موته عن موته تختلف

                                                    

                                 د.علياء الكندي

                 

قبل فتره ... توفى مريض كنت انا اخر طبيب عاينه... و كإجراء طبيعي كان علي أن أذهب لاعاين جثته واخرج له شهادة الوفاة وأملأ استماره طبيه تؤيد أن الجثة لا تحتوي على أي اجهزه طبيه أو معادن ( يتطلب ملء هذه الاستمارة في حالة اختار أهل المتوفي حرقه بدل دفنه . أو في حالة ان يكون الشخص قد أوصى قبل وفاته بحرق جثته.. للتأكيد بأن حرق الجثه آمن ولن يؤدي إلى أي انفجارات)

ذهبت لمعاينة الجثه... في مكتب خدمات الدفن ... يقوم هذا المكتب مقابل مبلغ مالي مدفوع مسبقاً من المتوفي بالقيام بجميع إجراءات الدفن/ الحرق ... ابتداءاً من نقل الجثة من مكان الوفاة وحفظها في الثلاجه إلى تحضيرها من حيث الملابس والمكياج والنقل إلى الكنيسه للقيام بالصلاة الاخيره على المتوفي وقيام أقاربه واصدقائه بإلقاء النظره الاخيره عليه ، وحتى دفنه أو حرقه ...

ذهبت إلى ذلك المكان ... بنايه قديمه على الطراز الفيكتوري.. سيارات من نوع مرسيدس سوداء خاصه لنقل جثامين المتوفين تقف في الخارج ... صالة استقبال جميله مؤثثه بذوق عالي .. موظفه ممشوقه انيقه في الاستعلامات تستقبل الزوار وأقارب المتوفيين... صاله مخصصه لاقارب المتوفي مع ماكنة قهوه وشاي وماء بارد لراحتهم...
موسيقى هادئه تسمعها أينما ذهبت داخل البنايه...
رحبت بي الموظفه.. قدمت لها نفسي فشكرتني على حضوري ونادت على موظف آخر لياخذني إلى مكان الثلاجه ...
قادني الموظف الأنيق المبتسم عبر ممر طويل .. تملؤ جدرانه لوحات زيتيه لمختلف أنواع الورود ... ارضيه مغطاة بسجاد أخضر فيكتوري... و باقات ورد مصفوفة على جانبي الممر تبعث الأمل والفرح في ذلك المكان الذي من المفترض أن يكون حزين وموحش...
وصلنا نهاية الممر ... حيث الباب الخشبي الكبير .. فتح الباب وطلب مني الدخول ... غرفه كبيره كل شيء فيها ابيض .. الجدران والارضيه والمغاسل... وأبواب حديديه في الحائط... كانت بارده جدا .. بالأحرى كانت ثلاجه كبيره .وكان صوت الموسيقى في هذه الغرفه أعلى بقليل من بقية المكان.. سألني الموظف عن اسم المتوفي الذي جئت لمعاينه.. أخبرته الاسم فنظر إلى سجله المعلق على جانب الباب للتأكد من رقم تواجد الجثه... توجه إلى إحدى الأبواب الحديدية وفتحها برفق.. كأنه يفتح باب غرفه فيها طفل نائم يخاف إيقاضه ... خرجت جثه مستلقيه مغطاة بشرشف ابيض ... وقبل أن يزيل الموظف الشرشف عن الجثه قال (excuse me Mr. X ) بعد اذنك سيد فلان ... اي انه استأذن من المتوفي قبل أن يزعجه...
كان المتوفي يرقد بهناء وعلامات الاستمتاع بالنومه الهنيئه والموسيقى الهادئه واضحه على وجهه ... لم يكن مخيفاً ابدا ً ... كان يبدو بالضبط كما رأيته قبل عدة أيام في فراشه ...
قمت بما يلزم من فحوصات... و قادني نفس الموظف بعدها إلى غرفة المكتب ... احضر لي كوب قهوه لأقوم بكتابة تقريري...
انهيت كتابة التقرير واستلمت شيك موقع باسمي بمبلغ معين يجب على أهل المريض دفعه للطبيب الذي يقوم بهذه المهمه ... وذهبت...
لم أخف ليلتها.. ولم أفكر ابدا بهذا الموقف  حتى  اليوم ... حين سمعت بخبر #تفجير ثلاجة الموتى في #مستشفى_الصدر ، فحدثني عقلي بمقارنة غير عادله تماماً ...
فكرت بشكل المكان ... و الضجيج... وصوت الانفجار  ... فكرت بدخول ذلك الانتحاري على الجثث بلا استئذان... و حرقه لهم بطريقه مختلفه تماما  ... فكرت بهم .. وباهلهم... وبذلك الوطن ... الذي لا ينتهي فيه الوجع حتى بعد الموت
لطالما تمنيت أن لا اموت غريبه ... وان اموت وادفن في وطني  لاني لا أريد أن ادفن في الغربه .. ولا أريدهم أن يحرقوا جثتي ...
لكن ... ما حدث اليوم ... ربما .... قد ... .... يجعلني اغير رأيي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

556 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع