د. حكمت الهاشمي
ملاحظات على مشروع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنه 1959
لقد شكل هذا القانون منجزاً تشريعياً يتناسب مع نضال المرأة العراقية أكثر من ستة عقود حتى وصلت نصوصه إلى الحالة التي هو عليه الآن، والتي نالت رضا وقبول الكافة، وظل السعي مستمراً في سبيل الوصول إلى الطموح من خلال الاستعانة بالقرارات الدولية الخاصة بالأحوال الشخصية...
لقد تميز هذا القانون بأنه أخذ من المذاهب الإسلامية أفضل ما فيها والأقرب إلى روح العصر، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد أخذ المذهب الحنفي بلوغ سن الثامنة عشر لأهلية الزواج، وعن الإمامية اعتبار الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا طلقة واحدة، وعن الشافعية والحنابلة مسألة الإشهاد على عقد الزواج، وعن الظاهرية الوصية الواجبة بمعنى إذا توفى لولد، ذكر كان أو أنثى قبل وفاة أمه أو أبيه فإنه يعتبر بحكم الحي عنده وفاة أي منهما، وينتقل استحقاقه من الإرث إلى أولاده ذكوراً أو إناثاً ...
ورغم أن مجلس الحكم قد نصبه الاحتلال الأمريكي ولا يمتلك أي سلطة من الشعب تخوله التشريع إلا أنه تجرأ إلى إصدار القرار رقم (137) متجاوزاً قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنه 1959 المعدل، غير أن الموقف الشجاع للمرأة العراقية والنشاط الذي قامت به حال دون تنفيذ القرار المذكور، إلا أن الأمر المذكور عاد من جديد من خلال نص المادة (41) من الدستور الحالي، والتي هي الوريث للقرار (137) المشار إليه، إلا أن هذه المادة يتطلب دراسة مدى انطباق أحكامها والخصائص العامة للقانون.
الخصائص العامة للقانون:
يعرف القانون بأنه مجموعة القواعد التي تنظم الروابط الاجتماعية التي تقسر الدولة الناس على إتباعها ولو بالقوة عند الاقتضاء(1)، أو مجموعة القواعد التي تقيم نظام المجتمع فتحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم فيه، والتي تناط كفالة احترامها بما تملك السلطة العامة في المجتمع من قوة الجبر والإلزام(2)، ومن التعريفين المتقدمين للقانون يمكن عرض الخصائص التالية:
1. القواعد القانونية مجموعة قواعد سلوك.
2. قواعد عامة مجردة.
3. قواعد ملزمة مقرونة بالجزاء(3).
1- القانون مجموعة قواعد سلوك:
إن القواعد القانونية هي قواعد تقويمية(4)، تتمثل بتقويم سلوك الفرد على وفق الصيغة الآمرة لها، وهي بذلك تختلف عن قوانين الطبيعة التي يطلق عليها قوانين تقريرية، فقانون غليان الماء في درجة مئوية موجودة هكذا في الطبيعة، وما الواقع إلا الإقرار بها أي تقرير ما موجود فعلاً، غير القاعدة القانونية لسلوك الأفراد هي تكليف يوجهه المشرع إلى أفراد المجتمع، تنطبق أحكامه على كل من تتوفر فيه شروط القاعدة القانونية فعلى سبيل المثال: وضع القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل قاعدة قانونية لسن الرشد، التي حددها بثمانية عشر سنة كاملة(5)، وكذلك وضع قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 - قاعدة قانونية لسن الزواج - هي إكمال الثامنة عشر(6)، إذ يحق لكل عراقي إبرام عقد الزواج إذا أكمل الثامنة عشر من العمر - عند توفر بقية شروط عقد الزواج - وعليه فإن كلا القاعدتين تحددان سلوك الأفراد في بلوغ سن الرشد أو تحقق شروط الزواج، والمخالف لكلا القاعدتين يتعرض للمساءلة التي يفرضها القانون، وكلا القاعدتين موجهتين إلى أفراد المجتمع كافة، وعند إعمال المادة (41) من الدستور التي نصت على "العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، وحسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون" هل يتحقق لدينا تطبيق الخاصية التي يتسم بها القانون باعتباره: مجموعة قواعد سلوك لما يجب أن يكون عليه سوك الأفراد في المجتمع، وكونها موجهة إلى الكافة، ولمعرفة هذا الأمر يتوجب الإطلاع على رأي كل مذهب بشأن موضوع البلوغ وفق الوجه الآتي:
- سن البلوغ حسب المذاهب:
أ- الشافعية والحنابلة: يتحقق البلوغ بخمسة عشر سنة في الغلام والجارية.
ب- المالكية: يتحقق البلوغ بسبعة عشر سنة في الغلام والجارية.
ج- الحنفية: يتحقق البلوغ بثمانية عشر سنة في الغلام وسبعة عشرة في الجارية(7).
د- الإمامية: يتحقق البلوغ بخمس عشر سنة في الغلام وتسع في الجارية(8).
وعليه إذا أخذنا برأي الإمامية في البلوغ - على سبيل المثال - نجده يقلص القاعدة القانونية للسلوك الموجه للكافة، ويحصرها بمقلدي المذهب الجعفري، وتطبيق هذا الرأي يعني أن تابعي المذاهب الأخرى غير معنيين بالرأي الذي تقوله الإمامية، بمعنى أن عنصر التكليف الذي تتصف به القاعدة القانونية لا ينطبق لا بل لا يوجه إلى الآخرين، لذا فهم غير ملزمين به، وحيث أنهم غير مكلفين بهذه القاعدة فلا يجوز إيقاع الإلزام عليهم، ومن آثار ذلك هو إخراج القاعدة القانونية من الوظيفة المرسومة لها على وفق أحكام القانون باعتبارها ترسم قاعدة سلوك للعامة وحصرها في فئة فقط.
هذا من جهة، أما من جهة ثانية فإن الأحكام التي جاءت بها المادة (41) من الدستور تتعارض مع المبدأ الوارد في المادة (14) منه التي نصت على: "العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بين الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي"، وعليه فإن المادة (41) من الدستور تُخرج العراقيين من مبدأ المساواة في الحقوق والالتزامات التي نصت عليها المادة (14) من الدستور أعلاه.
نخلص مما تقدم أن توزيع العراقيين على المذاهب في الأحوال الشخصية يلغي القاعدة القانونية القائلة: بأنها تنظيم لسلوك الأفراد في المجتمع لكونها تُخرج الفرد من حالة المواطنة لتلقي به في خانة الطائفة.
2- القانون قواعد عامة مجردة:
من أبرز خصائص القانون صفة العموم، بمعنى أنه أحكام عامة موجهة إلى الكافة، لذا لا يمكن أن يشرع قانون لشخص معين بذاته وإلا انتفت صفة العموم، ثم لا يمكن إصدار تشريع لكل فرد لاستحالة ذلك.
أما صفة المجردة فهي الوجه الآخر لصفة العموم، إذ يمكن القول أن العموم والتجريد وجهان لعملة واحدة، وعليه فإن القاعدة العامة لا توجه إلى شخص معين بذاته بل هي موجهة إلى الأفراد مجردة عن أسماءهم أو مجردة عن الوقائع المعينة بالذات، فالقاعدة المجردة تشمل من تتوفر فيها شروطها من دون تعيين لشخص معين، فعندما يشترط الدستور الترشيح لعضوية مجلس النواب أن يكون المرشح عراقياً كامل الأهلية، فهذه قاعدة مجردة من الأسماء والوقائع، وتنطبق على كل عراقي يحمل تلك الشروط.
كذلك الأمر بالنسبة للقواعد العامة التي جاء بها قانون الأحوال الشخصية، فهي موجهة إلى عموم الأفراد الذين تتوفر فيهم شروطها سواء ما تعلق منها بالزواج أو الخطبة أو تسجيل عقد الزواج أو المهر أو الوصية أو أحكام المواريث، فإن أحكامه موجهة إلى كل العراقيين، ويقع تحت نطاق سريان القاعدة العامة كل من تتوفر فيه شروطها.
ولكن بالرجوع إلى المادة (41) من الدستور فإنها تقذف بالمواطنين كل حسب طائفته على خلاف الأحكام العامة الواردة في قانون الأحوال الشخصية، فالقاعدة القانونية العامة في القانون المذكور تضع شرط الإشهاد على صحة عقد الزواج، إذ ورد النص بعدة شروط لانعقاد عقد الزواج منها (شهادة شاهدين متمتعين بالأهلية القانونية استناداً للمادة (6) من القانون، وبموجب هذا الشرط لا ينعقد عقد الزواج من دون إشهاد، وهذه القاعدة موجهة إلى كل عراقي من دون استثناء متى توفرت شروطها، ولكن عند الرجوع إلى المذاهب الإسلامية في موضوع الشهادة على عقد الزواج نجد الآتي:
أ- الحنفية: يشترط لعقد الزواج شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين، ولا تشترط العدالة في الشهود، ولا تصح لديهم شهادة النساء المنفردات.
ب- الشافعية والحنابلة: شاهدين ذكرين مسلمين عادلين.
ج- المالكية: لا تجب الشهادة عند العقد، ويجب عند الدخول، فيصح العقد ولو لم يحضر أحد، ولكن إذا أراد الدخول يجب أن يحضر شاهدان، فإن دخل بلا إشهاد وجب فسخ العقد جبراً، ويكون الفسخ يمنزلة طلقة بائنة(9).
د- الإمامية: يستحب الإشهاد على الزواج ولا يجب(10).
يتضح مما تقدم أن قانون الأحوال الشخصية قد وضع قاعدة عامة هي واحدة من شروط عقد الزواج وهي شاهدين متمتعين بالأهلية القانونية، ولا يشترط فيهما العدالة، لا بل لا يشترط فيهما أن يكونا مسلمين لعدم النص على ذلك، فلأي شاهدين عاقلين بلغا الثامنة عشر من العمر يصلحا للشهادة على عقد الزواج، وهذه قاعدة عامة مجردة على وفق الوصف المشروح آنفا، ولكن بتطبيق المذاهب الإسلامية لمفهوم الشهادة على عقد الزواج نكون ألغينا صفة العموم على القاعدة القانونية، كما ألغينا صفة التجريد الذي تتسم به القاعدة القانونية. فعلى سبيل المثال فإن الإمامية لا توجب الإشهاد على عقد الزواج بل مستحب لديهم، وخلوه من الشهود لا يقدح في صحته، بل يعد عقداً صحيحاً منتجاً لآثاره، على خلاف المذهب المالكي الذي لا يوجب الإشهاد عند العقد ويجب عند الدخول، وعدم وجودهم عند الدخول يجعل عقد الزواج مفسوخاً بمعنى أن حكمه حكم الطلاق البائن، كذلك الأمر المختلف على بقية المذاهب كما تقدم ...
إذن إن تطبيق أحكام المادة (41) من الدستور يلغي خاصية العموم والتجريد عن القاعدة القانونية التي تمثل أهم وأبرز خصائص القانون، ويبدلها بالتجزئة القانونية، رغم أن الأصل أن يوجه القانون للكافة، وتطبيق أحكامه على كل فرد تحققت عنده الشروط الواردة فيها، في حين أن المذاهب تجزيء القاعدة العامة.
كما أن المادة المذكورة تتقاطع مع كون العراقيين متساويين في الحقوق والالتزامات أمام القانون على وفق القاعدة الدستورية التي جاء بها الدستور النافذ بالمادة (14) الخاصة بالحقوق والحريات.
ولاشك أن المستهدف بهذه المادة هو قانون الأحوال الشخصية الحالي الذي تتمسك نصوصه بوحدة الشعب العراقي، ويضع مبدأً واضحاً وصريحاً في المادة الثانية منه: (تسري أحكام هذا القانون على العراقيين) والتي تجعل المواطنة أساساً في عمومية القواعد القانونية على خلاف المادة (41) من الدستور التي تقذف بالمواطن العراقي في طائفية مقيتة بدلاً من المواطنة، وتنال بالتأكيد مبدأ العموم للقاعدة القانونية التي أجمعت عليها كل التشريعات في العالم ...
3- القانون قواعد ملزمة مقرونة بالجزاء
يعرف القانون بأنه: "مجموعة من المبادئ المعترف بها والمطبقة في إدارة دفة العدالة في الدولة، بمعنى أن المخالف لأحكام القانون يطاله الجزاء، إذ لا يمكن تصور سمو القانون ومبادئه من دون عنصر الجزاء، وتتخذ فكرة الجزاء بخصوص القواعد القانونية ثلاث خصائص:
(أ) أنه مظهر خارجي ملموس يظهر للعلن وبالتالي لا يمتد الجزاء بإثارة إلى الأفكار والنوايا ما دامت لم تظهر على شكل محسوس.
(ب) إن الجزاء دنيوي بمعنى يقع خلال الحياة، وبذلك فإنه يختلف عن الجزاء الديني.
(ج) إن الجزاء يوقع على الأفراد باسم الهيئة العامة (المجتمع) ممثلاً بالسلطة المخولة بإيقاعه(11).
وقدر صلة الأمر بقانون الأحوال الشخصية فإن الجزاء هو تعويض الزوجة عن الطلاق التعسفي أو الحبس والغرامة في حالة عدم تسجيل عقد الزواج، أو تفريق الزوج عن زوجته إذا سبب لها ضرراً، أو منعه من الميراث إذا قتل مورثه، أو عدم إلزام الزوجة بمطاوعة زوجها إذا كان متعسفاً في طلب المطاوعة.
وعليه فالجزاء فكرة عامة تنهض أمام أي مخالفة للقاعدة القانونية، ويقصد بها الكافة بمعنى كل من تتوفر فيه شروط المخالفة لتلك القاعدة، لذا فإن كل عراقي يمكن أن يكون محل مساءلة إذا خالف القاعدة القانونية، وعليه فالعقوبة لا تتجزأ على أساس الجنس أو القومية أو الدين أو المذهب، فهي تشمل الكافة متى توفرت شروطها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل أن تطبيق أحكام المادة (41) من الدستور يحقق كون القاعدة القانونية ملزمة لجميع العراقيين ويصحبها الجزاء؟ وللإجابة على هذا السؤال نعرض الآتي:
تختلف المذاهب الإسلامية في رسم علاقة الرجل مع ابنته من الزنا، ولكل مذهب وجهة نظره التي تصل إلى حد التقاطع بين تلك المذاهب فمثلاً:
المذهب الشافعي والمالكي: يجوز للرجل أن يتزوج ابنته من الزنا، وبنت ابنه، وبنت أخيه، وبنت أخته، لأنها أجنبية عنه شرعا، ولا يجري بينهما توارث أو نفقه(12).
أما الأحناف والحنابلة والإمامية: فتحرم كما تحرم البنت الشرعية لأنها متكونة من مائه، فهي بنته لغةً وعرفاً، ونفيها شرعاً لا يوجب نفيها حقيقة، بل يوجب نفي الآثار الشرعية فقط كالميراث والنفقة(13).
وتطبيقاً للمادة (41) من الدستور ولما تقدم فإن الرجل الذي يتزوج ابنته من الزنا على وفق القواعد الشرعية للمذهب الشافعي والمالكي هي قواعد إباحة لأنها أجنبية عنه ولا جناح عليه إن فعل ذلك ولا يطوله الجزاء، لا بل أن عمله شرعي، وهو زواج منتج لكافة آثاره الشرعية من مهر ونفقة وغيرها.
والأمر على عكس ذلك لو قام بنفس الفعل من إتباع المذهب الحنفي أو الجعفري أو الحنبلي فهو يأثم لوجود الحرمة كونها بنته حقيقية.
ولو طبقنا قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل، وفق نصوص المادة (41) من الدستور فإن إتباع المذهب الشافعي والمالكي لا ضير عليهم فيما يفعلون لعدم توفر العنصر الجزائي في الفعل المنسوب لهم لكون الزوجة من البنت من الزنا جائز حسب الأحكام الشرعية لديهم لكونها أجنبية عنه، وبذلك يكون في مأمن من العقاب.
ولكن لو وجد نفس العراقي قد تزوج من بنته من الزنا وكان على المذهب الحنفي أو الجعفري أو الحنبلي فإنه لم يكن في مأمن من العقاب لأن قانون العقوبات يعاقبه على أساس الزنا بالمحارم بموجب أحكام المادة (393 /3) بالإعدام.
وإزاء هذا الحال وعلى ما تنص عليه المادة (41) من الدستور، نكون قد جزئنا القاعدة القانونية وأخرجنا القانون من صفة العموم والتكليف للكافة، وألغينا مبدأ: العراقيون متساوون في الحقوق والالتزامات أمام القانون الذي جاء به الدستور بالمادة (14) منه، وخرقت واحدة من أهم خصائص القانون المتمثلة بالإلزام والجزاء لكافة العراقيين.
وإذا كانت المادة (41) من الدستور تفعل فعلها بالخصائص التي يتصف بها القانون وبالشكل المعروض آنفاً يمكن التوصل إلى النتائج الآتية:
(أ) إن تطبيق المادة (41) من الدستور تؤدي إلى تعطيل خصائص القانون وقواعده المتعارف عليها دولياً وفقهاً وقضاءاً وتشريعاً، وبذلك يفرغ القانون من محتواه وتصبح المادة المذكورة عائقاً جدياً أمام البناء المؤسسي لدولة القانون.
(ب) تلغي المادة المذكورة المبدأ الدستوري القائل بأن العراقيين متساوون أمام القانون وتجعلهم متفرقين أمام القانون.
(ج) تتجاوز المادة المذكورة وحدة التشريع التي هي أساس تماسك المجتمع وتطوره، وتجعل التشريع فرقاً موزعاً في المذاهب، لا بل أن تجزئة التشريع تكون أكثر قسوة إذا جاء المذهب الواحد على عدة فرق تختلف آراؤها وتتباعد أفكارها.
(د) إن وحدة التشريع تمكن المواطن من الاطلاع أو متابعة النص القانوني بسهولة ويسر، الأمر الذي يسهل عليه معرفة ما له وما عليه من حقوق والتزامات، أما الذهاب إلى المذاهب فيصعب عليه ذلك، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن تـلمس الرأي الفقهي يصعب على ذوي الاختصاص من رجال الدين فكيف بالمواطن العادي.
(هـ) إن المادة المذكورة تهز النظام القضائي في البلد كونها تجرد القاضي من واحدة من أهم أدواته المهنية ألا وهو النص القانوني.
(و) إن المادة المذكورة تعصف بالمبدأ الدستوري الدولي والوطني المتمثل بالفصل بين السلطات المنصوص عليه بالمادة (47) من الدستور النافذ، عندما ينص مشروع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية بالمادة (أولاً/3/أ) على أ- يجوز للمسلمين الخاضعين لأحكام هذا القانون تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة لتطبيق الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية وفق المذهب الذي يتبعونه ب- تلتزم المحكمة المختصة بالنسبة للأشخاص الوارد ذكرهم في الفقرة (أ) من هذا البند عند إصدار قراراتها في جميع المسائل التي تناولتها نصوص قانون الأحوال الشخصية (188) لسنة 1959 المعدل وغيرها بالأحوال الشخصية بإتباع ما يصدر عن المجمع العلمي في ديوان الوقف الشيعي، والمجلس العلمي والإفتائي في ديوان الوقف السني، وتبعاً لمذهب الزوج، ويصح أن يكون سبباً للحكم ... وحيث أن ديوان الوقف السني والوقف الشيعي يرتبطان بمجلس الوزراء بموجب أحكام المادة (103/ ثالثاً) من الدستور، فعندها سيتم إلغاء المبدأ الدستوري المتمثل بالفصل بين السلطات لأن القضاء سيكون تحت رحمة قرارات الوقفين في قراراته كونهما جزء من السلطة التنفيذية.
(ز) إن المادة المذكورة ومشروع القانون آنف الذكر ستعصف بالمبدأ الدستوري المتمثل بالمادة (87) القائلة: "السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون" لأن قرارات السلطة القضائية سوف لن تكون وقفاً للقانون كما نصت عليه المادة (87) أعلاه، وإنما ستكون قراراتها رهن بقرار ديوان الوقف السني والشيعي التابعين للسلطة التنفيذية.
(ح) إن المادة المذكورة ستنحدر بالفرد العراقي من حالة المواطنة وتقذف به إلى حالة المذهبية والطائفية.
(ط) إن المستهدف بالمادة (41) من الدستور هو قانون الأحوال الشخصية بكافة قواعده وعلى وجه الخصوص المبدأ الوارد بالمادة الثامنة منه القائل "سريان أحكامه على العراقيين".
مراجــع البحـث
(1) د. عبد الرزاق السنهوري، ود. أحمد حشمت أبو ستيت، المدخل لدراسة القانون، القاهرة، 1941.
(2) د. حسن كيرة، المدخل إلى القانون، القاهرة، 1954، مطبعة المعارف.
(3) + (4) د. رياض القيسي، علم أصول القانون، بغداد، 2002.
(5) القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951.
(6) قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل، المادة السابعة.
(7) المغني، لابن قدامه، ج(4)، باب الزواج.
(8) محمد جواد مغنيه، الأحوال الشخصية.
(9) بداية المجتهد لابن رشد.
(10) محمد جواد مغنيه، المصدر السابق.
(11) د. رياض القيسي، المصدر السابق.
(12) المغني لابن قدامة، ج(4)، المصدر السابق.
(13) محمد جواد مغنية، المصدر السابق.
د. حكمت الهاشمي
عمان 11/11/2017
1344 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع