حسن ميسر صالح الأمين
(أقوال من أجل الموصل في محنتها ومستقبلها - 8) .
ينبوعٌ من ينابيع الموصل الصافية الرقراق والتي غرفت وتغرف منها كل سنابل الخير المنُحنية بتواضعٍ ملء تلك الحقول والبساتين الوفيرة الزرع وعظيمة الثمر ، ومن أفياء أغصان أشجارها الكثيفة التي أستمدت من جذور تربتها العميقة كل القيم المثلى والصفات العلى والمعنى الحقيقي للمثابرة والكفاح والتحدي ومعنى الصبر وسهر الليالي وأنين الفراق ، فتفتقَ زهرٌ وفاحَ عطرٌ من عائلة عربية مسلمة تنحدر من قبيلة العنزة العربية فَولدت من عوجاتها ودهاليز أزقتها القديمة كاتبٍ وأديبٍ وصحفي وباحثٍ إجتماعي ، جامعٍ لأكثر من علمٍ ، وفقيهٍ متمكن في آخر وحاصل على أكثر من شهادة وتخصص ، إنه الدكتور أسامة غاندي عزيز أحمد الفتاح ، ولد في الموصل مطلع عام (1960) وأكمل المرحلة الإبتدائية وأفلح في الجمع بين دراستين في المرحلتين المتوسطة والأعدادية ، نال العُلا حبوًا وأصاب الهدفَ عنوةً وحصدَ ثمرَ الصبر الجميل جزاءًا وفاقًا بعد رحلةٍ دراسية شاقة ومطاولةً وجَلد ، حيث درس في الثانوية الإسلامية في الموصل وبعد أن أكتشف أنها لا تؤهلة للدخول في الكليات الأدبية في الجامعات العراقية فقام بدراسة مناهج الدراستين المتوسطة والأعدادية في ثانوية عمر بن الخطاب في منطقة النبي شيت في الفترة ذاتها فكان يتوجب عليه أداء إمتحانين في نهاية كل سنة أحدهما الأكاديمي للتربية والثاني إمتحان الأوقاف ، وحصل على معدل عالٍ في الدراستين يؤهله لدخول أي كلية أدبية ولكون قد أخذ قالب الدراسة المزدوجه وإعتاد عليها ، فأكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب في جامعة بغداد (صباحًا) وكذلك كلية الدراسات الإسلامية الأهلية وقتئذ (مساءًا) (كلية الأمام الأعظم فيما بعد) ، ولعدم جواز الجمع بين دراستين حسب الضوابط والتعليمات ، أختار كلية الدراسات الإسلامية لتنوع علومها في (الشريعة واللغة العربية والحقوق) وحصل على بكالوريوس في العلوم العربية والإسلامية والحقوق عام (1982) من جامعة بغداد ، تعرض لتهمة سياسية كيديةٍ مفادها إنتماءه لأحدى الجماعات المحظورة آنذاك وهو في السنة الأخيرة في الكلية وألقت بظلالها سلبًا على مشوارة العلمي حيث صدر قرار من الجهات العليا بحرمانه من القبول في الدراسات العليا للحصول على الماجستير من الجامعات العراقية ، فواصل كفاحه العلمي وشق طريقه في حصد الشهادات تباعًا متحديًا وبإصرار عالي وعزيمة قوية تلكم الظروف فحصل على دبلوم في علوم المكتبات أولًا ثم قدم أطروحةً بعنوان (التدوين التاريخي كحجة شرعية ، دراسة في شروط المؤرخين والمحدثين) لينال شهادة الدبلوم الثاني في إختصاص علوم الحديث والتاريخ مجتمعًا من الجامعة المستنصرية عام (1985) ، قضى أغلب حياته العملية في منفى داخل وطن كما يقول عن نفسه ، عاد إلى الموصل بعدها ليلتحق بالخدمة العسكرية (سنتين) حيث لم يتم قبولة في الكلية العسكرية الثانية (الضباط الإحتياط) أسوةً بأقرانه الخريجين للسبب آنف الذكر ولحين صدور قرار بتسريح حملة الشهادات من أداء الخدمة العسكرية ، تفرغ بعدها للعمل في التجارة وفي تأسيس جمعيات ومؤسسات مجتمع مدني ((والتي ورثها من جده حيث ذكر الأستاذ احمد سامي الجلبي رحمه الله في جريدة فتى العراق أن جده الحاج (عزيز احمد الفتاح) هو أحد الموقعين على طلب تأسيس حزب العمال العراقي في (1/آذار/ 1931) ولم تحصل الموافقة في وقتها ، وأسهم في إجتماع الجامع الكبير الذي دعا إليه الشيخ عبد الله النعمه رحمه الله عام (1930) لتأسيس جمعية الشبان المسلمين وأنتخب عضوًا في مجلس إدارتها مرات عدة حتى عام (1970)) .
له أهتماماته الثقافيه في الكتابة عن أعمال المسرح والتلفزيون وقدم عملًا مسرحيًا مسجلًا صوريًا بعنوان (هندسة الإحتيال) والتي تم عرضها على مسرح الربيع في الموصل عام (1995) وباللهجة الموصلية تحت عنوان (الحبلجي) ولازال يذكرها أهل الموصل لحد الآن ، وأقدم على تأسيس (مشروع الصندوق) سنة (1997) آبان الحصار الإقتصادي على العراق ، وهو مشروع تنموي تكافلي يسعى الوصول إلى الكفاية في المدخول بالنسبة للفقراء عبر إشراكهم مع ميسورين وأغنياء في المشروع بحيث يحقق نقل اليسر الفائض لدى الأغنياء الى الفقراء عبر الإستثمار المتبادل فيما بينهم ، وقد أرسى بذلك أول فكرة في كيفية إستثمار الفقر مع الفضيلة ومع العمل المشترك ، وأنفض المشروع بعد سنة من تاسيسه ونجاحه في تحقيق بعض أهدافه بعد عجزه عن الحصول على ترخيص رسمي من الدولة .
تم معادلة شهادة الدبلومين لتكون شهادة ماجستير في علوم المكتبات بعد أحداث (2003) من الجامعة المستنصرية في بغداد ، مودعًا العراق بعدها آبان الإحتلال الامريكي وهاجر الى السويد ليقيم فيها ، وهناك حصل على دبلوم عالي في دراسات المجتمع السويدي ، وقدم أطروحته لنيل الدكتوراه بعنوان ( تاثيرات التدين على التنمية , ريف مصر نموذجًا ، دراسة في الإجتماع الديني) إلى معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة وحصل على شهادة الدكتوراه عام (2013) ليكون متخصصًا في علم الإجتماع الديني .
توقف كثيرًا في كتاباته المنشورة في الصحف والمجلات المحلية والعربية عند الفكر الإسلامي وما يتعلق به من معطيات ونظم وتيارات حديثة ، ودرس علوم الإقتصاد والإجتماع والتاريخ ليتمكن من إجراء مقاربات بين الأديان , إضافة الى دراسات معمقة وواسعة في اللغة العربية كعلم عضوي في جوهر الشريعة وتخريجاتها ، له هواياته في البحث وتقصي الحقائق منذ صباه الباكر وغاص في غور المُبهم والمجهول وتحريك الساكن ونبش المدفون منها وصولًا إلى إجراء التحقيق التام لها ومعرفة مكنوناتها وخفاياها وهذا ما قاده إلى تأليف وإصدار الكتب التالية :
1 ـ صناعة الفقر في العالم الاسلامي , المغذيات الثقافية والاجتماعية والمنشور عن دار قرطبة العراق عام (2003) .
2 - الجنسانية في الاسلام , أزمة سلوك أم ازمة تشريع والمنشور عن مكتبة آفاق للتوزيع والنشر في الموصل عام (2005) .
والذي حاول فيهما فصل المقدس عن التعاليم الدينية خاصة فيما يتعلق بالحياة ومفرداتها وعلاقات الناس ببعضها من النواحي الإقتصادية والمصلحية والإجتماعية .
أسس المعهد العربي الأوربي للنمذجة في السويد في (2012) وهو معهد تنمية بشرية يعتمد خيار النوذج البشري المطروح ، تعويضًا عن الكلمة والأدبيات المنشورة والوعظيات لجعل الإنسان أكثر إستئناسًا مع المتغيرات السريعة والفوضى والتحولات والقلق الذي يساور البعض حيالها ، ويهدف المعهد الى نفس الفكرة التي كانت وراء تاسيس مشروع الصندوق عام (1997) في الموصل , ولكن عبر إستثمار النموذجين العربي والأوربي ، كل منهم للآخر وليس من الناحية الإقتصادية هذه المرة ولا لتحقيق كفاف إقتصادي ولكن لخلق وصول ثقافي وإجتماعي وسياسي مشترك وبلورة نموذج يمثل مزيج من أفضل ما في النموذجين من قيم وتقاليد وموروثات ،
كتب العديد من المقالات والدراسات والبحوث في جوانب السياسة والإقتصاد والإجتماع والتراث والأنثربولوجيا ونشرها في العديد من الصحف والمجلات وكان القاسم المشترك في مجملها الدعوة الى إنشاء فكر جديد ووعي جديد ونسق حضاري جديد محاولًا إستحضار أفضل ما في القيم الإجتماعية والإقتصادية والسياسية لتكوين الفكرة والعمل على تطبيقها وإنجاحها .
من مؤلفاته الأخرى هي كتاب (هجرات بلا نبي ، يتناول قصة الهجرة الى الغرب ، قيد الطبع عن دار نشر الفآرابي في الإسكندرية ، مصر وقام بنشر حلقات متسلسلة منه على صفحتة في الفيس بوك بواقع 33 حلقة ) ، وكذلك كتاب (الفكرة الدينية نشأتها وتطورها ، قيد الطباعة عن دار نشر دار الرواق في بغداد ، وقام بنشر حلقات متسلسلة منه بواقع (12) حلقة على صفحته في الفيس بوك ).
كتب ونشر البحوث والدراسات التالية :
1- بحوث في القانون والشريعة مقدم لندوة الشريعة والقانون خلال مشاركته بأعمال منتدى شومان في عمان عام (1994).
2 - الطرق العلمية وإستخدام التحليل الإجتماعي في إثبات الأنساب العربية عام (2010) والمنشور في موقع بيت الموصل وتم نشر أجزاء منه مع المقدمات في مركز الحسو للدراسات التاريخية والكمية في إنكلترا .
3 - التصوف ودوره في كسر النمطية والقولبة والمنشور في مجلة أليف (Alef) السورية عام (2012) .
4 - يهود الموصل ودورهم في النشاط الإجتماعي والثقافي في العراق والمنشور في مركز الحسو للدرسات التاريخية والكمية عام (2011 - أنكلترا) .
5 - المعتزلة - إعادة إنتاج الفكرة ، وهو بحث مقدم لندوة العقلانيين العرب المنعقدة في تونس عام (2013) .
6- إضافة الى كتاب (سلسلة تراثيات إجتماعية عن الموصل) والتي نشرت في موقع بيت الموصل عام (2011) وهي مجموعة سلسلات تبحث في إجتماعيات وتراث الموصل وتتناول كل مظاهر الحياة والسلوك فيها ، وستصدر في كتاب مستقل قريبًا .
بالإضافة إلى مئات المقالات ذات المواضيع الهادفة في السياسة والأدب والنقد والمنشورة في الصحف ومواقع النشر المختلفة وعلى موقعة في الفيس بوك والتي تتناول معظم القضايا التي تشهدها الساحتين الموصلية والعراقية بشكل خاص والساحة الإقليمية والعالمية بشكل عام ، وهو عضو في رابطة العقلانيين العرب ويعمل بالتدريس في قسم اللغة والثقافة العربية بكلية الإنسانيات في جامعة غوثنبرغ السويدية ولا يزال على رأس عمله هناك .
جمعتني به صفحات الفيس بوك من خلال خلجان الأنفس وفوران المشاعر وأنين الأسى آبان إحتلال الدواعش الأنجاس للموصل وظروف الغربة اللعينة التي أكتوت القلوب بلهيبها المستعر فوحدتنا مشاعر التأسي عليها وعلى الأهل هناك ووجدت أن جسده في الخارج وقلبه وأحاسيسة لا تزال في الداخل تئن لأنين الموصل وتذرف دمعًا على أهوالها وأحوالها وأزدتُ يقينًا بها بعد أن أنقطعت سبل التواصل والإتصال بقرار قطع الأنترنيت والإتصالات في الموصل .
كان يمحنا من خلال منشوراته ومقالاته القيمة ، جرعةً من النشاط والأمل وتقوية العزيمة ورفع المعنويات التي أخذت بالهبوط المتسارع ويدفع بنا إلى المطاولة والإستمرار في الكتابة والدعاء والمتابعة وتبادل الأخبار المتواردةِ من هناك أو ما يُسمع من الآخرين ، كانت مقالاته ومنشوراته ذات أثر بالغ فمنها ما هو تشخيص وعلاج لخلل ومنها ما هو إنتقاد صريح لفعلٍ مخجل وغيرها الكثير إلا أن أكثرها أيلامًا وألمًا ما ذكره في مقالة نشرها على صفحته في الفييبوكية بتاريخ (26/ آذار/2017) وهو يُوصي مشيعي الموصل والسائرون خلف نعش سحرها المتهلهل فكانت مقولته كما في الصورة أدناه والتي قالها بحرقة قلب وألم شديد متأسيُا على أوضاع الموصل وما حل بها من قتل تدمير ومئات الضحايا تحت الإنقاض وكذلك النازحين ومأساتهم في المخيمات التي يفترض أن تكون الأمم المتحدة والجمعيات الخيرية قد أولت إهتمامًا بالغًا في تهيئتها وتوفير مستلزماتها بالمقارنه مع المبالغ الهائلة التي سمعنا أنها مخصصة لهم وكذلك التقصير واللا مبالاة التي أظهرها من تولى أمرها وإدارة شؤونها في هذه الفترة وما سبقها وغيرها من العوامل التي ساهمت بتدميرها وقتل الحياة فيها من كل الجوانب ، أضعها أمامكم سادتي الكرام كمقولة وحكمة رصينة متاملًا منكم إثراء المقولة برايكم السديد بخصوصها ومشاركتكم الفعالة لتغدوَ شهادة لقائلها الفاضل ولينهل منها الجيل القادم عبر ما سيطره التاريخ عن هذه الحقبة الأليمة ، شاكرًا كرمكم وتفضلكم وتقبلوا وافر الإحترام والتقدير .
حسن ميسر صالح الأمين
14/8/2017
والمقولة هي :
إذا دفنتم الموصل ،
أكتبوا على شاهدة قبرها كلمة الديمقراطية ،
ليعرف المارّون بهذا القبر أية ضحية كانت .
الدكتور
أسامه غاندي
617 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع