أحمد فخري
قصة قصيرة خادمة المنزل (الجزء الثاني)
للاراغبين الأطلاع على الجزء الأول:
https://algardenia.com/maqalat/38597-2019-01-11-17-38-56.html
باليوم التالي ركبت سيدة المنزل سبيجة في السيارة بصحبة السائق راجو. وانطلقت باتجاه السالمية. وبعد ساعة سمعت ايللا جرس الهاتف يضرب فركضت اليه كي تسترق السمع بعد ان علمت ان سالم صاحب الدار رفع السماعة وصار يتحدث بالعربية لكنها لم تتمكن من ان تفهم شيئاً لانه كان يتكلم بسرعة. وبعد قليل انتهى من مكالمته واراد الصعود الى غرفته فوجد ايللا واقفة تسترق السمع بالقرب منه. نظر اليها بغضب وقال لها،
- ماذا تفعلين هنا؟ هل كنت تتجسسين علي يا ملعونة؟
- لا بابا ابداً. انا كنت متعبة من عمل المنزل فقلت دعني اقف هنا قليلاً كي اخذ قسطاً من الراحة. اجل سمعتك تتحدث بالهاتف لكني لا افهم العربية كما تعلم فكيف اتجسس عليك سيدي؟
- تعالي معي.
- حسناً بابا.
صعد سالم الى الطابق العلوي فتبعته ايللا ثم دخل غرفته فدخلت ورائه وسمعته يقول،
- اغلقِ الباب.
- لـ... لـ... لماذا سيدي؟
- قلت لك اغلقي الباب واقفليه بالمفتاح.
قفلت ايللا الباب بالمفتاح وجائت عنده ووقفت بجانب الاريكة التي يجلس عليها.
- اسمعي يا ايللا. انت فتات جميلة وتريدين ان تسترزقي في عملك هنا. نحن نحبك ونريدك ان تبقي معنا سنين طويلة. وسوف ازيد من مرتبك عند نهاية كل سنة. لذلك اريدك ان تكوني ذكية وان لا تتسببي في المشاكل. اريدك ان تعتني بي جيداً لاني انا رب الاسرة وانا من يتخذ القرارات هنا فانا استطيع ان اجعلك سعيدة اثناء فترة وجودك ببيتي. واذا قمت بارضائي فساكافئك بالنقود والذهب وكل ما تشتهيه نفسك. ما رأيك؟
- رأيي بماذا سيدي؟
- تعالي واجلسي بجانبي ساخبرك ماذا اقصد.
- كلا سيدي ارجوك، انا فقيرة واريد ان اعيش، لدي ولدان في الفلبين اريد ان اربيهما سيدي. ارجوك.
- قلت لك تعالي الى هنا والا...
جلست ايللا بجانبه وهي ترتعد من الخوف. وضع يده على كتفها وصار يهبط الى الاسفل. وعندما وصل الى نهدها دفعت يده بعيداً وانفجرت بالبكاء. وبهذه اللحظة سمع صوت الخادمة الثانية ماري وهي تقول من خلف الباب،
- بابا سالم، بابا سالم، ماما سبيجة تريد التحدث معك على الهاتف.
- سنكمل حديثنا في وقت لاحق يا عالية.
فتح الباب وخرج سالم تبعته ايللا وذهبت الى غرفتها وهي ترتعد من الخوف. شاهدت ماري منظرها وسألتها،
- ماذا بك يا ايللا؟ هل اهانك السيد سالم؟
- كلا يا ماري كلا. لقد حاول ان...
- حاول ان ماذا؟ أخبريني؟
- ان يواقعني، وانا رفضت، لقد انقذتيني عندما ناديت عليه كي يجيب على الهاتف،
قهقت ماري بصوت عالِ وقالت،
- اهذا كل مافي الامر؟
- وهل هذا شيء بسيط؟
- طبعاً بسيط. انه سيد الدار وقد واقعني كثيراً ولم اعارض. لذلك فانا استعمل حبوب منع الحمل.
- لكنهم لم يشغلونني هنا ببيتهم كعاهر.
- وما هي المشكلة؟ سوف تستلمين نقوداً كثيرة مقابل ذلك بامكانك ان تقتني بها بيت بالفلبين. انسيت ان ثمن البيت في بلدنا يبلغ خمسة الاف دولار؟ بينما يعتبر هذا المبلغ مصروف يومي بالنسبة للكويتيين. انا اقول استمتعي قليلاً معه واستفيدي من المبلغ الذي يمنحك اياه.
- انا افضل الموت على ان ابيع نفسي بهذه الطريقة الرخيصة.
- إذاً ستبقين فقيرة وغبية.
خرجت ماري من الغرفة وهي تضحك على سذاجة صاحبتها ايللا. في اليوم التالي عادت سيدتها سبيجة من زيارة اختها وبعد ان تناولت وجبة الغداء قالت،
- عالية، اريدك ان تأتي الى الصالون اريد ان اتحدث معك.
- حسناً ماما.
وفي الصالون سألتها سيدتها،
- خبريني يا عالية، ماذا سمعت وماذا عمل عمك سالم؟
- هو لم يعمل شيء يذكر فقد طلبه احد اصدقائه وتكلم بالهاتف.
- وكيف عرفت انه صديقه وليست صديقته؟ فانت لا تجيدين العربية بعد يا ملعونة.
- لانه لو كان يكلم صديقته لتحدث بصوت خافت، لكنه كان يتكلم بالهاتف بصوت اعتيادي.
- اوف، لقد ذهبت خطتي في مهب الريح. وانت ايها الحمقاء، متى ستتعلمين العربية؟
- لقد تعلمت بعض الكلمات وانا مازلت اتعلم كل يوم. (سوية سوية)
- يقولون شوية شوية يا حمارة.
- طيب ماما سوية سوية.
- اغربي عن وجهي الآن بعثك الله الى نار جهنم.
رجعت ايللا الى عملها وهي مهمومة تركبها الوساوس والافكار السوداء وفوق هذا وذاك شوقها لاولادها والشعور بالحرمان وعدم الامان.
في يوم من الايام نادتها سيدتها سبيجة قائلة،
- عالية، اريدك ان تذهبي الى السوق لشراء بعض الحاجيات. ستجدين القائمة مكتوبة بهذه الورقة بالانجليزية.
- حسناً ماما. وكيف سأذهب الى السوق؟
- سيأخذك السائق راجو، وسوف ينتضرك بالسيارة حتى تنتهين ثم تعودين معه.
- حسناً ماما.
غيرت ايللا ملابسها وتوجهت نحو الباب الرئيسي فالتقت بصاحب الدار سالم إذ قال لها،
- اين انت ذاهبة يا عالية؟
- الى السوق بابا، سأذهب مع راجو بالسيارة.
- لقد ارسلت راجو بمهمة للتو. لذلك ستأتين معي.
- حسناً بابا.
ركبت ايللا في الكرسي الخلفي وركب سالم في كرسي القيادة وانطلقت السيارة وبعد قليل توقفت السيارة امام بيت صغير يكاد يكون على مسافة 15 دقيقة عن بيت العائلة فسمعت سالم يقول لها،
- هيا انزلي يا ايللا.
- ولكن بابا هذا ليس السوق.
- لا عليك انزلي.
نزلت ايللا وتبعت سيدها سالم الى باب الدار. وعندما دخلت وجدته بيتاً صغيراً متواضعاً لكنه مؤثث تأثيثاً جميلاً. قال سالم،
- هذا هو بيتي الشخصي. هل اعجبك يا عالية؟
- اجل سيدي ولكن ماذا عن السوق؟
- لا عليك، سوف تتسوقين فيما بعد. علينا ان نكمل ما بدأناه في ذلك اليوم.
- بدأنا ماذا سيدي؟
بدلاً من ان يطيل الكلام معها. امسك بيدها ودفعها الى غرفة النوم. صارت ايللا تحاول اقناعه وتقول،
- ارجوك سيدي، لا تفعل ذلك. ارجوك انا لست مثل باقي النساء العاملات عندك. اتركني فانا لم افعل ذلك بحياتي ارجوك.
لكنه لم يستجب لاستغاثتها وبدأ بازالة ملابسها. ومهما حاولت ان تمنعه وتتمسك بملابسها الا انه كان مصراً كي يعريها كاملة، هنا لم تجد بداً من ان ترفسه في منطقته الحساسة فاسقطته ارضاً. صرخ سالم وبقي يتقلب على الارض من شدة الالم ثم حاول الوقوف بصعوبة وقال لها وهو منحني "ساعلمك درساً لن تنسيه ابداً يا بنت الكلاب الضالة" وبعد قليل تمكن من الوقوف على قدميه بعد ان اتكأ على احدى الكراسي وسحب هاتفه النقال من جيبه واتصل باحد اعوانه المصريين فقال له،
- يا محسن، تعال هنا حالاً بالسيارة السوداء، انا ببيتي الصغير. اجل، اجل تعال الآن فوراً.
ثم اغلق الهاتف. وبعد ربع ساعة حضر محسن وتحدث مع سيده ثم خرج سالم وعاد الى بيته وهو يسير ببطئ شديد. دنى محسن من ايللا. فنظرت اليه بخوف كبير لانه كان طويل القامة ومفتول العضلات فهي تبدو كالنملة امامه. نظر اليها وامرها،
- هيا تعالي معي يا عاهر.
- اين نحن ذاهبون؟
- سوف تعرفين فيما بعد. تعالي يا ساقطة بدون مشاكل.
خرج الاثنان معاً وركبا السيارة، في هذه اللحظة ظنت ايللا انه سيرجعها الى بيت العائلة. صارت السيارة تمر بمناطق غريبة لم تعهدها ايللا من قبل ثم انتقلا الى الطريق الخارجي. ومهما سألته عن وجهتيهما نهرها ولم يعطها اي جواب. وبعد ساعة من السير وقفت السيارة امام شاليه على البحر فامرها محسن بالنزول. وعندما رفضت الانصياع لاوامره مسكها من يدها وصار يضربها ضرباً مبرحاً ثم ادخلها الشاليه عنوة وحاول اغتصابها هو الآخر لكنه لم يفلح لانها قاومته بشراسة وعضت يده مما تسبب في نزيف بيده، اخيراً قام بشد وثاقها على اعمدة السرير وصار يضربها وكأنها كيس للملاكمة وكلما لكمها في منطقة من جسدها كانت تشعر وكأن ناراً تشتعل فيها. لم يترك مكان في جسدها الا وضربها فيه وقد ركز كثيراً على عينيها. وبعد ان اصبحت كالجثة الهامدة، خرج تاركاً ايلا وحيدة. بقيت ايللا تبكي من شدة الآلام التي سببها لها هذا العملاق المتوحش حاولت ارتداء ثيابها لكنها لم تفلح. صارت تصرخ وتستنجد عسى ان يسمعها احد فينقذها، الا ان المنطقة كانت غير مأهولة ولم يمر احد من ذلك الشاليه. وعندما حل الظلام اضطرت ان تنام فوق السرير وتغطي نفسها بالخرق القذرة التي كانت على السرير. في صباح الباكر حاولت جاهدة كي تحرر نفسها الا ان وثاقها كان محكماً ولم تفلح في ذلك. وبعد مرور بضع ساعات على بزوغ ضوء الصباح حاولت ان تتحرر ثانية من وثاقها فلم تفلح من ذلك الا ان عمود السرير صار يتأرجح بشكل يوحي الى انه سينكسر. بقيت تسحبه ساعة وتدفعه اخرى حتى انكسر وتمكنت بذلك من فك وثاقها وارتدت ملابسها. سارت بذلك الشاليه الصغير بحثاً عن هاتف فلم تجد اي شيء سوى بعض قناني المشروبات الكحولية الفارغة.
وعندما يئست من العثور على هاتف قررت الهروب ولكن الى اين؟ هي لا تعرف المنطقة التي هي فيها. سارت قليلاً حتى وصلت الى شارع رئيسي فوجدته مكتضاً بالسيارات السريعة. اشارت بيدها للسائقين كي يقفوا ويساعدوها الا ان احداً لم يتوقف. بقيت تسير على حافة الطريق لنصف ساعة حتى وقفت سيارة شرطة بالقرب منها. سألها الشرطي بالانكليزية،
- الى اين انت ذاهبة؟
- اريدك ان تأخذني الى سفارة الفلبين لو سمحت.
نظر الشرطي الى وجهها والى الكدمات التي باتت واضحة على وجهها وجسدها وقال.
- لا حول ولا قوة الا بالله. اركبي في الخلف.
ركبت ايللا بسيارة الشرطة وانطلقت بها بالطريق السريع وبعد ما يقرب من ساعة وقفت امام مستشفى السلام الدولي، اخذتها الممرضات بالداخل كي يعالجنها. وبعد ساعتان سأل الشرطي الذي احضرها عن حالتها فقال الطبيب،
- لقد كسرت ثلاثة من اضلعها واحد اصابعها ويدها اليسرى كما وان عينها اليسرى كادت ان تصاب بالتلف الكلي الا اننا تمكنا من معالجتها، لكنها وسوف لن تتمكن من النظر بها الا بعد عدة اشهر.
بعد يوم كامل من دخولها المشفى جاء السفير الفلبيني لزيارتها. وعندما سألها عن حالتها انهارت وصارت تبكي بحرارة ثم قصت عليه ما حل بها من البداية وحتى النهاية فسألها عن اسم وعنوان صاحب الدار فاعطته كل المعلومات عنه. وعدها ان يتصرف معهم من الناحية القانونية بكل حزم كي يأخذ لها حقها.
في اليوم التالي جاء السفير ومعه محامي لزيارتها فسألها،
- هل قمت بالتوقيع على عقد مع صاحب العمل؟
- نعم بالتأكيد في مكتب التشغيل.
- هل لديك نسخة من هذا العقد؟
- كلا سيدي. لم يعطوني نسخة ولكن بامكانك ان تطلبها من مكتب التشغيل.
- لكن مكتب التشغيل ينكر وجود هكذا عقد ويقول بانك تكذبين.
- كيف ذلك يا سعادة السفير! هل بامكاني ان اءتي الى الكويت على نفقتي الخاصة وان اكذب كل هذه الاكاذيب؟ ولو كنت اكذب فكيف حصلت على تأشيرة دخول؟
- لكن القانون لا يفهم كل تسائلاتك هذه. المهم هنا هو عقد العمل، واذا لم يكن لديك نسخة منه فان جميع حقوقك مهدورة. هم يعرفون ذلك، لذلك لم يقوموا باعطائك اي اوراق او عقود. يبدو ان صاحب الدارسالم استطاع ان يرشي مكتب التشغيل، لذلك هم ينكرون وجود العقد وبذلك فانا لا استطيع ان اتابعهم قانونياً.
- حضرة السفير، ماذا تستطيع أن تفعله من اجلي بمثل هذه الحالة؟
- لا استطيع عمل الكثير، سوى منحك تذكرة عودة الى الفلبين يا ابنتي.
- حسناً سيدي السفير. دعني ارجع الى وطني فقيرة ومكسرة افضل عندي من كل هذه المأساة في مثل هذا البلد الفضيع.
بعد مرور اربعة ايام تعافت ايللا قليلاً فسافرت في الطائرة متجهة الى مانيلا. في الطائرة بقيت تفكر عن المصيبة التي حلت بها والمصائب التي تنتظرها حينما تصل بالفلبين، فدين مكتب التشغيل لازال قائماً. واولادها يجب ان ترعاهم وتوفر لهم المال اللازم لمعيشتهم. هناك الكثير من الامور ستنهال فوق رأسها كالمطر، ولكن ذلك افضل مما كانت تعانيه في بلد لا يحترم حقوق الانسان. فبالرغم من ان بلدها فقير ومجالات العمل قليلة الا ان الانسان محترم وحقوقه محفوظة خصوصاً بعد ان جائهم رئيس الجمهورية الجديد رودريكو دوتيرتي الذي شن حرباً على الفساد والجريمة والمخدرات واصبح البلد آمناً للمواطنين والسواح على حد سواء. ستحاول ايللا البحث عن عمل مهما كان مهيناً ومهما كان دخله قليلاً الا انها سوف تربي اولادها امام عينيها وتعلمهم اصول التعامل مع الناس.
هبطت الطائرة في مطار نينو اكينو بمانيلا وبدأت تسير بالمدارج والممرات حتى وصلت الى فسحة الموقف الرئيسي. فُتحت باب الطائرة وصار المسافرون ينزلون منها الواحد تلو الآخر وعندما وصلت ايللا الى باب الطائرة وجدت جمعاً غفيراً من الصحفيين متجمهرين حول سلم الطائرة فتخيلت ان شخصاً مهماُ كان معهم على متن الطائرة. لكنها حالما وضعت قدمها على ارض المطار صار الصحفيين والمصورين ينادون اسمها ويودون التحدث معها، لكنها رفضت لانها كانت متعبة جداً وهمها الوحيد هو الوصول الى منزلها ولقاء ولديها. بعد ان خرجت من مبنى المطار قابلها احد الصحفيين وقال لها،
- هل بامكاني ان اعمل معك لقاء صحفي اليوم؟
- ارجوك اتركني فانا متعبة واريد ان التقي باولادي.
- لقد اوصاني بك سعادة سفير الفلبين بالكويت على الهاتف ، علماً ان المقابلة ستدوم فترة قصيرة جداً وستمنحك الجريدة مكافأة مجزية كي تعطينا سبق صحفي.
- هل قلت سفير الفلبين بالكويت؟
- نعم، اتصل بنا بالهاتف واخبرنا بانك كنت مظلومة وانك تعرضت لممارسات جداً سيئة من صاحب العمل.
- وكم هي المكافأة؟
- انها عشرين الف دولار.
فرحت ايللا كثيراً وقالت له
- موافقة. ولكن لدي شرطين، الاول أن تكون المقابلة اليوم ببيتي. والثاني ان تمنحني المبلغ مقدماً قبل المقابلة.
- وافقنا على شرطيك.
- شكرته ورفعت رأسها الى السماء قائلة
"حمداً للرب"
4760 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع