خالد حسن الخطيب
حواسيب عراقية بصناعة احترافية
يمتلك العراقيّون في كل زمان ومكان ابداعات وإمكانيات ومزايا فريدة لا تمتلكها كل شعوب العالم حتى ولو اجتمعت بأنسها وجنّها وحواسيبها الذكية العملاقة , فقد حدثني جاري ابو عبد الله وشقيقه ابو حسن ان والدهم قد أهداهم سنة 1966 سيارة جديدة من نوع فولكس واجن ( سيارة الشعب بالالمانية Volkswagen ) بيضاء اللون من نوع (رگه) هدية لنجاحهم والتحاقهم في احدى الجامعات الهندسية العراقية , وكانت هذه السيارة الالمانية الصنع هي الاكثر مبيعا حول العالم وتتمتع بأمتيازات فريدة من نوعها حيث تمتلك خزان اضافي للبنزين سعة خمسة لتر ينساب بواسطة عتلة تسحب باليد الى اليمين في حالة نفاذ جميع وقود السيارة وفتحت سقف يدوية بثلاثة اوضاع كانت صرخة في عالم السيارات وموديلاتها الحديثة أن ذاك .وكانت بغداد قبلة لشركات السيارات العالمية الالمانية والأمريكية والايطالية فقد أفتتحت شركة فولكس واجن العملاقة فرعا متميزا و كبيرا لها في شارع الصناعة ببغداد الذي كان يضم خمسة عشر مهندسا وفنيا المانييا, وبعد ستة سنوات حدث عطل في محرك السيارة بسبب المسير وقيادتها ليلا ونهارا متنقلين و متمتعين بشوارع و أجواء بغداد الاسطورية , فذهبنا بها الى احد الميكانيكيين الفنيين في شارع الشيخ عمر( ساحة الطيران ) لعمل الصيانة المطلوبة فكتب لنا قائمة بالأدوات المطلوبة لعودة الحياة لمحركنا المعطل فاتجهنا انا وشقيقي الى شركة فولكس واجن لشراء وجلب الادوات المطلوبة فوجدنا العديد من سيارات الفولكس واجن المتوقفة امام بناية الشركة والتي جاء اصحابها لشراء ما يودون , دخلنا الى معرض الشركة وبيدي ورقة وقد كتبت عليها سبعة انواع من قطع الغيار واتجهنا الى قسم الادوات الاحتياطية الذي كان يضم كافة انواع قطع الغيار للموديلات القديمة والجديدة لهذه السيارة فرحب بنا العاملون العراقيون والألمان على حد سواء .. لكن دهشتنا وذهولنا كان كبيرا وعظيما عندما بدءنا التكلم مع احد العراقيين الاربعة الذين وضعتهم الشركة في واجهة المتحدثين بسبب عدم تمكّن جميع الالمان من تعلم ولو بشكل بسيط اللهجات العراقية المختلفة فطلبنا المادة الاولى وهي ( البساتم ) فالتفت احد هؤلاء العراقيين الى الالمان الذين تجمعوا حول فمه من اجل سماع الارقام العشرة وتدوينها على ورقة مخصصة (47974 - 14508 ) والتي كان يحفظها هؤلاء العراقييون عن ظهر قلب كأنهم حواسيب عملاقة متحركة وقد اختزنت بداخلها اسماء وأرقام وموديلات جميع المواد الاحتياطية لهذه السيارة فيهرول الالمان فور سماع وكتابة الارقام العشرة الى المخزن المعين لجلب المادة المطلوبة , بعدها طلبنا المادة الثانية ( الرنگات ) فيلتفت احد هؤلاء العراقييون مغردا بفمه الارقام العشرة ( 47895-00594 ) فيكتب الالمان الارقام المذكور ويهرولون لجلبها من مكانها المخصص . وهكذا استمّرينا في طلب وشراء الادوات السبعة التي طلبها فني السيارات فكان ذهولنا شديدا وإعجابنا فريدا بهؤلاء العراقيين الذين كان على رأسهم رجل من اخواننا المسيحيين وفي العقد الثالث من العمر . وعند خروجنا من الشركة المذكورة ضل الصمت مخيم على عقولنا انا وشقيقي من شدة وغرابة ما حصل فبادرني قائلا ... هل شاهدت هذه العقول العراقية الجبارة التي تتحدث بثلاثة لغات في ان واحد ... الالمانية ولغة اسماء الادوات ولغة الارقام ... فقلت له نعم وإني لم استفق من هذه الصدمة لهذه اللحظة مما شاهدت وسمعت فكأنني كنت اشاهد مشهدا من مشاهد افلام الخيال العلمي التي ضجت بها سينمات بغداد في تلك الفترة , وما هي إلا دقائق حتى دلفنا شارع الشيخ عمر ووصلنا الى صديقنا الفني الذي ابتسم وفهم فورا ما حدث لنا فبادرنا بهذه الكلمات ... ها ... دوخوكم العراقيين .. هههههه.. فقال بالحرف الواحد .. مو بس انتو داخيين.. فكل من ذهب الى شركة فولكس واجن... رجع لي مندهشا ومشدودا لما شاهده وسمعه من هؤلاء العباقرة الاربعة الذين حفظوا عن ظهر قلب اسماء وأرقام جميع الادوات الاحتياطية لسيارة الفوكس واجن بمختلف موديلاتها . وبعد سنوات وتحديدا سنة 1975 اصبحت شركة فولكس واجن شركة قابضة وأصبحت ثاني اكبر منتج للسيارات بعد شركة تويوتا فتوسعت توسعا هائلا في كل دول العالم مما حذا بالشركة الى تطوير قاعدة البيانات الخاصة لكافة الادوات الاحتياطية لكافة الموديلات لكي تتناسب والتوسع الكبير وخصوصا منطقة الشرق الاوسط باعتباره القلب النابض للعالم اجمع . فحدثت مشكلة فنية كبيرة بين كوادر الشركة الام ومعاملها وبين فروع الشركة المنتشرة في كافة الدول والأقاليم مما جعلت الشركة تبحث عن حلول جذرية لمشكلة اسماء الادوات الاحتياطية وأرقامها الطويلة الصعبة .وبعد عدة اجتماعات لكبار مدراء شركة فولكس واجن قررت الشركة استدعاء الحواسيب العراقية العملاقة الاربعة الى مدينة فولفسبورغ الصناعية الالمانية حتى تتمكن الشركة بواسطة هؤلاء العراقيين بتسيير امور العمل الصعب في منطقة الشرق الاوسط بكامله . لكنها اصطدمت برفض هؤلاء العراقييون الاصلاء وتركهم لبلدهم العراق فلعبت شركة فولكس واجن لعبة ذكية عام 1978 عن طريق توسط السفارة الالمانية في بغداد وتقديمها طلبا رسميا للدولة العراقية وذلك لسماح وسفر العراقيين الاربعة الى المانيا لتعزيز روح التعاون الاقتصادي والحضاري والعلمي بين البلدين فوافقت الحكومة العراقية لذلك الطلب الالماني المهذب . وبعد الحاح طويل ومغريات كبيرة تم استقدام هؤلاء العقول العراقية الجبارة الاربعة الى المانيا لتتمكن شركة فواكس واجن من مواكبة الانتاج العالمي الكبير ومواكبة سير العمل في الشرق الاوسط برمته بهذه العقول الكمبيوترية العراقية بصناعة ربانية التي كانت تحفظ عن ظهر قلب جميع ارقام وأسماء وعناوين قطع الغيار لسيارات الفوكس واجن القديمة والحديثة على حد سواء .
1997 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع