناقض بين أقواله، وبين أقوال ضباط الملاحة. وأدعى القبطان، أنه كان يعتقد بأنه أمام ساحل الجزيرة الدنمركية بورنهولم Bornholm، فيما تحدث ضباط الملاحة عن السواحل بولندية، لكن القبطان أستمر على موقفه.
شتيرن : لماذا لم يحتج السويد بحد على خرق الغواصة U-137 للقانون الدولي .؟
الوزير أولستن : لقد عرضنا شروطاً على الروس من أجل أطلاق سراح الغواصة. ووافقوا عليها، وسيفكر السوفيت مرتين قبل أن يرسلوا غواصاتهم إلى المياه السويدية مرة أخرى. إذن فأنا أعتقد بأننا توصلنا إلى ما نريد، فإننا كنا سنواجه المتاعب بفرض عقوبات.
شتيرن : الخوف من قوة عظمى .؟
الوزير أولستن : كان تصرفنا واضحاً، وكان يجب اتخاذه منذ زمن بعيد، بعيد .
شتيرن : بعض العسكريين يعتبرون من الممكن، أن يلجأ السوفيت إلى استخدام السواحل السويدية كمخبأ للغواصات في حالات الحرب ؟
الوزير أولستن : إنني أعتقد أن السوفيت يستخدمون كافة سواحل البلطيق للأغراض العسكرية، وقد تمثل بعض الأمكنة السويدية كملاجئ، البدائل لهم عن الأرض.وهذا هو بالطبع الجانب المتفجر في القضية: إلى أي مدى يمكن لدولة محايدة كالسويد البقاء بعيداً عن الصراعات بين الأطراف المتحاربة.؟لذلك فإننا سنفعل كل شيء لحماية حدودنا، حتى لو كنا ضعفاء عسكرياً.
شتيرن : هل يخترق المجال الجوي، أو المياه الإقليمية السويدية غالباً .؟
الوزير أولستن : كثير جداً، بالطبع ليس كل يوم، ولكن في الأعوام الأخيرة كثرت زيارات الغواصات !
شتيرن : حتى من قبل القوى الغربية .؟
الوزير أولستن : حتى الآن لا توجد لدينا مؤشرات بوجود غواصات للناتو في مناطقنا، ولكن ذلك ممكن .
شتيرن : هل على السويد الآن إعادة التفكير بوضعها كبلد محايد ؟ لقد أعلن وزير دفاعكم قبل وقت قليل، بأن على الرغم من الوضع الحيادي للسويد، فإنها تعتبر الولايات المتحدة قوة ديمقراطية عظمى.
الوزير أولستن : نحن نحتفظ بوضعنا كدولة محايدة في أوقات السلم، لكي نتمكن من الوقوف على الحياد في أزمنة الحرب. ولكن ذلك لا يعني إننا محايدون في القيم والمبادئ، إننا ندافع عن سيادتنا والبلدان الأخرى، فنحن ندافع عن حقوق الإنسان في العالم بأسره، في الشرق والغرب. لقد أربكنا الأمريكيون طوال فترة حرب فيثنام، وقبل وقت قصير انتقدنا إنتاج الأمريكان للقنبلة النيوترونية، وكذلك دعمهم للطغمة الحاكمة في السلفادور. إن السياسة الخارجية السويدية تدعم القيم الديمقراطية حيثما يكون ذلك ضرورياً، سم ذلك إن شئت قيماً غربية.
شتيرن : كانت السويد من جملة الدول التي طالبت بمنطقة البلطيق خالية من الأسلحة النووية، هل ما زلتم على ذلك النهج .؟
الوزير أولستن : إن حادثة الغواصة تعني، كم هو ضروري ذلك. ولكننا إذا طالبنا بمنطقة خالية من الأسلحة النووية، سوف لن نكتفي بقطعة ورق عليها توقيع برجنيف، أو أي فرد آخر، إن الأمر بالنسبة لنا هو نزع سلاح حقيقي، للأسلحة النووية للطرفين، وسحب الغواصات من بحر البلطيق هو فقط مثال على ذلك. والروس يمتطون منذ زمن بعيد موجة السلام ونحن نسهل الأمر عليهم. ولكني عندما تحادثت مؤخراً مع وزير الخارجية السوفيتية عن اتفاقيات، كانت إجابته فقط: لندع ذلك للمفاوضات. وهذا يظهر أنهم متحفظون على الأمر كالغربيين.
شتيرن : هل تعتقدون أن العروض السوفيتية حول نزع السلاح هي أقل من ذي قبل .؟
الوزير أولستن : لم أعتمد على مصداقيتهم مطلقاً.
شتيرن : هل سوف تطرحون قضية الغواصة التي كشفتم عنها في محادثات نزع الأسلحة.؟
الوزير أولستن : نعم، الحادثة قد أظهرت التمييز بين الوسائط الناقلة للسلاح النووي ليست دقيقة تماماً، فالغواصات من فئة W لا يمكن اعتبارها من وسائل نقل للسلاح النووي، فهنا نشاهد بوضوح منطقة "رمادية"، وهذه استنتاجات سياسية من حادثة الغواصة.وهي ثمرة غاضبة، لقد غضب الجميع عندما تحدث الرئيس ريغان عن حرب نووية محدودة، ولكن الأمر يبدو وكأن آخرين يعملون في ذات الاتجاه.
شتيرن : هل تقصدون أن الحرب الذرية المحدودة هي جزء من استراتيجية الاتحاد السوفيتي؟
الوزير أولستن : عندما تقصد بسلاح كهذا ميناءاً فهو هجوم ذري، ذو تأثيرات كبيرة.
شتيرن : إذن بوسعنا القول أن شعار موسكو عن بحر البلطيق بأنه "بحر السلام " قد دفن .؟
الوزير أولستن : لقد أصيبت مصداقية السوفيت بجرح.
شتيرن : هل تعتقدون سيكون بعد هذه الحادثة، نوايا سيئة للسوفيت حيال السويد .؟
الوزير أولستن : ليس ضد السويد. لقد أظهر أن الاتحاد السوفيتي يحاول أن يبني سياسته الدفاعية على حساب الآخرين، وأن يحسن من موقفه الاستراتيجي. وما هو محزن، أن كلا المعسكرين يفعل ذلك، إذ لا يوجد ثقة بين المعسكرين، إن السعي لإحراز التفوق يقرب العالم من حافة الدمار. أنه أمر يخيفني، ولكنه يمنحنى الثقة في نفس الوقت حول ضرورة التقدم بقوة نحو الحوار بين القوى العظمى من أجل نزع السلاح.
ــــــــــــــــــــــــ
* مخطط للغواصة السوفيتية ملحقة بالمقال
* يرجى الانتباه أيضاً لأسئلة الصحفي الذكية والاختصاصية
1891 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع