خالد حسن الخطيب
الطلبة الأنگليز والأمريكان يتهافتون على المدارس العراقيّة وبشده
في جلسة من جلسات كبار السن استمعت الى كلام من ناهزت اعمارهم السبعون و الثمانون الا أني كنت منبهرا ومشدودا الى أحاديثهم وذكرياتهم المرهفة التي لا تزال تدوّي وتهز ارض المعمورة ,فقد روى احدهم عندما كان طالبا في الصف الثاني متوسط طلب منهم ألاستاذ ( شاكر حمادي )رحمه الله أستاذ مادة العلوم في ذلك الوقت ان يجلب كل طالب في الدرس القادم ضفدعة على قيد الحياة و شوكة لشجرة النخيل و موس حلاقة وفعلا قام طلاب الصف بجلب ما طلب الاستاذ منهم ليبدؤا الدرس الجديد وقد ارتدى استاذهم صدرية بيضاء اللون بعدما أرشدهم الى مكان غرز شوكة النخيل في الجهة العاليا لرقبة الضفدعة حتى اصيبت بالشلل التام وعدم قدرتها على تحريك اطرافها فقام الطلاب بتشريحها بالشكل الصحيح ومشاهدت قلبها وهو ينبض دون ان تموت فكان درساً عملياً وواقعياً ومختبرياً من الطراز الاول لا تجد مثيله في مدارس او جامعات بريطانيا و أمريكا مجتمعتين و بأمكانيات ومواد بسيطة للغاية فزرع ذلك الاستاذ في عقول وقلوب هؤلاء الطلبة همة الابداع والبحث العلمي الرصين وحفّز فيهم روح المغامرة والتجديد فخرج منهم الطبيب الهمام والباحث المقدام .. وما ان انتهى من كلامه حتى بادر احد الجالسين بهذه القصة التي كُتبت بماء الذهب وطُبعت على اوراق الفضة فقال .. سنة 1945 كنّت طالبا بالصف الثالث متوسط في متوسطة التفيّض الاهلية للبنين حيث لا يوجد سواها في مدينة الفلوجة بأكملها ويتوجب على كل طالب دفع قسط سنوي مقدارة ثلاثة دنانيرعراقية لعام الدارسي .. وكانت الامتحانات الوزارية النهائية( البكلوريا ) على الابواب فتوجّب علينا الذهاب لمدينة الرمادي حيث المركز الامتحاني الوحيد في قضاء الدليم (الانبار) بأكمله وقام مدرّس الرياضيات الأستاذ( حسن حمودي ) رحمه الله بترك بيته وعائلته وحياته في الفلوجة وألانضمام اليّنا بمدينة الرمادي لمدة تسعة أيام كاملة وهي مدة أنجاز الامتحانات الوزارية هناك فقام اولا بتهيئة أماكن نومنا نحن الطلاب بعدما اتفق مع أدارة المدرسة بتفريغ صفيين في المركز الامتحاني المذكور وأخذ من كل طالب مبلغ 250 فلسا ( ربع دينار )ليتولى الاستاذ بنفسه عملية تسوّق وشراء وطبخ وطهي وأعداد الطعام للوجبات الثلاثة الاساسية الفطور والغداء والعشاء واعداد الشاي على مدار اليوم وغسل الاطباق والملاعق وكل مستلزمات المائدة وتنظيف أماكن نوم الطلبة وترتيب حياتهم اليومية حرصا منه على عدم تضّيع وقت الطلاب الثمين في أمور ثانوية و متابعة الطلاب لموادهم الدراسية المتنوعة فكان لهم الأب والأم والأخ والأستاذ والمرشد والصديق وكان لهم الطاهي والمتسوّق والمعد لوجبات الطعام لمدة تسعة ايام حتى انتهت تلك الايام وفاز الطلاب بوافر علامات النجاح والتوفيق فقال احد الحاضرين .. هنا وصل الاخلاص مداه ..فرحم الله الاستاذ حسن حمودي الذي قدّم ونذر نفسه خدمة الى طلابه وابناءه الاعزاء . فلا عجب ولا مزايدة لو يعلم الطلاب الانكليز والامريكان وغيرهم من طلاب دول العالم أجمع حرص وغيرة وشخصية وعلو همة واخلاق ونبل الأستاذ والمعلم العراقي على طلبته وابناءه لتهافتت الدول قبل الطلاب وتهافتت المؤسسات التربوية قبل الاباء لما يتمتع به الاستاذ العراقي على مر العصور .
و اني على يقين تام بالله اولا وبالعنصر العراقي بأن هذه السحابة مرّت سريعا بأذن الله وسيرجع بلدي العراق معافى في جسده وعقله وضميره واحساسه الراقي . لكم التقديس يا أساتذة العراق فقد كنتم والى الابد الشمس التي نوّرت الدنيا والعالم اجمع ..
وأخيرا ..لك التكريم يا قمر المعالي فيك تجمعت زين الخصال .. بعلمك قد علوت اليوم قدراً فقدرك بين كل الناس عالي فعذراً يا مربي الأجيال عذراً بحقك لن يفيء اليوم مقالي ...
1002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع