صالح الطائي
رأي أقوله بصراحة في بعض، أكرر في (بعض) الذين امتطوا صهوة جواد المتنبي في مهرجانه الرابع عشر، وما هم بفرسان!
لست شاعرا، ولكني مغرم بالشعر مثلما أنا مغرم بطيب الطعام، وكلاهما الشعر والطعام أتذوقهما قبل البدء بهما بطقوس مهيبة، تَعِدُ بمتعة لبعض الوقت أو تصدمني وتخيب آمالي، فإن تلائما مع ذوقي أشعر معهما وكأني أغازل فتاة جميلة ساحرة تستجيب لها كل ذرة من مكونات جسمي وعقلي، فأغرق في ضباب من فرح شفيف، وإن تنافرا أشعر وكأني مقيد بأصفاد ثقيلة إلى هرمة تسعينية ممتعضة مصابة بالصمم والعمى ولكن لسانها سليط ورائحتها نتنة، يذكرني النظر إليها بالمقابر والدافنين(الدفانين).
معادلة غريبة تكونت، وعششت في مخيالي منذ مراحل الوعي الأولى في صباي يوم كنت أقرأ للمتنبي والجواهري والنجفي وأبي تمام والمعري ومالك بن الريب وشعراء المعلقات والحلي والسياب ومحمود درويش وصولا إلى قراءاتي المتأخرة عن يحيى السماوي وقاسم والي وكاظم حجاج ومحمد حسين آل ياسين وحسين القاصد وحسن سالم الدباغ، وثلة من الشعراء الرائعين.
وعلى طول الطريق تسببت لي هذه المعادلة اللاشعورية بمشاكل وإشكالات ليس مع من يجيدون الشعر، فهؤلاء لو لم تكن روحهم مفعمة بالشعور وغرقى بالمشاعر، ويتناغمون مع ذائقتي، ما كانوا ليصبحوا شعراء مبدعين شفافين، يقدمون لنا ألوان النسمات العذبة، ولكن مع أولئك الذين فرضوا أنفسهم فرضا، وأجبروا الآخرين على سماعهم، واستجدوا التصفيق رغم هزالهم، فظنوا توهما أنهم شعراء، وهم بدون شعور ولا مشاعر ولا شاعرية ولا شعر.
وربما لهذا السبب أجدني مثلما تفاعلت مع مهرجان المتنبي في الدورات السابقة ، التي تركت في ذاكرتي خيبات وحسرات، أتعامل معه في دورته الأخيرة، لأن بعض من قرءوا في الدورات السابقة، استفزوا مشاعري، وأثاروا تحسسي، فحرموني من سماع تغريد الجيدين، ومع ذلك، تحاملت على نفسي، عسى أن تتاح لي فرصة التحليق مع روائع شعراء العراق المجيدين المجدين الجيدين، فيمسحوا غث ما قد أسمع، فحضرت إلى جلستين من المهرجان الأخير، جلسة الافتتاح وجلسة الختام، وحتى مع جميل ورائع ما سمعته من بعض المبدعين إلا أن سماعي للبعض الآخر جعلني أندم على التفريط بهدوء نفسي، والمجازفة بالحضور، وتحمل عبء بعض المحسوبين على الشعر، وهم عبء ثقيل عليه وعلينا.
والآن بعد أن طوي سرادق العرس، وعاد المتنبي إلى رمسه، وأظنه كان مملوءً بالأسى والأسف والحسرة مثلي؛ وهو ينظر إلى من يدعون أنهم خلفاؤه وأمناؤه على الشعر يغدرون به، يحق لي أن أبدي رأيي صراحة، لأنه لن يتاح له أن يسمعه فيتأثر، وتثار شجونه. وهو ليس رأيا نقديا بقدر كونه ملاحظات عابرة قد يختزلها بشكل مفهوم وواضح جدا ما سيرد في آخر المقال مما يسمى شعرا، كأنموذج مشابه لبعض ما قرئ وسمي شعرا.
على العموم وبالرغم من آنية التخطيط وعدم وجود خطط مسبقة مدروسة، كانت اللجنة المشرفة موفقة وناجحة. وكان المهرجان من حيث التنظيم مقبولا مع أنه لم يأت بجديد باستثناء قراءات النقد الواسطية، فالتقليدية كانت طاغية عليه.
وبالرغم من وجود عدد كبير من كبار شعراء العراق البارزين، إلا أن وجود قلة من المحسوبين على الشعر، أوهنت جانب القراءات، وأنسحب وهنها على الجيدين، وكنت اتمنى لو منع هؤلاء من الصعود إلى المنصة!.
وإلى هؤلاء تحديدا، أقصد بعض الذين امتطوا صهوة جواد المتنبي في مهرجانه الرابع عشر وهم ليسو بفرسان، أهدي هذه (القصــ ...... يده) لأقول لهم: أنا لست شاعرا ولكني تعلمت الشعر منكم، وتخرجت من مدرستكم بعد أن أجبرتموني على سماعكم، فنظمت على وزن وقافية ما نظمتم هذه (الأبيات) اليتيمات البائسات لأنقل إلى الناس لا لكم صورة عما حدث ودار:
يا بط يا بط قد فاض الشط
وصاح الديك وهرب القط
وسقط الشِعر وانكسر المشط
وماتت القوافي والأوزان
في البستان
وأنا أترنح مثل السكران
أشم عطور الغثيان
وسائق التاكسي
لا زال يداعب غليونه
يسبل عينيه بلا وعي
وكأنه بنت عذراء
تتلمس قطرات الماء
لتمسد شَعرا كالأسنان
سائق التاكسي كأنه بنت عذراء
فقدت فردة حذائها في حفلة عرس
آه من وجع الضرس
ومن الفلس إذا غاب عن الجيب
والدرنفيس الأخضر المزروع في الصدر
لا يعلم الغيب .. كم هو عيب!
وأنت لا تدري ما عذري!
وفي ختام قصتي، أقول
لو بيتنا قريب أهديكم الزبيب
وصديقتي لا زالت تنتظر أن
أرمش لها أو أبعث مس كول
وهاتفي خال من الشحن
وبعد كل هذه المحن
سماعكم يزيدني وهن
وأنا أحب الشعر
1767 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع