علي الكاش
في حديث مع أحد الإخوان من جنوب العراق تحدثنا عن بساطة الحياة وجمالها عند أجدادانا، ومن جملة الحديث عن الطهى، قال الصديق كطرفة " من محاسن أهل الجنوب انهم علموكم صناعة وإستخدام (الجلة)"، فإستغربنا حديثه وقلنا له: هل تعلم ان الجلة كانت تستخدم من قِبل العرب في فجر الإسلام وربما قبله؟ أستغرب الصديق من القول، فكتبنا هذا المبحث المبسط ليقرأه الصديق وبقية القراء الأفاضل عن أصل الجلة عند العرب، وربما الأجيال الحالية لا تعرف عنها شيئا.
جاء تعريف مقتضب في موسوعة الويكيبيديا يتضمن أخطاء منها عدم وضع الحركات على الكلمة مما يجعل لها أكثر من معنى، فهي عادة تُكتب بفتح الجيم وتشديد اللام، لأن الجلٌة تعني أيضا قفة التمر وجمعها جِلال. وتعني أيضا الجلال والعظمة وكبر السن. وورد نص التعريف في الموسوعة كالآتي" تعني الروث، وهي أقراص دائرية تصنع من روث الحيوانات كالأغنام والبقر، وتجفف تحت أشعة الشمس وتخزن، ويستفاد منها في إشعال النار للتدفئة وطهي الطعام في المواقد والتنور، كبديل عن الخشب والوقود". والحقيقة انها ليست من الروث فقط بل تخلط عادة بالتبن أيضا. كما ورد في قاموس المعاني وفي قاموس المعجم الوسيط تعريف الجلَة بأنها: هي البعر والروث. وعرفها السيد فهد الروقي بأنها" من مخلفات الإبل وفضلاتها تستخدم لإشعال النار، وعادة يجمعها الصبي الفقير والعبد المملوك". بالطبع لاعلاقة لللصبيان بجمعها، ربما العبيد في القدم، لكن الحال تغيير. والجَلٌالة هي الدابة التي يكون طعامها العذرة ونحوها من الجلة والبعر.
قال الأزهري، هي التي تأكل الجِلة، أي البعر، وقال الأصمعي: جَلٌن يجل، جلا إذا التقط البعر، واجتله مثله. وقال الشيخ ابن عثمين في كتابه (رياض الصالحين) بأن " الجلالة هي التي تأكل الجلة أي العذرة، يعني تأكل نجاسة الآدمي وروث الحمير وما أشبه ذلك". وقال الزجاجي" حدثنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ حدثنَا أَبُو هَاشِمٍ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، قَالَ حدثنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ عَنْ بَسَّامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ وَعَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَعَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ. والْجَلالَة الأبل الَّتِي تَأْكُل الْعذرَة وأصل الجلة البعر". (الأمالي/104). وفصلها أبن قاسم في كتابه (حاشية الروض المربع). في كتاب الأطعمة. وقال سيد سابق " الجلالة هي التي تأكل العذرة , من الإبل والبقر والغنم والدجاج والإوز وغيره حتى يتغير ريحها فإن حبست بعيدة عن العذرة زمنا وعلفت طاهرا". (فقه السنة).
وبشأن معرفة أجدادنا بالجلة ورد في كتاب الادريسي " أكثر نيرانهم (أهل السودان) يقدونها في بعر الجمال وبعض الشوك والحطب عندهم قليل". ( نزهة المشتاق /115). كما تحدث عنها أيضا ناصر خسرو في رحلته الشهيرة بقوله" اسْتَأْجَرت جملا بِدِينَار وَنصف دِينَار ورحلت عَن هَذَا مصر فِي الْخَامِس من ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ الطَّرِيق يتَّجه نَحْو الْجنُوب بعد ثَمَانِيَة فراسخ من رحلتنا بلغنَا جِهَة تسمى ضيقَة وَهِي وَاد فِي الصَّحرَاء، سرنا خَمْسَة أَيَّام فِي صحراء لَا مَاء فِيهَا وَكَانَ مَعَ كل منا قربَة مَاء ثمَّ بلغنَا منزلا يُسمى الْحَوْض وَهُوَ جبل حجري فِيهِ عينان يتفجر مِنْهُمَا مَاء عذب يسْتَقرّ فِي حُفْرَة وَلم يكن بُد من أَن يذهب رجل إِلَى حَيْثُ العينان ليحضر المَاء لشرب الْإِبِل الَّتِي مضى عَلَيْهَا سَبْعَة أَيَّام لم تشرب فِيهَا وَلم تَأْكُل إِذْ أَن عَلفهَا قد نفد كُله وَكَانَت تستريح مرّة فِي الْأَرْبَع وَعشْرين سَاعَة وَذَلِكَ من الْوَقْت الَّذِي تشتد فِيهِ حرارة الشَّمْس حَتَّى صَلَاة الْعَصْر وتسير بَقِيَّة الْوَقْت والمنازل الَّتِي ينزلون بهَا مَعْلُومَة فَلَيْسَ مُمكنا النُّزُول فِي أَي مَكَان لتعذر وجود مَا توقد بِهِ النَّار أما فِي هَذِه الْمنَازل فَإِنَّهُم يَجدونَ بعر الْإِبِل فيتخذونه وقودا يطبخون عَلَيْهِ". (السفرنامة/117).
هل للجله علاقة بلعبة (قرص الجلة)؟
من الغرائب أنه توجد في العاب الساحة والميدان ما يسمى برمي قرص الجلة ( Shot put)ولا نعرف ان كان إسم القرص مُستوحى من الجلة نفسها أم هو تشابه في الأسماء ، لكن الغالب في الأمر إنها مستوحاة من الجلة العربية لأن الصبيان كان يتسابقون في قذف الصغيرة منها، علاوة على أن ألعاب القوى (رمي الجلة) كانت تمارس في العصور القديمة برمي قطع من الصخر أو الحصى الكبير الى مسافات طويلة، وتطورت وأصبحت رياضة مهمة للقطعات العسكرية في العصور الأوربية الوسطى، واحدى ألعاب القوى في العصور الحديثة وأدخلت في الألعاب الأولمبية. واستعيض عن الصخرة والحصى بما يسمى (كرة الجلة) وهي من الحديد أو النحاس الصلب بوزن (7.275) كغم، وحددت دائرة للرامي قطرها (2.1) متر. وتبقى الإحتمالات قائمة بسبب التداخل الحضاري بين الأمم.
1646 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع