وفيق السامرائي
معظم السياسيين من أبناء المناطق «الساخنة»، الذين شاركوا في كتابة الدستور ودعوا الشعب إلى القبول به، أصبحوا خارج النظام، فمنهم من صدرت مذكرة قبض عليه، ومنهم من فشل واختفى. ووفقا لأحكام الدستور، والمعطيات التي أوجدها المناخ السياسي، أصبح حق المالكي في الترشح لولاية ثالثة أقرب إلى المسلمات، إذا ما ردت المحكمة الاتحادية العليا قرار البرلمان، الذي صدر مؤخرا بتحديد ولاية رئيس الوزراء بدورتين، حيث من المرجح اعتبار القرار خرقا لدستور تمت صياغته بطريقة «تمنع» تعديله.
أصدقاء المالكي وحلفاؤه لا يترددون في وصفه بأنه الأكثر «عروبية» من أي شخصية مماثلة من محيط تفرض المعادلات الالتزام بوصولها إلى رئاسة الوزراء، ويرى فيه خصومه السياسيون من الكرد جوانب انحياز قومي، فيما يراه «النصف الآخر من عرب العراق» شخصا طائفيا، ينزع عنه بعضهم الصفة العروبية ويبقيها البعض الآخر. وهكذا تحول المالكي إلى موضع جدال ساعده في الحفاظ على كتلة متماسكة، ومناورة مؤثرة تجاه الكتل الأخرى وأعضائها، وهو ما أثبته الفشل في المحاولات المتكررة لسحب الثقة، التي تمكن من إحباطها، حتى في الحالات التي أصبح فيها وضعه مهددا، بسبب تراجع عدد من نواب النصف الآخر من عرب العراق وقسم من الكرد في الساعات الأخيرة.
ويواجه المالكي موجة احتجاجات قوية شمال بغداد وغربها، أثبت الحزب الإسلامي براعة التأثير فيها، ويتخذ الكرد موقفا حذرا ودقيقا، انطلاقا من تجربة واسعة لم يتمتع بها كثير من سياسيي ما بعد 2003، يقابلهم المالكي بعدم اهتمام من الناحية الظاهرية، مع وجود ما يدل على اتصالات سرية مستمرة، لا يمكن استبعاد أن تفضي إلى اتفاق بين الطرفين، رغم التناقضات والاختلافات الحادة بينهما. وإذا ما حدث الاتفاق، فإن النصف الآخر من عرب العراق سيكون في وضع سياسي أكثر صعوبة، وهو ما لم يلتفت إليه معظم السياسيين في القائمة العراقية، لأن صوت المظاهرات طغى على قدرتهم التحليلية.
وأيا كانت الافتراضات، فإن بقاء خيارات التعامل مع العراق من دون تغيير لن تنجم عنه درجة معقولة من النجاح المتوقع، فالمالكي باق ولخصومه وجهات نظر تتفاوت في ضوء المصالح والغايات. وإذا ما تزايد شعوره بإصرار مقابل على إقصائه، فإنه يكون أكثر تقبلا لتنسيق مواقف أبعد إقليميا تقع ضمن اهتمامات الأهداف والسياسات الإيرانية، كرد فعل مقابل، فتزداد احتمالات التوتر والانقسام في العراق، بما يؤثر على الاستقرار والأمن الإقليميين، وعلى الوضع العراقي ذاته.
الجامعة العربية لم تعد تمثل ثقلا من وجهة نظر العراق، فما تتخذه من قرارات لا يحدث نقلة في العلاقات العراقية – الخليجية، إلا إذا قررت هذه الدول اتخاذ خطوة انفتاح. لذا، فإن حكومة المالكي تنتظر - وفقا لقراءة المعطيات الظاهرة - تقبلا خليجيا لانفتاح متبادل، وتحديدا بالنسبة لمركز ثقل القرار الخليجي والعربي، خصوصا أن حكومة المالكي لم تخف اعتراضها على ما يقال عن دور قطري في حركة الاحتجاجات، وهو تصور ربما بني على افتراضات تحتاج إلى إعادة صياغة وإلى معلومات يمكن تفكيك عناصر أهميتها من الناحية الأمنية، بما في ذلك ما هو متداول عن تنسيق قطري مع طرف عراقي له حضور دولي.
إعادة صياغة خيارات التعامل مع العراق ربما تكون عنصرا مساعدا في تفكيك الأزمة الحالية بين حكومة المركز ومحافظات شمال بغداد وغربها، والوصول إلى تفاهم مشترك لإعادة رسم العلاقات الإقليمية بريشة بطيئة وخفيفة اللون، على أمل إعطائها بعدا جديا في فترة لاحقة، وتخفيف تأثير النفوذ الإيراني حتى لو لم يصل إلى المستوى المفترض، و«إزالة المخاوف العراقية من عملية التغيير الحتمي في سوريا»، حيث يمكن أن يساعد الخليج في بناء علاقات سورية – عراقية أفضل، بإزالة أجواء التوتر والشك بين البلدين من الآن.
لقد أثبتت حالة الجفاء أو التحفظ صعوبة الحصول على نتائج موازية لها داخل العراق، فالمتغيرات التي حدثت عقب انسحاب القوات الأميركية أضعفت القوى التي كانت تتوقع زيادة نفوذها وتأثيرها، ووقع سياسيو الصدفة في مطبات تتراوح بين نقص المعرفة والسلوك الوظيفي، فأصبحوا خارج السلطة. لذا أصبحت دراسة الخيارات مسلكا ضروريا يمكن أن يحقق فوائد كثيرة من دون خسائر تذكر، وإلا فإن النظام هناك تعايش مع الأزمات، ولم يعد يهتم كثيرا بضغوطها.
1157 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع