عدنان حسين
تخيّل أنك منضمّ إلى جلسة، وقال أحد الجلّاس إنه في لبنان الذي تتوسط عَلَمه شجرة أرز لم يعد الأرز ينمو فيه، أو إنّ كندا التي تتوسط عَلَمها أيضاً ورقة قيقب (أسفندان) ما عاد شجر القيقب يعيش فيها، أو إنّ الزيتون لم يعد يُزرع في فلسطين أو شجرة البتولا المخلّدة في الروايات الروسية والسوفييتية اختفى كلّ أثر لها في الغابات الروسيّة .
لا شكّ أنّ الجميع سيعتبر هذه "الخبرية" مجرّد مزحة، فمن الصعب استدعاء صورة لبنان إلى الذهن من دون الأرز ولا كندا من دون القيقب ولا فلسطين من دون الزيتون ولا روسيا من دون البتولا.
ما رأيكم أنّ هناك بالفعل واحداً من بلدان العالم صار مقبرة لشجرته الوطنية؟.. لا تذهبوا بعيداً.. إنه بلدنا العراق، فالنخيل صار يموت بالجملة هنا، والمقابر الجماعية للنخيل تمتد الآن من قلب العاصمة بغداد التي كان ما يزيد على نصف مساحتها في الماضي بساتين نخيل غنّاء، إلى سائر المحافظات في الفرات الأوسط والجنوب، وصولاً إلى مدينة النخيل البصرة.
لا أتحدّث هنا عن مجازر تجريف البساتين وتحويلها الى أحياء سكنية عشوائية، إنما عن آلاف أشجار النخيل التي زرعتها أمانة بغداد ومحافظة بغداد والبلديات في المحافظات الأخرى على الطرق الرئيسة.
أمس كنتُ وعدد من الزملاء نقطع طريق قناة الجيش طولاً .. فرق هائل بين منطقة القناة الضاجّة بالحياة والخضرة في ما مضي وبينها الآن حيث كل شيء ميت حول القناة التي غدت ذاتها خزاناً للمياه الآسنة الراكدة .. من مئات أشجار النخيل التي زرعت هنا مات ما يزيد على 80 بالمئة منها !
داخل بغداد بالذات وعلى جانبي قناة الجيش، تموت شجرة العراق الوطنية .. مفارقة كبرى.. والسبب يكمن في أنّ هذه الاشجار تُرِكت لمصيرها من دون عناية، وبالذات من دون سقاية. والمشهد لا يختصّ بهذه المنطقة وحدها، فالطرق العامة الخارجة من وسط بغداد الى المحافظات الأخرى الجنوبية والشمالية مات أكثر من نصف النخيل المزروع حديثاً على جوانبها !
أحد الزملاء أفاد بأن هذه الأشجار استُوردت من دولة الإمارات بمبالغ كبيرة ! .. وبعيداً عن الكلفة، ألم تلحظ أمينة بغداد ومحافظ بغداد يوماً هذا المشهد، أم أنهما لا يتجوّلان في المدينة التي وُضعت في عهدتهما؟!.. ثم من قال إن النخلة هي الأنسب للزراعة داخل المدينة كشجرة زينة؟ .. تحتاج النخلة إلى عناية خاصة مستدامة، فهي تترك مخلفات كثيرة، فيما كان من الأجدى تزيين الشوارع والساحات بأشجار أخرى أكثر اخضراراً وأقلّ حاجة للعناية ولا تتسبب في اتّساخ المكان الذي تُزرع فيه، وبخاصة الأشجار المزهرة كشجرة الدفلى التي كانت تُزيّن بغداد أيام زمان.
287 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع