خالد حسن الخطيب
قريبا جدا .. كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي ام كلثوم تصدح بحنجرتها من بغداد
في عيد الفطر المبارك لعام 2018 كنتُ في جلسة عائلة ضمّت الاهل والاقارب , أخذ أحدهم يدندن بصوت منخفض لأحدى اغاني سيدة الغناء العربي ام كلثوم حتى بادر اقاربي قائلا .. انك تجعلني أرجع بعيدا الى الوراء وأتذكر تماما كيف كنتُ أشاهد يوميا ام كلثوم وهي ترتدي نظارتها السوداء السميكة وهي تمشي من أمامي .
فقال احد الجالسين .. وكيف كانت هذه الذكريات .. هل تقصص علينا كيف حدث هذا ... فقال اقاربي لا بأس سوف أروي لكم ذكرياتي مع ام كلثوم فقال:
في صيف عام 1964 سافرتُ مع عائلتي واشقائي الى القاهرة بعد ان انطلقنا بسيارة والدي نوع فورد ( كالكسي ) من بغداد الى عمّان عاصمة الاردن حيث قمنا بتركها في مرأب للسيارات واتجهنا جميعا بالطائرة الى القاهرة , فقام والدي رحمه الله باستئجار شقة كبيرة تقع في الطابق الارضي في عمارة سكنية تطل مباشرة على نهر النيل , وصلنا القاهرة ليلا متعبين واتجهنا الى هذه الشقة التي قام والدي باستئجارها وعند الصباح خرجنا انا واشقائي الى الشارع فتفاجئنا بوجود شرطي يقف امام فيلا كبيرة لحراستها تقع امام دار السكن الذي استأجرناه..
كانت هذه الفيلا تقع في منطقة الزمالك الشهيرة بالقاهرة في شارع يسمى شارع ابو الفدا في مواجهة النيل حيث لا يفصلنا عن النهر سوى شارع واحد . واثناء تواجدنا في الشارع المذكور حدثت لنا مفاجئة من العيار الثقيل اذ خرجت من هذه الفيلا سيدة الغناء العربي ام كلثوم وهي ترتدي نظارة سوداء غامقة وقام سائقها بأخراج السيارة من مرأب الفيلا وطول فترة وقف ام كلثوم أمام باب الفيلا كانت تحدّق علينا بنظارتها السوداء ولم تشيح بنظرها ابدا من علينا انا واشقائي حتى توقفت السيارة وقام السائق بفتح الباب فدلفت ام كلثوم وجلست في المقعد الخلفي وقد أمسكت بقبضة يدها مقبض متدلي من سقف السيارة .
كانت اصوات الموسيقى والانغام الموسيقية تصدح من الشرفة المطلة على الشارع صباحا ومساءا وكانت ام كلثوم تتدرّب على اغنية ( على باب مصر ) التي سوف تقوم بأدائها بمناسبة ثورة 23 يوليو في العام المذكور من تلحين الموسيقار محمد عبد الوهاب , وكنّا نشاهد الموسيقيين والعازفين والفنانين يخرجون ويمضون فترة الاستراحة في الشارع لتدخين السكائر خارج الفيلا .
وكنا نشاهد يوميّا المارة من الرجال والنساء وهم يسألون الشرطي المكلف بحمايتها ( هل هذه الاغنية التي سوف تقوم السيدة بأدائها في اليوم الوطني لمصر فيقول نعم نعم .. فترد المارة.. الله عليك يا سيدة ام كلثوم .. الله عليك )
في احد الايام ... وكعادتي كنت أترقّب خروج ام كلثوم من باب الفيلا لتركب السيارة .. تأخر السائق بعض الوقت .. تمالكتُ نفسي وقررت ان اذهب للسلام والقاء التحية على ام كلثوم .. اقتربتُ منها وقلت لها السلام عليكم .. .. فردّت ام كلثوم ... اهلا أهلا بالبطل .. كيف حالك ... فقلت لها وباللهجة العراقية
زين والحمد لله ...
ففهمت ام كلثوم فورا انني من العراق ...
فسحبتني وقبّلت رأسي وقالت ... أسد وبطل من قلعة الاسود
فشكرتها على رقّة مجاملتها ورجعت الى عائلتي الذين كانوا بانتظاري للخروج الى الاهرامات ومتاحف مصر الكثيرة .
أصطحبنا والدي رحمه الله في يوم 23 يوليو في احدى اكبر ساحات القاهرة اتساعا في تمام الساعة السادسة مساءا لمشاهدة والاستماع الى حفلة سيدة الغناء العربي التي حضرها الزعيم جمال عبد الناصر وكذلك الرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف والرئيس الجزائري بن بلا واخرون , فقد كان حفلا مدويا للغاية اذ حضرت الجماهير المصرية من كل حدب وصوب واخذت ام كلثوم تصدح بصوتها الذي لا مثيل له وهي تشدو لزعيم الثورة المصرية والى قادة وشعب مصر العربية وضيوف مصر الاعزاء .
كنتُ مع عائلتي وأشقائي متحمسين ومنسجمين غاية الانسجام بما تشدو به ام كلثوم , وكانت العوائل المصرية من حولنا تشدوا معنا على انغام وكلمات الاغاني الخالدة التي ذاع سيطها في ذلك الزمان الجميل , اقتربت منّا العوائل المصرية واخذوا يحيّونا بأجمل عبارات الحب والمودة بعد ان عرفوا اننا من العراق حتى قام احد الحاضرين وكان رجلا في منتصف العقد الخامس وقال لي .. انكم من العراق اليس كذلك .. فقلت له نعم يا استاذ .. فقال لي وبصوت يملئه الفرح والسرور .. ستصدح لكم يا رجال وابطال العراق كوكب الشرق في يوما من الايام وسوف تغني الى ارض هذا الوطن الكبير اغنية بغداد يا قلعة الاسود ... حتى التفتنا على صوت يصيح من بعيد ... يا استاذ يا استاذ .. ( السيدة عوزاك حالا ) ... حتى فهمنا انه احد واهم اكبر الشخصيات الفنية المصرية التي تتعامل معه سيدة الغناء العربي ام كلثوم في اغانيها الخالدة .
608 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع