ياسين الحديدي
رواية اولاد حمدان _ رواية الشعب
لم اكن متلهفا ومتابعا وراغبا في قراءة الرواية سواء الروايات لكتاب عراقيين او رواية لكتاب عرب او اجانب منذ زمن اكثر من ثلاثين عاما بعد ان قرات الروايات لكتاب مصريين في فترة الستنيات في اوج انتشارها في الوطن العربي وخاصة روايات نجيب محفوظ واحسان عبد القدوس وغيرهم كماتاثرت كثيرا في رواية جسر التنهدات للروائي الايطالي ميشال زيفكو ومن الروائيين الذين اختزن في ذاكرتي بعض من احداثها البرتو مورافيا 1907-1990 اولها اللا مبالون والطاعون والعصيان وفتاةروما الجميلة المتهم بالانتماء الي الحزب الشيوعي من خلال زيارته لاتحاد السوفيتي وكتب عن رحلته شهر في الاتحاد السوفيتي وكان معجب في النهج الاقتصادي المتبع وهو في الحقيقة لم يكن له انتماء مطلقا ولكن روايته التي تبدو مزعجة وصادمة وتبدوا في ظاهرها مجرد ادب يقوم علي العراء والمغامرات الجنسية ولكن باطنها تعرية المجتمع وادانته للظغوط التي يمارسها بحق انسانية الانسان في محيطه وفي الوجود كله وكما فعلها البرتو في زمنه اعاد لنا الروائي العراقي ابن حديثه راسم عبد القادرالاسلوب الجاد والمتجرد في روايته الثالثة من الروايات الاربع رواية اولاد حمدان التي هزت وايقظت الاحساسيس المتجمهره في نفوسنا لكل من قرأها بهدوء وتمعن وخاصة الاعمار التي تخطت القرن العشرين من اجيال الستنيات حيث تدور احداثها في ذلك الزمن غير المستقر ومغامرات الضباط العراقيين وشغفهم بالانقلابات العسكرية وما يرافقها من انفلات امني وفوضي وعدم ثبات نهج وافكار الاحزاب والحركات السياسية التي علقت مصيرها بالعسكر اولاد حمدان خليط ممزوج وشخوص من مختلف الاتجاهات الفكرية اليسارية والدينية والقومية يبحثون عن شي مفقود عندهم وهو الحرية في مجتمع تلتف حول رقبته قيم وعادات اجتماعية متواتره يحاول التخلص منها ويقع فيها دون ارادته وهم خليط قادم من الريف وينبهر بالحداثة والانفتاح في العاصمة بغداد وكلياتها التي كانت البيئة والحاضنة للحركات السياسية علي الاغلب والمستغلين من قادة الاحزاب يحركونهم كيف ماارادوا وكان الطلبة علي حسن نية بالتعامل والاقتناع بهم وهم يبحثون عن من ينقذهم من الفوضي والارباك السياسي من المغامرين وكان الكاتب احدهم القادم من مدينة النواعير حديثة وهي ناحية متقدمة نسبيا والتعليم فيها يكاد ان يغطي جميع ابنائها ولكن مع هذا فهو ايضا مشدود الي التقاليد والاعراف الاجتماعية الصعبة وحاول ان يثبت شخصيته وحريته ويتميز عن محيطة بان يكون صاحب قرار واختار طريق الاحزاب والحركات السياسية واصبح يساري الهوي وقومي النهج واختلط في محيط الجامعة المنفتح والمتمرد وعاش في وسطهم بكل قوة واصرار واصبح من الطلبة المتميزين وخاصة وهو من الطلبة الاذكياء واختار قسم الكمياء في الكليىة وهو من الاختصاصات العلمية الصعبة وعاش الاحداث السياسية وعاش ايضا في قصة حب جميلة وهو السائد ولكن تجربته في الحب فشلت ويوعزها كما في الرواية الي العودة الي الجذور واختار شريكة العمر من الاقرباء في مدينته هذا الرجل الروائي الذي التحق بها حديثا بعد ان تجاوزمرحلة الخمسنيات لم يكتب في حياته التي مرت وتجاوزت الخمسين عاما الارسائل حب الي حبيبته الجامعية وهو الاسلوب الشائع والمحبب حين ذاك هذا الرجل المبدع الذي جاء متاخرا الي عالم الرواية واختارعالمها المترامي والواسع ويستطيع ان يتمدد بها وينشر حصيلة افكاره لسعة استيعاب الكلمات ونشر افكاره وهو اختيار صائب وصعب واختبار فيه مغامرة كبيرة وخاصة من يطرقها مباشرة دون ان تكون له اوليات في القصة القصيرة والشعر والنثر المركز والمقالة السياسية ولكن تجاوزها بتصميم وارادة قويه وملكة ادبية سهلة وبسيطة وبدون تركيبات جمل معقدة يصعب استيعابها واجتاز الامتحان بنجاح وامتيازمن زاوية مخالفة للسائد والمالوف وبعين لاتتفطن لما يتفطن له الاخرون ولايلتقط مايلتقطون اختار السرديات من الداخل ويبدوا غريبافي نظر الاخرين بل غريبا حتي في نظر ذاته بذاته لقد عري راسم الحديثي وابتعد عن الوعظ والارشاد عري النزعات الاخلاقية الزائفة والعادات المتهرئه المغموسة بالوهن واضعاف شخصية الانسان وعري الاساليب الامنية المنحطة واساليب التعذيب التي تحط من قدر الانسان وتهدر كرامته واساليب التوريط والتصوير للتلويح والتهديد بها لاصحاب الفكر والمنتمين للااحزاب بااساليب مقززه لاتمت بصلةلاادني حقوق الانسان وكشف وهو الاخطر لقادة الحركات المرتبطين بالسلطة من تحت الطاولة المؤمنين نهارا ويبعون المبادئ ويمارسون مهنة الوكلاء والتجسس واسقاط المناضلين وزجهم بالمعتقلات لقاء دراهم معدودة من اجل اشباع غرائزهم وشخصياتهم المزدوجة المعقدة كما فصلها ووضحها علي الوردي في موسوعته الاجتماعية عن طبيعة المجتمع العراقي لقد كشف وحدد راسم عن السوس الذي ينخرها وينخر المجتمع من خلال الشخصيات المتحركة في الرواية التي عاشها في مرحلته الجامعية وخزنها واطلقها ببالون يسبح في الفضاء الواسع في روايته مرايا ساحرة الساحرة لم تعكس الوجوه فقط بل عرت السؤءات والنوايا وكشفت عن بؤس الانسان في القرن العشرين وسقوطه القيمي المدوي في عالم مريض مليئ باالضجر والاستبهامات التي لانهاية لها هذا غيض من فيض لرواية الاديب راسم عبد القادر الحديثي والتي تحكي قصة شعب عان ماعان من ظلم وقهر وكبت وحرمان سابقا ولازال يحمل في قلبه وعلي كتفيه ثقل السياسة والسياسين وتلاعبهم بالمواطن وايهامه المتغمصين بالوطنية والدين وفي داخلهم المكر والخداع والتضليل وختام استعراضي هو مالذي دفع الكاتب بعد هذه السنين الطويلة وبعد احالته علي التقاعد 2010 من شركة نفط الشمال في كركوك ومحطته الوظيفية الاخيرة لاكثر من خمسة عشر عاما في صحراء الانبار محطة ط1 قرب القائم سوي انه كان يسير عكس الاتجاه المرسوم للعراقيين وهو العنيد والمتمرد والذي يخلق المشاكل لنفسه وتعرضه اكثر من ثلاث مرات للاعتقال لدي الاجهزه الامنية قبل الاحتلال وقد عرفت هذا الرجل في كركوك عام 1975 عند انتقاله من وظيفته التعلمية مدرس للكمياء في حديثة الي شركة نفط كركوك وهو يخط طريقه الخاص لاينصاع ولم يتم تطويعه رغم محاولات الاهل والاصدقاء والاقرباء بقي يطلق الكلمات والاحاديث في جلساته مع الاصدقاء وسمره في اللييالي في المراكز الاجتماعية في منطقة بابا وهي من ارقي النوادي في العراق التي شيدها الانكليز وفي منطقة عرفة مما تتمكن منه الاجهزة الامنية الذي اصبح في نظرها مصدر ازعاج وانا شاهد علي احداها عندما اخذتنا المخابرات العراقية الي بغداد واخلي سبيلي واستمر هو بضيافتهم لمدة سنتان بسبب عدم توقفه عن النقد للاوضاع وكنا في قاطع للجيش الشعبي في الفاو ورأس البيشة وهي ابعد منطقة في جنوب العراق وهي النقطة التي يلتقي بها شط العرب بالخليج العربي ولايفصلها عن المحمره وعبدان اكثر من عرض شط العرب ومن ثم في الشيب والطيب والكحلاء وجسر غزيلة وهور الحويزه الممتد الي ايران ومن كثرة تهجمه علي الحرب والقتلي الذين ذهبوا ضحية عدم الاستحكام والرجوع الي الحكمة والعقل والتحاور في حل النزاعات والخلافات واصبح مدمن للحجز والسجن من عدم التزامه للصمت اعيد السؤال مجددا لماذا اختار الماضي والتوقف عنده بدل التوقف عند الحاضر سؤال ينطوي علي عدة اجابات لاتحصي تجعلنا في الاخيراكثر حيرة فالماضي بكل تعقيداته يشكل حالة سكون اوثبات بالامكان تأمله وتفحصه بعناية يصعب ان نجدها في الحاضر ومع ذلك فكل حاضر هو في طريقه الي ان يكون ماضيا انه الترات المتراكم وهو نواة المتحف فالناس لايجدون لذة فريده في حاضرهم كما يجدون ذلك في زيارة المتاحف بل الانسان يجد نفسه ازاء خشوع خاص وهو يقوم بزيارة لاشياء زالت او لم تعد تمتلك الحياة فعند القبرمثلا تنبعث العديد من الافكارلاتجدها ونحن نتفحص الحياة او الكائن الحي ولهذا صارت الاشياء القديمه في الغالب اكثر قيمة واحلي واغلي والذكريات القديمة قيمة فائقة او غير قابلة للتكرار
590 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع