عبد الله عباس
بعد مرور( ٦٠)عاماَ على انقلابهم الغامض في تموز ١٩٥٨: ضباط الاحرار اسقطوا دولة ام قاموا بالثورة ؟
عام 1974 ‘ عندما كنا في الجبل بعد أن تدهورت العلاقة بين قيادة الثورة الكردستانية وحكومة بغداد بسبب تنصل الحكومة لتنفيذ بنود اتفاقية 11 اذار 1970 ‘ وكنت في طرقي من منطقة ( ناوبردان ) الى مدينة ( تويله – منطقة هورامان ) مقر قيادة ( قوة خه بات – بيشمه ركّه ) لتسجيل لقاءات لاذاعة صوت كردستان العراق ‘ وللوصول الى المنطقة لابد من المرور بالاراضي الايرانية ونحن في الطريق ‘ وقف السائق قرب الحدود امام احد المقاهي الشعبية كمحطة استراحة للمسافرين على الحدود ‘ وانا جالس اشرب الشاي ‘ لاحظت صورتين ملونتين داخل اطار واحد للمرحومين ( الملك فيصل الاول وفيصل الثاني ) وفي الجانب الاخر صورة للشيخ محمود الحفيد الذي قاد الثورة الكردية ضد الانكليز مطالبا باستقلال كردستان ‘ وعندما تهيئنا للخروج وانا ادفع فلوس الشاي لصاحب المقهى سالته : عمي العراقيين ناسين الملكيين و انت معلق صورتهم ؟ نظر الرجل الى الصورتين والحزن واضح على وجه و نظره الي وقال :
- احلفك بالله ‘ انتم في العراق رأيتم يوم من الراحه بعد ان قتلتم هذا الشاب ( مؤشرا لصورة فيصل الثاني ) من صلب النبي ؟ ولم يكن هذا اول تعبير سمعته من الناس ( الطيبيبن ) ‘ حيث ظهر هذا التعبير البسيط من افواه الكثيرين من الناس بعد مرور اقل من سنة من عملية التغيير الذي قام بها ( مجموعة من العسكر تحت عنوان ضباط الاحرار ) ادى الى اسقاط النظام الملكي في العراق مبتدئين بسفك دم العائلة المالكة بدم بارد دون اللجوء الى اي اجراء قانوني ودون ان يقوم اي من افراد العائلة بالتصدي بقوة للشلة العسكرية المتوجة الى القصر الملكي ...! والناس العاديين ( وليس ما يسمى بالسياسيين المتصارعين على مراكز القوة للسيطرة على الحكم ) وهم الناس الذين شعروا بالفطره‘ أن الدم الذي سفك وبالطريقة التى اجريت ‘ هو نذير شؤوم لما ياتي من قادم الايام عليهم وعلى بلدهم ‘ من هنا وكما اشرنا في تحليل اخر عن افرازات ماجرى في صبيحة 14 تموز 1958 ‘ ان ماحدث في ذلك اليوم لم يكن بشائرخير للعراقيين ‘ وظهرت هذه الحقيقة قبل مرور عام على العملية وفي اول بادرة صراع بين قطبي القائمين بها في ذلك اليوم ( قاسم – عارف ) والطريقة التى اختارها الاول لمعالجة الازمة والموقف الثاني ومن كان معه في التصدي ‘ كانت اول اشارة لاختيار ( الانتقام ) وبالتالي اللجوء الى العنف لكل التغييرات التي حدث لاحقاَ الى ان أدى الفعل و رد الفعل الانتقامي بأنتهاك كل الاختيارات الوطنية لمعالجة جروح العراقيين .
مهما قيل وكتب عن ( شرعية تأسيس الدولة العراقية ) خصوصا حملة التضليل الذي اطلقتة عدوانية الادارة الامريكية ( ودائما تنفيذا لهدف الحركة الصهونية ) ‘ رغم أن كل وثائق حكم الامبراطوريات في المنطقة تؤكد ان العراق الحالي كان وحدة ادارية واحدة ولكن لكل فترة تاريخية يتم ادارتها حسب النظام السائد في مركز قرار الامبراطورية المسيطرة وكان الاخير العثمانية التي قسم العراق من الناحية الادارية الى ثلاث ولايات ( الموصل وبغداد والبصرة ) مرتبطين من خلال بغدادبادارة السلطنة ‘ نقول رغم ذلك ‘ أن العبرة في شرعية مخطط تأسيس الدولة العراقية الحديثة ‘ هو استلام إدارتها لمجموعه متفهمين تفاصيل وضع البلد ( وكما يقولون بالامثال رجال راشدين و كان لكل الطوائف والاعراق العراقية حصة دون تميز و من اصول الذين حسب العرف عيونهم مليانه و لم يكونوا من التافهين الراكضين وراء الثروة ....! ) تبين أنه باستطاعتهم تأسيس دولة عصرية تتلائم مع الوضع التاريخي للبلد و تنسجم مع الوضعي الاقليمي و الدولي .
قدم الملك فيصل الاول عام 1930 مذكرة مطولة تتضمن ارائه وافكاره عن احوال العراق والعراقيين ومستقبلهم واعطى نسخا منها الى كبار المسؤولين والشخصيات السياسية المعروفه في العراق انذاك مؤشرا الى ماكان يراه في البلاد من عوامل والمؤثرات المحيطة بها والمواد الانشائية المتيسرة وعوامل التخريب والهدم فيها ‘ كالجهل واختلاف العناصر والاديان والمذاهب والميول والبيئات ‘ ويرى ان في البلد ( يحتاج ساستها الى ان يكونوا حكماء مدبرين وفي عين الوقت اقوياء مادة و معنى غير مجلوبين لحسيات او اغراض شخصية او طائفية متطرفة ‘ يداومون على سياسة العدل والموزانة والقوة معا على جانب كبير من الاحترام لتقاليد الاهالي ) ‘ كان هذا في عام 1930 وقدم الملك في هذه المذكرة برنامج للارتقاء بوضع العراق والعراقيين وبعد ان قدمه لمجموعة من السياسين والشخصيات بمقترحات اضافية ‘ تم وضع برنامج وبدء العمل الدؤب الى ان ظهرت في بداية خمسينيات القرن الماضي بوادر تكوين ( الروح الوطنية العراقية الصادقة ) لتحل محل ( التعصب المذهبي والديني ) في ضوء ما اقترحة الملك فيصل الاول الى ان جاء ت عملية التغيير في تموز 1958 ‘ و بعيدا عن ( تصور بالاعتماد على عقدة المؤامرة ) جاء توقيت تنفيذ العملية كانها تهدف الى اجهاض الخطة ونجاح نهج البناء ( روح الوطنية تحت عنوان الامة العراقية ) كحال جميع الدول العصرية .
منذ ذلك التغيير لم يرى العراقيين العمل الجدي لبناء دولة المؤسسات حتى بمستوى الدول المشابهة لحال العراق وسادت لغة الانقلابات لغة العسكر دون الاعتماد على ارادة الشعب ‘ فكان اشرس انقلاب وهو الذي نفذ في 8 شباط 1963 اشترك عدد كبير من نفس الضباط الذين شاركوا في اسقاط النظام الملكي وكان نتيجة ذلك كما مسجل في الوثائق ان مالايقل عن 5000 عراقي قتلوا خلال يومين فقط عند تنفيذ خطة الانقلاب وقتل 15 الف خلال ثلاثة اشهر نهاية السبعينات وتم ابادة 180 الف مواطن كردي و....الخ
بل أن نزيف الدم والخراب في أقليم كوردستان ‘ كان من نتائج التغير الذي حصل في 14 تموز 1958 حيث ان العسكرين الحاكمين بعد ذلك التأريخ عندما أنكروا المادة الثالثة من الدستور المؤقت فتحت بذلك باب امام ظهور بوادر التفرقة في لحمة الوحدة الوطنية العراقية .
من يريد ان يوصل للتقييم الصادق لما حدث في 14 تموز 1958 سيصل الى نتيجة يقول ان هذا النزف بدأ في ذلك اليوم عندما فتح اول جرح وسقط بذلك جهد بناء الامة العراقية وبالتالي وبمرور الزمن سقطت ارادة العلاج الوطني تحت ضربات الانقلابات الانتقامية التي غيب وبشكل ممنهج الارادة الوطنية التي كانت تستهدف إعادة بناء الامة والدولة في العراق تحترم إرادة كل المكونات وإختياراتهم ‘‘ وكما اكدنا في حديث اخر عن ماحدث في تموز 58 : لانهدف من الدعوة لاعادة التقييم ماحدث في ذلك التاريخ اتهام الاشخاص ‘ اي شخصنة التأريخ والاحداث ‘ بل انها دعوة لعل الاستجابه لها ومناقشة صفحات الاحداث بموضوعية مع وجود الارادة الوطنية يؤدي الى رؤية الضوء في نهاية النفق الذي ورطنا في عمقة ( اشرس عدو لارادة الشعوب الحرة – الادارة الامريكية القبيحة بل الوحشية والحقيرة في ثوب ملون يظهر امام الساذجين : كمحرر ومدافع عن حقوق الانسان ولكن فقط لصالح اشرس حركة عدوانية لمعنى الحرية الحقيقية – الصهونية العالمية
ان هذا البلد و ناسه الطيبين ابتلوا بعد احداث 14 تموز 1958 باشباه سياسين وحكام طائشين لما يسمى بالاحزاب العلمانيه عموما ، وكذلك القومية خصوصا،
ان كل شخصيه نزيهه ووطنيه عايشت تلك الفترات الحرجه والمريحه ايضا في زمن الحكم الملكي يشهدون على نزاهة اكثرية المسؤولين البارزين والمؤثرين في الحكومة الملكيه بما فيهم نوري سعيد الذي اثبت التحقيقات والوقائع انه ما كان يملك شىء يذكرمن الثروه ولا الاملاك حتى بقدر يليق بشهرته ونفوذه في العهد الملكي ، ولكن رأينا ايامآ في العراق بعد تموز 1958 اناسآ ماكانوا يملكون لامال ولا ارضيه وطنيه اومكانه اجتماعيه ناهيك عن السياسه والثقافه اصبحوا بين ليله وضحاها متحكمين باسواق التجاره والسياسه والمال من السحت الحرام ذلك فقط من خلال المتاجره بكلمات مؤثره في مجتمع (قلق وغيرمستقر) كالمجتمع العراقي الذي معروف عنه سرعة التقلبات وصفة اطلاق التسميات من غير حدود، و نتيجة للاحداث والتقلبات السريعه التي رافقت حياة هذا المجتمع الذي اصبح بعد 14 تموز 1958 شظايا متناثره .
والان مر 60 عاما على ماحدث ‘ تراكمات ذلك الحدث ادى الى اسقاط اخر ركيزة من جهد العراقيين لاعادة الدولة بجهدهم الوطني حيث ظهر بينهم (اغرب انواع المعارضة ) سلمت ارادة البلد لاحقر محتل في العالم في نيسان 2003 ‘الى ان وصلنا الى الان ...!
والان ما يحدث في واقع العراق : عباره عن عمليه تهديم تلك المساحة العامة لوجودها ‘ من احد جوانبها : لايظهر فيها غير عمل مخطط لتنفيذ المزيد من المؤامرات المتنوعة وانحطاط القيم ‘ وترى في الجانب الاخر يتم تنفيذ اسكات وازعاج ومنع ظهور اي عمل له معنى ويشجع على النهوض الحقيقي .
• وختام القول : مامر كان مراَّ ‘ ولكن ‘ السؤال الحاضر امام الاجيال هو هل نتخلى عن حلم الهدوء والاستقرار ؟ حكمة يابانية تقول : اذا اردنا ان تتحول احلامنا الى حقيقة فاول ما علينا فعله هو ان نستيقظ .
3906 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع